سيف سعيد غباش
وكيل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي

أثبت منتدى أبوظبي للسياحة وتحليل البيانات، الأول من نوعه في المنطقة، التزام إمارة أبوظبي بتكريس مكانتها كعاصمة سياحية قائمة على الابتكار، بخاصة أنّه ركز على استكشاف أحدث المعارف في القطاع وتوظيف آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا لدعم قطاع السياحة بحلول تعزز من بناء مستقبل مزدهر.

وباتت التكنولوجيا، بما في ذلك البيانات والتحليلات، عاملاً مهماً لدعم مساعينا لتحقيق تنمية مستدامة راسخة ليس في قطاع السياحة وحسب، بل في جميع مفاصل الحياة في أبوظبي، إذ تعد الاستدامة جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الإمارة لحفز نمو قطاع السياحة، الذي يخدم بدوره هدفنا الأشمل بتحقيق التنوع الاقتصادي للحد من اعتماد الناتج المحلي الإجمالي في أبوظبي على النفط والغاز.

انطلاقاً من الدور المحوري للبيانات والتحليلات في معالجة التحديات التي تفرضها عملية التطوير، فإننا نؤمن في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، بأهمية توظيف آخر الابتكارات لمواجهة هذه التحديات، ولهذا نحن في بحث دائم عن أحدثها حول العالم.
كما نرى أن الوجهة السياحية التي لا تعتمد على البيانات والتحليلات في هذا العصر، أشبه بمدينة بلا كهرباء ولا وقود؛ أو مدينة تستقبل سياحها بلا إنارة في الشوارع ولا شبكة كهربائية لتغذية الفنادق والمتنزهات الترفيهية ومن دون محطات لتعبئة الوقود!

تعد السياحة من القطاعات التنافسية عالمياً، حيث تتبارى الوجهات حول العالم لاجتذاب السياح.. وفي غضون سنوات قليلة، ستتمكن الوجهات السياحية التي تعتمد تحليل البيانات من توفير عروض شاملة ومخصصة، تتضمن مسارات شخصية، وتجارب محسَّنة في المطارات، وجداول زمنية مع رحلاتٍ مصممة بحسب احتياجات كل زائر على حدة.
وسيتولى المساعد الافتراضي شرح أجندة اليوم عند الوصول إلى الوجهة، كما سيتولى توجيه السيارة التي تقل الزوار، بالإضافة إلى حجز تذاكر الحفلات الموسيقية وطاولة العشاء مسبقاً، كما سيتم إعداد مسار الرحلات تلقائياً بما يتناسب مع الميزانية المحددة وأذواق ونمط حياة الأفراد، ومن يريد أن يكون على سجيته أكثر فلن يكلفه الأمر سوى نقرة زر واحدة للحصول على خطة أفضل.

هذا ليس مجرد خيال علمي، إذ يقدم بالفعل تجار التجزئة اليوم هذه الميزات، رغم أن ذلك يقتصر على رحلات محدودة جداً. لذا فإن التحدي يكمن في كيفية تطبيق جميع هذه المزايا والتخصيصات في كامل الوجهة السياحية، ويساعد في فهم رحلة كل زائر وما هي تفضيلاته، وعلى اللاعبين في القطاع تحسين التجارب السياحية وجعلها مثالية وفق ذلك.

اليوم، تواجه الوجهات السياحية تحديات حقيقية تتمثل في المسافرين المزاجيين الذين قد تتغير أذواقهم سريعاً بمجرد رؤية منشور واحد على "إنستجرام"، أو مقطع فيديو على "فيسبوك"، مما يعني أن الخطط السياحية طويلة الأمد لم تعد قادرة على استقطاب هؤلاء المسافرين «متقلبي المزاج»، وباتت المرونة في الاستجابة لمتطلباتهم والعروض المخصصة هي السبيل الوحيد لذلك. وبلا شك ستمنح البيانات الوجهات السياحية المرونة اللازمة لاستقبال هؤلاء الزوار، حيث ستمكنها من توفير عروض وتجارب ملائمة بمنتهى السهولة.

تمكن التكنولوجيا من جمع معلومات وفيرة عبر نقاط الاتصال المتنوعة من زوار كل وجهة، وبالتالي ستحدث نقلة نوعية في التجارب التي تقدمها لهم.. ومع ذلك، لا يكفِ أن نمتلك البيانات وحسب، إذ يجب أن نكون قادرين على استخدامها بكفاءة.

يترافق عصر البيانات والتحليلات مع تحدياته الخاصة، مثل إمكانية الوصول إلى المعلومات والحوكمة وعمليات الدمج والجودة، وبالتالي يتعين على المؤثرين في قطاع السياحة؛ بدءاً من الجهات الحكومية ومروراً بأصحاب الفنادق وانتهاءً بشركات السفن السياحية، التعاون معاً والاستفادة من الأدوات اللازمة لاستخلاص نتائج قابلة للتطبيق على أرض الواقع من البيانات المتوفرة بين أيدينا.
مما لا شك فيه سيكون هنالك رابح واحد فقط؛ الوجهة السياحية نفسها.

إننا على ثقة أن الاستخدام الأمثل للبيانات والتحليلات المتعلقة بها يمّكن من وضع خطط فعالة لتطوير القطاع السياحي وخلق تجارب سياحية جذابة بناءً على تفضيلات الزوار، وهذا ما يرمي إلى تحقيقه منتدى أبوظبي للسياحة وتحليل البيانات، إذ نؤكد في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي عزمنا على تحقيق هذه الرؤية، منطلقين من قناعتنا بأنّ البيانات هي ركيزةٌ أساسيةٌ لنمو وتطوُّر القطاع ونجاحه، خاصة أن ذلك يتطلب بناء مثل هذه البنية التحتية المتكاملة والسلسة للبيانات لا يقلّ أهميةً عن بناء معالم سياحية عالمية المستوى، مثل "متحف زايد الوطني" المرتقب.

لقد اختتم منتدى أبوظبي للسياحة وتحليل البيانات أعماله بنجاح، وبمشاركة مهمة من أكثر من 100 خبير عالمي في عالم البيانات والتكنولوجيا المتعلقة بها، قدموا خلالها تصورات مبهرة للإمكانيات التي يتيحها التوظيف المدروس للبيانات.
إننا ندعو الشركاء واللاعبين في القطاعين العام والخاص للاستفادة من التجارب العالمية الحديثة في هذا الصدد وتبني ممارسات حديثة تساهم في تطوير القطاع السياحي، ودفع عجلة النمو نحو آفاق أكثر جاذبية.