محمد عريقات (عمّان)

من يتتبع حياة الأدباء المشهورين عربياً وعالمياً تستوقفه بعض التناقضات بين الصورة التي يكوّنها من خلال أدبهم وبين تلك التي تشكلها الأخبار التي ترد عنهم، للدرجة التي جعلت بعض القراء الحصيفين يتجنّبون الالتقاء بكتّابهم المفضلين، وقتل فضولهم في تقصي خصوصياتهم، فعلى سبيل المثال نشرت الأديبة الأردنية ليلى الأطرش مؤخراً على صفحتها في الفيسبوك، التعالي الذي قابلها به الشاعر محمود درويش حين تقدمت منه على هامش أحد المهرجانات تذكره بحوارها التلفزيوني معه، فما كان منه إلا أن أنكر الأمر برمته ما أثار سلسلة من التعليقات السلبية.
وبدوره تحدث الشاعر أدونيس في حوار صحافي عن الشاعر محمد الماغوط أنه كان متوحشا بتعامله مع زوجته الشاعرة سنية صالح، التصريح الذي كان له أثر سيئ عند قرائه، الذين رأوا أنه يتناقض مع بعض ما كتبه الماغوط عن علاقته الطيبة والحنونة معها، بينما يستنكر نقاد أن يكون مثل هذه الأحكام سندا لقراءة نصوصهم إلا في حدود الإسقاطات النفسية للنص.


عربيًا، لم تأت لنا أخبار المشاهير من الكتّاب بما هو أبعد من الغرور المفرط لبعضهم، أو السلوك الذكوري القمعي تجاه النساء في حياتهم، وحتى ذلك لم يكن بدافع إيجاد موضوع لإبداعاتهم، لكن باعتقادي لم يسجل التاريخ أن أديباً عربيا قَتَل من أجل أن يكتب بل إن التاريخ يضج بأسماء مبدعين سُجنوا وقتلوا جراء ما أبدعوه من أدب مثل الحلاج، وطرفة بن العبد، وبشار بن برد، والسهروردي، والقائمة تطول، بينما هنالك أدباء من غير العرب اكتشفت جرائمهم البشعة قتلا وتعذيبا بهدف إيجاد أحداث يضمّنوها رواياتهم، فمؤخرا نشرت الصحافية «هيفزيبا أندرسون» سِيرَ العديد من المبدعين الذين ارتكبوا جرائم قتل بشعة بهدف أن يستوحوا من تفاصيل جرائمهم تلك أحداثا للروايات التي يؤلفوها، كما ذكرت بعض من لم يرتكبوا جرائم إنما جعلوا من جرائم غيرهم مع تدخل الخيال الخاص روايات تصدرت شهرة عالمية.


وبحسب أندرسون فقد أدين مؤخرا المؤلف «ليو يونغ بياو» بارتكابه جريمة قتل أربعة أشخاص أوسعهم ضربا حتى الموت في نُزل عام 1995 من أجل الشروع بكتابة رواية تحت عنوان «الكاتبة القاتلة الحسناء». وليو ليس أول مؤلف يقترف جرائم ويضمنها رواياته، ففي عام 1991 قتل الكاتب الهولندي «ريتشارد كلينكهامر» زوجته ومن ثم عرض على ناشره رواية بعنوان مخيف وهو «الأربعاء يوم اللحم المفروم». وقد عدّت تلك الروايات، بحسب نقاد، مزجا بين الأدب والواقع، لا يوصى ضعاف القلوب بمطالعتها. أما العمل الأبرز فهو رواية «زهرة الأضاليا السوداء» البوليسية لـ «جيمس إلروي» عام 1987 والتي تخالف الواقع بتصوّرها التوصل إلى الجاني. ورغم أن أحداث الرواية تبدأ قبل عام من ميلاد إلروي إلا أنها تحمل وقعا خاصا بالنسبة له، إذ أهداها لأمه التي كانت ضحية جريمة قتل وقعت في لوس أنجليس عام 1958.
وهناك الكتّاب الذين لم يرتكبوا جرائم إنما جعلوا من جرائم غيرهم مادة لروايات وأعمال أدبية، فعلى سبيل المثال استلهم المؤلف «روبرت بلوك» رواية مثيرة بعنوان «نفوس معقدة» حوّلها المخرج ألفريد هيتشكوك عام 1960 إلى أحد أشهر أفلامه، وهي مستمدة من الجرائم المروعة التي ارتكبها «إدوارد ثيودور غاين» عام 1957، والذي انتهى به المطاف بالموت بالمصحة العقلية، حيث أودِع، ولاحقا استلهم توماس هاريس من الرواية نفسها شخصية «بافلو بيل» في رواية «صمت الحملان».