أحمد الزرعوني: دروب الفريج تفوح منها رائحة معطرة بالأصالة
قال هاوي جمع التحف أحمد محمد ناصر الزرعوني إن لديه مقتنيات تراثية جمعها على مدار نصف قرن من حياته، تسرد فصولاً من الماضي، تزين صفحاته بطولات الآباء والأجداد على مر السنين، لتكون نبراساً ينير طريق الأبناء إلى معرفة ماضيهم، مشيراً إلى أن دروب الفريج بالنسبة له سكك معطرة برائحة الإصالة والتراث. والتحف الأثرية هي وجه آخر للماضي الجميل وذكرياته التي لا تنسى، في رأي أحمد محمد ناصر الذي كرس وقته وجهده لجمع التحف الأثرية، كونها هواية حياته التي لا يقوى على العيش من دونها، فأضحى من أشهر جامعي التحف الأثرية في الشارقة، فلديه مجموعة محلات يملكها مع والده، بالإضافة إلى المتحف الذي يزين مجلس بيته، يحتوي على آلاف القطع الأثرية الصغير منها والكبير، جمعها خلال سنوات طويلة التي يصل عمر بعضها إلى حقب تعود إلى آلاف السنين.
قال أحمد محمد ناصر إن رمضان زمان كان له طعم مختلف عن اليوم، فلم تنقطع الزيارات العائلية، بل كان الجميع يتواصل مع بعضهم البعض الرجال يعملون في الزراعة والصيد والتجارة، والنساء كن يقمن بدورهن كذلك في مساعدة الرجل وتربية الأبناء، وفي نهاية يوم العمل، يطمئن كل فرد على الآخر، لأن الكل يحمل في قلبه للآخر كل الحب والتقدير.
ويواصل: كانت البيوت برغم بساطتها تحتضن الأسرة وترحب بالضيف وتكرمه هذه هي عيشتنا في الأيام العادية، أما في شهر رمضان فالوضع لايختلف كثيرا عن الأيام الأخرى فرغم حرارة القيظ لم نكن نشعر بالجوع والعطش بل العكس كانت الأمور طيبة ونعمل بلا كلل أو ملل، نمارس أعمالنا كما هي، بينما الأطفال كانوا يلعبون الألعاب الشعبية البدائية والتي تكون البعض منها بدائية في دروب الفريج أو على الـ«سِيف» (شاطئ البحر)، وفي جو من المرح والتسلية يقفزون هناك وهناك يجمعون القواقع والمحار التي تملأ الشاطئ ويبنون القلاع التي تهدمها أمواج البحر تارة أو أرجلهم تارة أخرى، بينما النساء في رمضان فكنا يعملن ويجهزن الفطور وكانت محتويات مائدة رمضان بسيطة جدا.
وعن ذلك يضيف: كانت تضم صنفا إلى 3 أصناف من الطعام حيث كان يضم الهريس والجريش والرطب والجامي واللبن والساقو، ورغم ذلك كان يكفي جميع أفراد العائلة، وبعد صلاة التراويح نجتمع في بيت فلان وتدور الحوارات حول أحوال السوق والبيع والشراء وكانت هذه التجمعات هي متنفس الجميع لما تمتاز به من حوارات ومناقشات بين الصغير الكبير، وكنا نحن الشباب نتعلم منهم السنع وكل ما هو مفيد، وعندما يحين الليل كان المنادي يقوم بدوره الذي غالبا ما كان يتواجد في السوق 3 أشخاص يمسك كل واحد منهم (فنر)، ليضيء عتبات السوق ليحرس المكان من تعرضه للسرقة.
السهرات الرمضانية
واعتاد أهالي الفريج في السهرات الرمضانية بالماضي وبالأخص فى المجالس التي تستمر فى استقبال روادها إلى ساعات متأخرة من الليل إلى تقديم أطباق خاصة من الأكل تعرف بـ(الغبقة).
إلى ذلك يقول: تختلف بالشكل والنوع عما يتم تقديمه في الوقت الحاضر حيث يتم الآن تقديم وجبات دسمة وفي ساعة متأخرة وبوقت يقارب السحور، أما في الماضي فكانت الغبقة تقدم بوقت لا يزيد على الساعة العاشرة مساء وهى تحتوي على أصناف شعبية خفيفة مثل الباجلا والنخي والمحلبية وخبز الرقاق بالإضافة إلى تشكيلة منوعة من الحلويات الشعبية مثل الزلابية واللقيمات.
ومن جهة أخرى، فإن حب جده ناصر الزرعوني لهواية جمع المقتنيات الأثرية وسير والده محمد ناصر في هذا المجال، جعله هو الآخر تتفتح عيناه على كل ما يتعلق بالمقتنيات الأثرية التي بدأها حين كان والده يبيعها للأجانب الذين يتوافدون إلى السوق القديم بالشارقة.
ويقول عن تلك البداية التي يتذكرها: منذ طفولتي تفتحت عيناي على تلك التحف والمقتنيات التي تعد ثروة كبيرة لمن يتعامل معها، فوالدي كان يملك محلا صغيرا يبيع فيه كل ما يتعلق بتلك التحف، وكان الإنجليز في ذلك الوقت يزرون السوق للشراء، وغالبا ما كان الباعة من تجار السوق آنذاك يبيعون مواد غذائية بسيطة مثل العسل والسمن واليقط والصوف بأنواعه والأرز والبزار والقهوة، وكان محل الوالد بالقرب من تلك المحلات الأخرى وكان هو الدكان الوحيد الذي يبيع كل ما تتمناه العين من أدوات قديمة من خناجز وسيوف ودلات وراديو وصوان قديمة ومندوس وأسلحة.
المعلم
وتبدأ حركة السوق منذ الصباح الباكر بين البيع والشراء، الكل يتمنى للاخر أن يكون البيع اليوم أفضل من أمس، بينما الذين يتوافدون على السوق هم الأجانب الذين يشترون مجموعة من الأغراض القديمة من دلات وأسلحة وقدور، بينما نحن نشتري منهم في أحيانا كثيرة سيارة لاندروفر التي قيمتها في ذاك الزمن يصل إلى (200 درهم). يبتسم وهو يتذكر هذه الأيام التي يحن لها، مؤكداً: كنت أرقب والدي عن كثب بعمليه البيع والشراء وكيف كان يتعامل مع الإنجليز بطريقة محببة تدفعهم لشراء ما كان يقتنيه والدي من الكثير من المقتنيات الأثرية المتنوعة، موضحاً لهم أثناء عملية البيع ما هي استخدامات كل أداة من هذه الأدوات التي يبيعها لهم وكيف إنها من البضائع الثمينة والتي لا تقدر بثمن في ذلك الوقت.
وذهابه مع والده إلى السوق وتعمل الكثير من الخبرة في عمليه التجارة حين كان عمره 7 سنوات، إلى أن كبر وأصبح في العاشرة من العمر أكسبه الكثير من المهارة في البيع والشراء، يقول في هذا الشأن: كنت أراقبه بدقة وأتعلم منه ما يقوله للباعة الإنجليز لإقناعه في شراء تلك التحف، فقد كنت شغوفا في أن أكون مثل والدي شاطرا في البيع وبالفعل قربي منه وملازمته صباحا ومساء جعلني أكون مساعدا ومساندا له في بيع المقتنيات.
وأضاف: كل ما وصلت إليه كان بفضل والدي فهو المشجع والمعلم الأول والأب الحنون الذي لم يبخل علي في أن يساعدني باكتساب المعرفة في بيع المقتنيات، بل كان يوجهني لكيفية التعامل مع الإنجليز في البيع، ولولا دعمه لما أستطعت أن اقف على رجلي وافتتح مجموعة من المحلات لبيع تلك المقتنيات الأثرية الأصيلة والتي أصبح لها اسم لامع في سوق العرصة اليوم بالشارقة.
مرحلة الجامعة
وبعد أن ترعرع أحمد في كنف والده أحب أن يواصل دراسته الجامعية ولكن تخصص في مجال مختلف عن هوايته، وهو تخصص إدارة أعمال - جامعة القاهرة.
ويقول عن تلك المرحلة: شغفي بمجال التجارة جعلني أفكر مليا بالتخصص بإدارة الأعمال وهي من التخصصات المطلوبة في ذلك الوقت، ورغم سنوات الدراسة والغربة والبعد عن الأهل لم يثنيني ذلك من التفوق في دراستي ولم ينسني أيضا هوايتي، فقد كنت أزور سوق الخليلي بالقاهرة، بل كنت شغوفا ومحبا لاقتناء كل ما تقع عيناي على تلك التحف والمقتنيات التي تبهر كل من يشاهدها منذ اللحظة. وتابع: كلما سنحت الفرصة أقوم بزيارة سوق خان الخليلي فقد كان يبهرني ويشدني إليه تنوع بضاعته من الفضيات والأباريق والتماثيل والصناديق والأدوات الصغيرة، ومعظم تلك التحف الفضية هي تحف إنجليزية وتركية وفرنسية، والجميل ما في هذا المكان إن كل قطعة أو تحفة تتميز بتاريخ صناعتها واسم صانعها والمادة المصنوعة، وأيضا الألوان والحجم ومقاييس الحجم ونسبه، وكلها معايير تخفض أو ترفع من سعر التحفة وقيمتها، وأثناء عودتي إلى الوطن كنت أجلب معي ما إشتريته من السوق واحتفظ به في المنزل.
مشروعه التجاري
وكل من يقترب من أحد محلات أحمد الزرعوني يخيل له أنه يتجول في أحد المتاحف التي تحمل عبق التاريخ وأصالة الماضي، لما تحويه من محتويات تنقلنا إلى فترات زمنية وأحداث سياسة ومعارك وفنون، فداخل المحل الأسلحة والراديو والمخطوطات الأثرية والعملات، حيث سخر كل وقته وجهده في جمع التراث القديم والاحتفاظ به واقتنائه، وشراء جميع ما تقع عليه عينه من الموروثات القديمة التي لا تقدر بثمن، يلفت إلى ما يضم المحل من قطع أثرية.
ويقول: جمع الآثار بالنسبة لي يعد هواية ممتعة ويحتاج إلى جهد ومال كبير إضافة إلى الصبر، حتى يستطيع الشخص أن يصل إلى مجموعة متكاملة من الآثار، لافتاً إلى أن الدافع من وراء هذه الهواية هو العشق الشديد للماضي والتمسك بالتراث، وأنه يهوى جمع الآثار ولا يفكر إطلاقا بالاستغناء عن أي قطعة مهما وصلت الإغراءات، لكن عند الاقتراب من تلك المقتنيات نجد هناك مخطوطات وأثريات إلى القرن التاسع الهجري.
التراث العريق
ويضيف: كل ما أملكه وأبيعه أصلي ومن التراث العريق، فمن يحب الطوابع القديمة والعملات سيجد مبتغاه بالإضافة إلى الدلات القديمة، ومجموعة من الراديوهات قديمة الصنع والإنتاج وبأحجام مختلفة، كذلك أملك 180 بندقية مختلفة الأنواع، و50 مدفعا ومجموعة من الفخاريات والوثائق وسيوف ورماح، وزجاجيات قديمة، ومكاحل ومرشات وهي أدوات تستخدم لزينة المرأة، كما خصّص في زاوية من المحل توثيق تاريخ البحر، من خلال تجارة اللؤلؤ وآليات وزنه، مع عدة الطواشة، أما عن الأسلحة فتوجد مجموعة رائعة من الخناجر والسيوف متفاوتة الأحجام، وبنادق قديمة ونادرة يصل عددها ما يقارب 200 نوع، تمتاز بروعة زخارفها وجودة معادنها. كما يختزن بعض المخطوطات النادرة جداً، والميداليات، الساعات المختلفة الأشكال، والأوسمة والمسكوكات.
ويتحدث أحمد الزرعوني، حضرت الكثير من المزادات العالمية المعروفة في جميع دول العالم، وخاصة في بريطانيا حيث تضم هذه الدولة الكثير من تلك التحف النادرة والمتميزة، كما زرت الكثير من المعارض العالمية المتخصصة في بيع تلك التحف والمقتنيات الأثرية التي أقوم كلما أعجبت بمجموعة قيمة منها أقوم بشرائها مهما كان سعرها مرتفعا، فكل ما يضمه محلى هي قطع نادرة ومختلفة تماما عن بقية المحلات الأخرى كما إنها مقتنيات أثرية عالمية لاتقدر بثمن، وبفضل هذه المقتنيات المميزة شاركت في الكثير من المعارض المحلية والخليجية.
المصدر: الشارقة