كيف تصبح السيارة إذا باتت هي الهاتف الذكي التالي، نظام معلومات وترفيه كامل ولكن على عجلات، هنا قد تكون لشركة «سامسونج» الكورية الجنوبية الريادة والتفوق على منافسيها.
ولم تكن لـ«سامسونج»، أكبر صانع للهواتف الذكية في العالم، مساهمة مميزة في عالم تكنولوجيا صناعة السيارات، خاصة أنظمة الترفيه، حتى أعلنت عن صفقة بقيمة 8 مليارات دولار قبل عامين لشراء شركة «هارمان» الدولية للصناعات، وهي شركة تصنيع لتكنولوجيا السيارات مقرها الولايات المتحدة.
والآن، مع شركة «هارمان»، تعتبر شركة التكنولوجيا الكورية الجنوبية العملاقة واحدة من أكبر الشركات العاملة في السوق لأنظمة المعلومات والترفيه المتميزة في السيارات في الوقت الراهن. وتتمثل خطة «سامسونج» في إنشاء «قمرة قيادة رقمية»، وهي عبارة عن تحديث عالي التقنية للوحة القيادة الخاصة بالسيارة التي تم تصميمها لتناسب كل طرازات السيارات، مع وجود عدد من الشاشات تمتد من جانب واحد من السيارة إلى الجانب الآخر. وستسمح الشاشات للسائقين بالتحكم في كل شيء من درجة حرارة مقصورة السيارة إلى درجة حرارة الثلاجة في المنزل، كما سيتمكن الركاب من تصفح الإنترنت ومشاهدة الأفلام المخزنة في ذاكرة النظام الجديد.
ويقول محللون في صناعة السيارات، إنه لا يزال هناك المزيد من الأبحاث اللازمة التي تجريها «سامسونج» قبل طرح هذه النسخة المتطورة من وسائل الترفيه في السيارات.
وأضافوا أن قمرة القيادة الرقمية الجديدة من «سامسونج» لن تكون متاحة تجارياً قبل بضع سنوات على الأقل، ومن المتوقع طرحها في السيارات التي سيتم إنتاجها عام 2021 أو 2022.
على المدى البعيد، تتنافس «سامسونج» على دخول مجال تصميم قمرة القيادة في صناعة السيارات، إضافة إلى سعيها لأن تصبح المورد الرئيسي للمكونات الداخلية لأجهزة الترفيه داخل السيارات.
أما بالنسبة لطموح الشركة الكورية الجنوبية العملاقة، فإنها ستسعى خلال الأعوام القليلة القادمة للسيطرة على عالم الترفيه المرئي والمسموع داخل السيارات ذاتية القيادة.
وحول هذا الأمر يقول لوكا دي أمبروجي، أحد كبار الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في شركة «آي إتش إس ماركت»: «لن نقود السيارات بعد الآن بفضل تكنولوجيا القيادة الذاتية، فكيف سنقضي الوقت داخل السيارات ونحن ننتقل من مكان لآخر؟».
بالتأكيد سيسهم الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات «5 جي» في تقديم مساعدة قيمة لشركة «سامسونج» تجاه تحقيق هدفها. فالجيل التالي من شبكات الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية سيجعل سرعات تنزيل البرامج الإلكترونية المختلفة، إضافة إلى التطبيقات الحديثة والموسيقا والأفلام أضعاف السرعات الحالية، ما سيتيح المزيد من المتعة لركاب السيارات الحديثة المستقبلية.


ومما يذكر أنه في شهر أغسطس الماضي، قالت «سامسونج» إنها ستستثمر أكثر من 22 مليار دولار على مدار السنوات الثلاث المقبلة في مجالات إلكترونية مختلفة، بينها شبكات الاتصالات اللاسلكية من الجيل الخامس «5 جي»، والذكاء الاصطناعي ومكونات تكنولوجيا السيارات.
وحول أهمية تطور تكنولوجيا الاتصالات ومساهمتها في دعم خطط «سامسونج» المستقبلية، أكد لي وون سيك، مصمم واجهة مستخدم «سامسونج» للهواتف الذكية سابقاً، وقائد فريق البحث والتطوير في الإلكترونيات وتكنولوجيا السيارات بالشركة حالياً، أن «السيارة المتصلة بالإنترنت واحد من أكثر الاختراقات المرتقبة في صناعة التكنولوجيا. ومع ذلك فإن هذا الاختراق لا يمكن أن يحدث من دون تطوير في مجال الاتصالات اللاسلكية».
وأضاف: «نتطلع إلى تطوير الجيل الخامس، 5 جي، من الاتصالات، حيث سيساعد ذلك سامسونج كثيراً في تحقيق أهدافها المتعلقة بالتفوق في وسائل الترفيه والاتصالات داخل السيارات».

مشكلة التشتيت
وتواجه التكنولوجيا المتقدمة لقمرة القيادة الرقمية، التي تسعى سامسونج لإضافتها إلى السيارات في المستقبل اعتراضات متزايدة، حيث يرى البعض أنها ستكون مثل الهواتف الذكية التي أسفرت خلال الأعوام القليلة الماضية عن وقوع حوادث مرورية خطيرة، ما يهدد بمزيد من المخاوف المتعلقة بالسلامة على الطرق.
وكانت شركة «جيه دي باور» لأبحاث المستهلكين حذرت مؤخراً من أن وجود أنظمة الوسائط المتعددة داخل السيارة سيتزايد مستقبلًا، مع الأمور الأخرى المعتادة، من إلهاء السائقين عن متابعة الطريق، ما سيؤدي حتماً إلى زيادة معدلات الحوادث المرورية.
ونظراً لمخاوف السلامة والعقبات التكنولوجية، لا تستخدم معظم السيارات اليوم مجموعة من الميزات المحملة على الهاتف الذكي. وعلى سبيل المثال، يتم منع برامج التشغيل التي تحاول البحث عن الفنانين أو الأغاني على تطبيق «سبوتيفاي» الشهير للأغاني والموسيقا بشكل عام من القيام بذلك. وبالمثل، توفر بعض شركات صناعة السيارات تطبيقات تتيح إمكانية طلب الطعام من المطاعم داخل السيارات، لكن لا يمكن عرض القائمة الكاملة خلال القيادة. ويقول مو البودور، الذي يقدم أبحاثاً حول المركبات المتصلة بالإنترنت في شركة «إس بي دي أوتوموتيف»، وهي شركة لأبحاث واستشارات السوق: «إن صانعي السيارات يحاولون بذل قصارى جهدهم لإيجاد التوازن بين إضافة ميزات في السيارة ولكن مع ضمان القيام بذلك دون المساس بمعايير الأمان». وحول هذا الأمر، رفض المتحدث باسم «سامسونج» التعليق.

ميزة «آندرويد»
ويمكن لشركة «جوجل ألفابيت» التي توفر أنظمة تشغيل «آندرويد»للسيارات التي تتصل بالإنترنت، أن تمنح «سامسونج» ميزة كبيرة، وفقاً لاستشاريي صناعة السيارات، نظراً لأن الشركة الكورية هي أكبر شركة للأجهزة الإلكترونية في العالم التي تعمل بنظام «آندرويد».
يذكر أنه في الشهر الماضي، اختار تحالف «رينو-نيسان-ميتسوبيشي»، الذي يبيع مركبات أكثر من أي شركة تصنيع سيارات أخرى، شركة «جوجل» لتوفير نظام التشغيل الخاص بها مع بداية عام 2021.
ويقول روجر لانكتوت، مدير التنقل المتصل بالسيارات للباحثين في شركة «ستراتيجي أناليتيكس» المختصة في أبحاث السوق: «تستطيع سامسونج الاستفادة من خبرتها الواسعة في الهواتف الذكية لدعم صناعاتها المستقبلية في تكنولوجيا السيارات، خاصة المتعلقة بقمرة القيادة. إذ يمكنها السيطرة على التطبيقات التي قد تشتت انتباه السائقين، على سبيل المثال». وأشار إلى أن «سامسونج» لديها ميزة أخرى هي الثقة التي تحظى بها من المستخدمين. وأكد أن «سامسونج تفهم بالفعل كيفية التأكد من أن مئات الملايين من الأجهزة المتصلة بالإنترنت تعمل بشكل صحيح وفعال مما يعد ميزة إضافية مهمة». وعلى سبيل المثال، توصلت «سامسونج» إلى كيفية مزامنة «آندرويد» عبر ثلاث شاشات مختلفة في قمرة القيادة الرقمية، وهو تحدٍّ، لأن هذه التكنولوجيا كانت تتطلب في السابق، توفير شرائح تشغيل مختلفة أو أنظمة تشغيل متعددة، فإن هذا التطور سيقلل من التكاليف بالنسبة لصانعي السيارات.
وتمتلك «سامسونج» ميزة أخرى في العلاقات الوثيقة التي أقامتها «هارمان» مع العشرات من شركات صناعة السيارات قبل فترة طويلة من استحواذ «سامسونج» عليها العام الماضي. وقال المسؤولون التنفيذيون في «سامسونج» إنهم يريدون أن تظل هارمان مستقلة، ويقول مراقبو صناعة السيارات إن «هارمان» لم تنحرف كثيراً عن مسارها بعد شراء «سامسونج» لها. وتتضمن منتجات «هارمان» برنامجاً متصلاً بالسيارات يتيح للسائقين استخدام مساعد رقمي مثل «أليكسا» من «أمازون» أو «بيكسباي» من سامسونج. كما يستخدم برنامجها الذكاء الصناعي للتنبؤ بتفضيلات «بودكاست» الموسيقي للسائق، ويمكن تنبيه الوالدين إذا كان ابنهما الشاب يقود خارج منطقة محددة. ونظراً للنجاح السابق الذي حققته «هارمان»، أصبحت «سامسونج» بالفعل لاعباً مهماً في مجال السيارات المتصلة بالإنترنت، ما يمثل تهديداً للشركات المنافسة. ومع اشتداد المنافسة في سوق كبير مثل صناعة السيارات، يتساءل بعض خبراء صناعة السيارات عما إذا كان المستهلكون يريدون بالفعل كل هذه القدرة على التحكم من داخل السيارة والاتصال بالأجهزة المنزلية والتحكم فيها عبر شبكة الإنترنت عن بعد. وتساءل كارستن إيسرت، كبير المحللين المختصين في الصناعات الذكية في شركة الاستشارات البحثية والاستشارية «جارتنر»: «التحكم في الأجهزة المنزلية من السيارة؟ الآن لديك العديد من الميزات في السيارات، والناس لا يعرفون ما لديهم. لست متأكداً من عدد الأشخاص الذين سيستخدمون ذلك».

بقلم: تيموثي دبليو مارت