نتج عن الأزمة المالية في 2008 سقوط العديد من البنوك في أميركا وأوروبا على حد سواء، لكن تختلف الصورة هذه المرة. ولجأت البنوك الأوروبية التي تعاني في توفير تمويلاتها، إلى تقليص الائتمان، في وقت تبحث فيه نظيراتها الأميركية عن مقترضين التي من المتوقع أن يكون نمو قروضها في الربع الأخير من 2011، الأسرع منذ منتصف 2008. ويُعزى ذلك نسبياً إلى الاستقرار النسبي الذي تتمتع به البنوك الأميركية التي نجحت في إنعاش رؤوس أموالها منذ الأزمة الماضية، حيث شهدت رؤوس الأموال الأساسية زيادة بنحو 9% من الأصول، بارتفاع ملحوظ عن المتطلبات التنظيمية المعروفة. وبينما كانت العديد من البنوك الأوروبية تحتفظ برهونات عقارية أميركية في 2008، تتعرض البنوك الأميركية اليوم بمقدار ضئيل للديون السيادية الأوروبية المثيرة للقلق. ويتراوح إجمالي تعرض اليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا وإيطاليا بين 16 مليار دولار في “سيتي جروب” أو 14% من رأس المال الأساسي، إلى 2,5 مليار دولار في “جولدمان ساكس” أو أقل من 5%. ومن أقل المزايا المقبولة في النظام المصرفي الأميركي، أنه غارق في الدولارات الناتجة عن الجهود التي بذلها “الاحتياطي الفيدرالي” للنهوض بالاقتصاد عبر سياسة التيسير النقدي. وقام البنك بشراء سندات الرهن العقاري والسندات الحكومية بغرض رفع أسعارها وخفض فوائدها، حيث تمت عملية الشراء من خلال توفير السيولة التي يودعها في حسابات الاحتياطي التابعة للبنوك لدى “الاحتياطي الفيدرالي”. وارتفعت هذه الحسابات من لا شئ تقريباً في أواخر 2008، إلى 1,5 تريليون دولار في الوقت الحالي. وتتباهي بنوك أميركا الكبيرة الآن بالأصول السائلة التي تتراوح قيمتها بين 3 إلى 11 ضعف اقتراضها قصير الأجل. وبغض النظر عن مشاكل التمويل التي تواجهها البنوك الأوروبية، إلا أنها لا تزال تحقق أرباحاً. ويرى بعض الخبراء أن نصف هذه الحسابات الاحتياطية، مملوكة لفروع بنوك أميركية. وتملك بنوك ألمانية وسويسرية واسكندنافية وفرنسية حيازات كبيرة. وشهدت البنوك الأوروبية كل أنواع المعاناة في الأسواق، لكنها لم تتهافت على البنوك التي تمتلك كميات كبيرة من السيولة. لكن إذا كانت البنوك الأوروبية تملك هذا الكم الكبير من السيولة في أميركا، لماذا تسبب إذن شح الدولارات في أوروبا في رفع السعر الذي تقترض به البنوك فيما بينها مما تسبب في بيع الأصول. ويكمن السبب وراء ذلك في أن أكثر البنوك حاجة للحصول على الدولارات، ليست هي تلك التي تملك فروع أميركية كبيرة. والسبب الثاني، هو أنه وبينما تعمل البنوك الأوروبية على خفض مديونيتها، فإنها لا تزال تحاول بناء مخزونها من السيولة. ومن الواضح أن بعض البنوك تقوم بتحويل احتياطاتها إلى سيولة لمجابهة الشح في تمويلاتها الخاصة. وانخفض رصيد خمسة من البنوك الفرنسية الكبيرة بنحو 22% في الفترة بين شهري يونيو وسبتمبر إلى 74 مليار دولار، المبلغ الذي لا يزال كافياً. وساعد ذلك في حماية أميركا من أثار عملية خفض الديون التي قامت بها البنوك الأوروبية. ولاحظ المراقبون أن الفروع الأميركية لدى البنوك الأوروبية، بدأت في تقليص ما لديها من أوراق نقدية ولكن ليس دفاتر قروضها. وبينما نجحت البنوك الأميركية في النجاة من الإصابة بآثار الأزمة الأوروبية حتى الآن، لا يزال النقص في عملة الدولار يشكل مشكلة حقيقية في أوروبا. ولتخفيف ذلك التأثير، قام “الاحتياطي الفيدرالي” بإقراض “البنك المركزي الأوروبي” دولارات عبر خط مقايضة ليقوم بدوره بإقراض بنوكه المحلية لمدة لا تقل عن 3 أشهر. وحتى لا تقلل من مكانتها، لا تزال هذه البنوك مترددة في الإقبال على مثل هذا النوع من القروض مما قلل الطلب عليها. ويُعد الشح في السيولة من أعراض الأزمة الأوروبية وليس من أسبابها. وكلما كانت الدول معرضة لخطر الإعسار، تظل بنوكها هي الأخرى كذلك. وفي حالة انهيار عملة اليورو، فإن اقتصاد أميركا لن يكن في مأمن من ذلك بغض النظر عن القوة التي تتمتع بها بنوكه. نقلاً عن: «ذي إيكونوميست» ترجمة: حسونة الطيب