يتنقلون بسرعة في الممرات الجبلية عبر الصحاري والمدن، خناجرهم في أغمادها بين أحزمتهم، يحفهم حراس شخصيون مدججون بالأسلحة، ما يعطي إحساساً بالقوة ميز على مدى قرون المشهد السياسي في اليمن. إنهم الزعماء القبليون لهذا البلد، شخصيات ذات مصالح متباينة في معظم الأحيان، تمثل السبيل إلى الاستقرار، من الحدود الرملية مع السعودية إلى سواحل البحر الأحمر. إنهم الرجال القادرون على كسر شوكة "القاعدة في جزيرة العرب" أو السماح لها بالازدهار، وهو أمر رهين بالصفقات السرية والمال والمناورات. وبينما تدرس الولايات المتحدة إمكانية توجيه ضربات جوية بواسطة طائرات بدون طيار وخيارات عسكرية أخرى عالية التقنية ضد المتطرفين الإسلاميين، سيتعين عليها أن تقيِّم أخطار التسبب في صدام مع تقاليد قديمة؛ وبالتالي إمكانية إثارة وإذكاء مشاعر استياء أعمق إزاء أميركا وإضعاف حكومة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وفي هذا السياق، قال محمد صالحي، وهو زعيم قبلي شاب كان جالساً مع عدد من مواطنيه أثناء غروب الشمس عن الجبال المحيطة بصنعاء: "إذا تدخلت الولايات المتحدة بدون دعوة من أحد، فإن باب الجهاد سيُفتح وسيصبح من السهل على الناس دعم القاعدة... مما سيؤدي إلى ازدياد قوة المقاتلين". ومن جانبه، قال محمد صفوان، وهو صديق لصالحي من قبيلة أخرى، "إننا عرب... ومن تقاليدنا كعرب أن نعين الضعفاء ومن يحاربون الأجنبي". لقد وجد مقاتلون محليون، إلى جانب أعداد قدمت من مناطق بعيدة مثل أفغانستان، ملاذاً في هذه الأراضي باليمن، ليس بالضرورة بسبب الجهاد المشترك أو الأهداف الأيديولوجية، لكن لأن القبائل والعائلات لن تتخلى عنهم للجنود والدبابات. والواقع أن مثل هذه الروابط والوشائج الدينية والنسبية تشبه الولاءات في ملاذات المقاتلين في باكستان وأفغانستان، حيث القصف الأميركي متواصل بشكل يومي تقريباً. لكن خلافاً لما هو عليه الحال في ذينك البلدين، حيث تقوم القبائل المهمة والكبيرة بدعم مهمة "القاعدة" ومساعدتها، فإن العديد من قبائل اليمن أقل تعصباً وتظل منفتحة على التفاوض مع حكومة قدمت لها على مدى السنين الأموال والأشغال العامة. غير أن حكومة صالح تخشى إمكانية أن يأتي تدخل عسكري أميركي أوسع (يذكر هنا أن واشنطن توفر المال والمعدات والمستشارين) بنتائج عكسية عبر ردكلة القبائل؛ والشاهد الغضب الذي تملك زعماء القبائل في ديسمبر الماضي بعد ضربات جوية أسفرت عن مقتل 41 مدنياً في محافظة شبوة الجنوبية، حيث قال مسؤولون يمنيون إن الهجوم نفذته طائرة أميركية بدون طيار؛ لكن واشنطن لم تعلق على الحادث. وفي هذا الإطار، يقول طارق شامي، وهو مسؤول رفيع في حزب "المؤتمر الشعبي العام" الحاكم، إن "ثمة روابط قبلية مع بعض العناصر الإرهابية"، مضيفاً: "إننا نقول لهم: نريدكم أن تسلِّموا الإرهابيين، وإلا فسيكون ثمة مزيد من العمليات العسكرية. لكنهم يخشون أن يتم تسليم المقاتلين للولايات المتحدة، فنقول لهم: كلا، إنهم سيحاكَمون في اليمن". والواقع أن "القاعدة" تجيد استغلال التظلمات القبلية من حكومة البلاد لصالحها؛ غير أن المحادثات بين الحكومة والزعماء القبليين، إلى جانب التوغلات العسكرية، بدأت تدفع القبائل إلى إعادة تقييم احتضان وإيواء شخصيات "القاعدة"، مثل رجل الدين المولود في الولايات المتحدة أنور العولقي، وصانع المتفجرات في التنظيم إبراهيم حسن عسيري. وفي هذا الإطار، أعلنت اليمن الأسبوع الماضي أن 29 من المشتبه في انتمائهم لـ"القاعدة" قد سلَّموا أنفسهم في محافظة أبين الجنوبية الشهر الماضي. ويوم الأربعاء، دعت "القاعدة" قبيلة العولقي إلى عدم التعاون مع حكومة صالح. وأعقب إعلانَ التنظيم اجتماع بين زعماء قبليين ومسؤولين يمنيين. ويقول جار صالحي، وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات وزعيم قبلي، موضحاً كيف ستستغل بعض القبائل حرباً أوسع: "إذا تدخلت الولايات المتحدة، فإن بعض رجال القبائل سيكونون سعداء جداً"، مضيفاً: "ستكون ثمة فوضى وقتال ونهب وسرقة؛ ورجال القبائل لديهم كل شيء في ترسانتهم ما عدا الدبابات والطائرات الحربية". كان صالحي وشباب قبليون مثقفون آخرون جالسين في "المجلس"، وجوههم تضيئها شاشات حواسيبهم المحمولة المفتوحة. وكانوا يمضغون أوراق القات ويتحدثون عن الأعراف القبلية والمؤامرات ومخطط الأسبوع الماضي الفاشل لتفجير طائرة كانت متوجهة إلى الولايات المتحدة. يقولون إن قدرات "القاعدة" مبالغ فيها، وإن العديد من مواطنيهم يعتقدون أن التنظيم إنما هو من وحي الخيال وقد ابتُكر بهدف الدفع بالمصالح الأميركية. إنهم شباب حنَّكهم العيش في أرض لم تتوقف فيها الاضطرابات: معارك "القاعدة"، وتمرد في الشمال، وحركة انفصالية في الجنوب، وبطالة مستشرية، وسوء تغذية، وجفاف. لكن موضوعهم المفضل يظل هو المؤامرات والسيناريوهات السياسية. "ماذا عن توقيت مخطط التفجير؟ يقول صالحي، وهو مدير تحرير موقع إخباري على الإنترنت، "ربما كان هدفه مساعدة الرئيس أوباما في الانتخابات"؛ بينما قال آخر: "أو ربما يساعد السعودية على أن تظهر بمظهر جيد على اعتبار أن عملاءها الاستخباراتيين هم من أبلغوا الولايات المتحدة بالمخطط على ما يفترض". لكن ماذا عن دور "القاعدة"؟ "أجل"، يقول صالحي، "إن القاعدة تحاول إيجاد رجال قبليين متعاطفين حتى يمنحوها ملاذاً؛ لكن هذا لا يعني أن القبيلة برمتها متعاطفة معها، لأنه عندما تستضيفهم العائلة، فإنك لا تستطيع أن تتخلى عنهم. والواقع أنك إذا استطعتَ إقناع القبائل، فإن هذه الأخيرة تستطيع إقناع أبنائها بتسليم أنفسهم". جيفري فليشمان - صنعاء ينشر برتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»