لكبيرة التونسي (أبوظبي)
يستدعي جناح المملكة المغربية بمهرجان الشيخ زايد، حضارة ضاربة في عمق التاريخ، عبر زخم من الصناعات التقليدية والحرف والفلكلور والفنون، التي يصعب حصرها، نظراً لكثرتها وتنوعها بتنوع المناطق والتضاريس والبيئات المغربية، والتي يقدمها الحرفيون بالجناح المغربي في المهرجان، من خلال نماذج فائقة تعبر عن جمال الصناعات التقليدية في المملكة، التي حضرت بتفاصيلها البديعة من مختلف المدن التي تتميز بغناها وتفردها وتنوعها.
إبداعات يدوية بجناح مميز يتسم بجمالية المعمار، يتوسط الفضاء الواسع الذي يحتضن فعاليات مهرجان الشيخ زايد بمنطقة الوثبة في أبوظبي، يشارك المغرب في هذه التظاهرة العالمية، حيث يعرض صناع تقليديون مغاربة منتوجات يدوية غاية في الروعة، تحمل في طياتها عبق التاريخ العريق للمملكة. وككل عام، يأتي الجناح بالجديد للمهرجان، الذي تتواصل فعالياته لغاية أول فبراير المقبل، حيث يعكس فن العيش المغربي ويعطي نبذة عن الصناعة التقليدية التي توارثتها الأجيال على مر القرون، عبر ورش يعرض فيها الحرفيون إبداعاتهم ومهاراتهم أمام الزائر المتعطش لمعرفة المزيد عن الثقافة والتراث المغربي، من هنا يستمتع جمهور المهرجان يومياً بحِنكة وعبقرية وإبداع الصانع المغربي، في العديد من الحرف اليدوية والتقليدية، التي تحاكي الإرث القديم والتراث العربي الإسلامي، والتأثيرات الأمازيغية، ومن هذه الحرف، الفخار، والزليج، والمجوهرات، والتطريز، والنقش على النحاس والفضة، والخياطة، والسراجة وفنون الطبخ وغيرها الكثير، ضمن جناح المملكة المغربية الذي يروي قصة الصناعات في مختلف مناطق المغرب من طنجة إلى الكويرة.
مزيج متناغم
الجناح بمختلف مكوناته، يعكس مزيجاً متناغماً من ثقافة أبناء مختلف الثقافات والأعراق من عرب وأفارقة وأمازيغ، بقُراه وجباله وصحاريه وسواحله وحواضره العصريّة وثيقة الصّلة بالجذور، زيارة الجناح هي إبحار في قلب ثقافته التي تمنح الزائر تجربة متفردة، حيث يشكل معرضاً حياً مفتوحاً لـ20 حرفياً يمثلون 50 % من التعاونيات في المغرب، منها تعاونيات يرأسها أصحاب همم من المكفوفين، ويتضمن هذا الجناح الذي يمتد على مساحة 2500 متر مربع، وتؤطره مؤسسة دار الصانع تحت إشراف وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، ورش عمل حية تعرض تحفاً فنية من مختلف جهات المملكة، علاوة على الطبخ المغربي وفقرات موسيقية تعكس غنى التراث الفني، إلى ذلك قالت سميرة المجاهد، المسؤولة بمؤسسة دار الصانع، والمشرفة على الوفد، إن مهرجان الشيخ زايد، الذي يشارك به وفد مغربي يتكون من 60 فرداً، يمثل موعداً سنوياً مهماً للتعريف بالفن المغربي وفرصة بالنسبة للصناع التقليديين لتسويق منتوجاتهم والانفتاح على الأذواق الجديدة، لاسيما في ظل مشاركة حوالي 40 بلداً.
وأضافت: كل سنة نحرص على الإتيان بالجديد، وكل ما يشكل الإبهار للزائر، كما نبقي على ما هو أساسي ويشهد إقبالاً كبيراً، وركزنا على المنتوجات النباتية والنسيج، حيث يمثلها صانعان من طنجة ومراكش، والحلي من كلميم، والمنتوجات الغذائية، وحرفة «تقشارت» وهي صناعة خاصة بالجلد مهددة بالانقراض، وفن الفخار والنحاسيات وصناعة السروج، والرسم على الزجاج، والأحزمة التقليدية، والنحاسيات والنقش على الفوانيس، وخياط الصناعة التقليدية.
وأشارت المجاهد إلى أن الصناعة التقليدية في المملكة تشهد إقبالاً كبيراً من هذا الجيل، وتحظى بدعم وتحفيز، لاسيما أن التنوع في المنتوج الحرفي التقليدي الغني في المملكة وفر للعالم مناخاً من الخبرات والأناقة، حيث التاريخ والحضارة والفنون التقليدية والفلكلور، موضحة أن الجناح يتضمن خيمة صحراوية تشرف عليها جمعية ألموكار المنظم الرسمي لمهرجان طانطان الثقافي، ومتحفاً صغيراً يعكس الإبداع والإتقان الحرفي، إضافة إلى فرقتين موسيقيتين للتراث الأندلسي، كما تقدم وصلات شعبية وأخرى عصرية وفرقة «كناوة» مما يضفي على المكان أجواء مبهجة من خلال مقطوعات موسيقية مغربية أصيلة تشنف بها أسماع الزوار، كما يتضمن هذه السنة جلسات عائلية مستوحاة من الثقافة الإماراتية.
صناعة السروج
متحف مفتوح ينقل جانباً من الموروث التقليدي، الذي تمهر فيه يد الصانع المغربي عبر ورش حية يعمل فيها كل صانع على سرد حكاية مختلفة، عبر أدوات بسيطة معتمدة على مهارته ودقته في تشكيل لوحات جمالية تفتن زائر الجناح، وتغوص به في أعماق تاريخ وتقاليد المغرب وثقافته، ومن هذه المهن المتعلقة بفن «التبوريدة» وهي ممارسة شعبية عريقة ارتبطت بصناعة السروج، ويقول عنها هشام سقاط، الذي ينتمي إلى عائلة توارثت صناعة سروج الخيول التقليدية منذ عام 1896، ويعرض مجموعة واسعة من السروج المصنوعة بمهارة من خيوط الفضة والذهب، بمختلف الألوان ومجموعة من البنادق والخناجر، والذي يشارك في مختلف المهرجانات المحلية والدولية، إن السرج الواحد يتكون من 34 قطعة، ويتعاون في صناعته مجموعة حرفيين بعد أن ينتهي عملهم تبدأ عملية التطريز، التي تقوم بها النساء، ويستغرق العمل على سرج واحد من 6 أشهر إلى سنتين، ويوضح أن صناعة سرج واحد، من هذا النوع الرفيع، تستغرق سنتين ونصف السنة، ويصل ثمنها إلى 5 آلاف دولار.
ويشير إلى أن السرج الفخم والذي يجهز خصيصاً لمناسبات الفروسية الكبيرة، كمهرجان الفرس بالجديدة الذي يحظى بحضور كبير من جميع أنحاء العالم، يتم العمل على تطريزه من طرف سيدة واحدة للحفاظ على روح واحدة في العمل ويعمل بدقة متناهية، مؤكداً أن صناعة السروج بالمغرب بدأت تنتعش بعد أن كان يمارسها شخصان معروفان في فاس، أما اليوم فأصبح يمارسها أكثر من 30 شخصاً، موضحاً أن هذه الصناعة زاد الإقبال عليها، نظراً لكثرة مهرجانات ومسابقات الفروسية التي تنظم طوال العام في المملكة.
وأضاف:«التبوريدة»، المشتقة من كلمة «البارود»، فن عريق في عالم الفروسية، يعود إلى القرن الـ15، وهي إعادة تمثيل لهجوم عسكري شنه فرسان عرب وأمازيغ على أعدائهم، وحافظت التبوريدة على بعدها الروحي القوي، لاسيما أنها تضع الحصان في صلب المشهد الرائع، وتلقى البتوريدة الإقبال الكبير لدى الجمهور العريض المغربي والدولي، كما أنها ترتبط بالمنافسات الاحتفالية مثل: المواسم والأعياد الفلاحية والوطنية والعائلية، وخلال هذه المسابقات، تتم مكافأة المواهب الأكثر إبداعاً بين الفرسان مع احترام القواعد التنظيمية.
بريق الذهب والفضة
لا يكتمل الجناح المغربي، دون معدات الشاي المغربي التي تحظى باهتمام بالغ من طرف المغاربة وهي دليل على الفخامة، وتتكون عادة من الصينية والإبريق «البراد» المصنوعين من معدن الفضة الخالص، ومزينين بالنقوش اليدوية، وترافق صينية وإبريق الشاي على المائدة ثلاث علب مصنوعة من المعدن نفسه، يوضع في كل واحدة منها السكر أو الشاي أو النعناع، ويتفنن في صناعتها الساخي إدريس الملقب بـ «عمي إدريس»، الذي ينقش بدقة متناهية على النحاس والحرفة، وهي الحرفة التي تعلمها عن أمين المزخرفين بفاس منذ نعومة أظفاره، حيث برع في صنع أوانٍ وديكورات نحاسية متقنة باليد وبآلات وأدوات تقليدية بسيطة،
وفي كل سنة من دورات المهرجان، يبهر عمي إدريس الزوار بجلب أدوات أبدع في زخرفتها، بما يتناسب مع العصر الحالي مع الحفاظ على أصالتها، لتناسب الديكور العصري وخطوط الموضة، دون الخروج عن أصالتها، ومن الأواني التي يزخرفها بالطريقة التقليدية أدوات الشاي، وأطباق الخبر وصواني التقديم، ومغاسل اليد والأطباق الفضية والنحاسية، والمباخر الكبيرة والصغيرة، والصواني وغيرها من أواني الضيافة الفخمة الضاجة بالزخارف الدقيقة.
وأكد الساخي إدريس أن هذه الصناعة الأصيلة طالما ارتبطت بفن العيش المغربي، حيث تعتبر من ديكور البيت الأساسية، لاسيما عدة الشاي التي تشكل مكوناً أساسياً في جميع البيوت مع تفاوت القدرة على اقتناء الفخم منها، موضحاً أن هذه الحرفة تتطلب الجهد والإتقان والمهارة العالية والصبر والحب، إلى جانب تعلمها في سن صغيرة، للعمل على تشكيل ونقش الأطباق والصواني وأدوات الشاي العريقة وقطع الديكور والمجسمات والمرشات والمباخر وأواني الشي، وهذه الحرف لا يكاد يخلو منها بيت مغربي، حيث تعد ضرورة من ضرورات تجهيز العروس، ومن الهدايا المهمة لأي بيت جديد.
فن على الزجاج
في إطار تحديث الأصيل، ظهر الرسم على الزجاج كصناعة تمزج بين التقليدي والعصري، دون المساس بجوهر الأشياء، بحيث أدخلت صفية الكابوس، التي تشارك للمرة الثالثة على التوالي بمهرجان الشيخ زايد، على تلوين كؤوس الشاي الزجاجية والحفر على الخشب لإنجاز الصواني التي تواكب الموضة، من دون أن تتجاوز جذورها الأساسية، حيث تطعمها بالنقوش المغربية المعروفة، وهي زخارف مستوحاة من نقش الحناء، وتشكيل صواني بنقوش إسلامية بألوان الفسيفساء، ونقش على الموائد الصغيرة التي أصبحت تدخل في فن الديكور وتحضر في بعض المناسبات.
4 أركان للطهي
يقدم الجناح المغربي بعض أطباق الطعام التقليدية الشهيرة، كما يتربع الشاي المغربي على عرش هذا الجناح، حيث يشهد طلباً وإقبالاً كبيرين من جانب الزوار، كما يستمتع الحضور بعروض طقوس تحضير الشاي المغربي، يقدمه نخبة من الطهاة المتميزين، وإلى ذلك، قالت لبنى العسلي، المسؤولة بركن الطبخ، إن المطبخ هذه السنة يشتمل على أربعة أركان، منها ركن المأكولات والأطباق الأكثر شعبية وركن الحلويات، وركن المخبوزات «الرغايف» وركن الشاي، ومن الأطباق التي نقدمها الطاجين بالبرقوق والطاجين بالدجاج والزيتون وطاجين الخضراوات وشوربة الحريرة والمشاوي على الطريقة المغربية والإسفنج، وعبرت لبنى عن سعادتها الكبيرة بالإقبال الكبير الذي يشهده ركن الطبخ من طرف زوار الجناح.
مشاركة مميزة لأصحاب الهمم
يحفل الجناح بمشاركات متميزة من مختلف فئات المجتمع المغربي تعكس مهارة الصانع المغربي، ومن هؤلاء تعاونيات لذوي الهمم «مكفوفين»، ووسط هؤلاء يظهر الشهب محمد رئيس تعاونية العيش الكريم بالدار البيضاء، التي تتكون من 70 شخصاً، وتعنى بفن الديكور والأثاث، يقول الشهب إن جميع المنتجات من القصب والدوم والسمار والخيزران والنخل.
وأوضح الشهب، الحائز جائزة أفضل صانع بمسابقة صنعة بلادي سنة 2011، أنه يصنع الأدوات التي تسكن مخيلته وهو مبصر، حيث فقد بصره وعمره 22 عاماً، بسبب مرض ضغط العين، مشيراً إلى أن مهنته تعتمد على اللمس والحساب، ويعمل الصانع المكفوف الشهب بمساعدة عطر محمد الكاتب العام للتعاونية وهو ضعيف البصر، على إنجاز العديد من الأدوات أمام الجمهور، في عرض حي تفاعلي.
وقال ياسر الحسين، رئيس تعاونية الكفيف والمبصر للمنتوجات النباتية بالدار البيضاء، إن التعاونية تعمل على تأهيل الشباب، خاصة المكفوفين وضعاف البصر، للانخراط في الأسواق والمشاركة في التظاهرات الاقتصادية والاجتماعية والمعارض الدولية وتحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها المكفوفين وضعاف البصر، مشيراً إلى أن مشاركتهم تتمثل في العمل على إنجاز العديد من المنتجات، إلى جانب عرض ديكورات مصنوعة من منتوجات نباتية وهي صحية، لا تتأثر بالرطوبة أو الأمطار، طاردة للحشرات ومستدامة.
منتجات غذائية
من المشاركات المتميزة هذه السنة في جناح المغرب، مشاركة أوعمو يطو من «جمعية يامنة زاوية الشيخ، ناحية مدينة بني ملال»، وتعرض المنتجات الفلاحية التي تعدها من أجود الأنواع وبطريقة صحية أكثر من 35 سيدة، كالكسكسي بالعير والدرة والفوة وغيرها من المنتجات، إلى جانب الزميتة، وهي أكلة صحية تخلط بزيت الزيتون والعسل الحر، وتتكون من حبوب الشعير والقمح والسمسم والنافع، وأوضحت يطو أن جميع المواد التي تشارك بها في المهرجان خضعت لمعايير عالية، ومرخصة وحاصلة على معايير الجودة، كما تشارك أيضاً بجانب من منتجات الصناعة التقليدية.