معتز الشامي (دبي)
بعد فضيحة مونديال 2022 سقطت ورقة التوت عن النظام القطري، لينكشف كل شيء، الوجه القبيح والصور الصادمة والقيم الضائعة والأخلاق الغائبة والمشروعات الواهية.
ليجد العالم نفسه أمام «امبراطورية فساد» ممنهجة تفوق بكثير قدرات أكبر عصابات الشر على تخيلها وبات من الصعب أن نعرف أولها من آخرها، لانتشارها وتنوعها وتعددها وتأثيرها في دول وقارات واتحادات وأشخاص، ما بين شراكات واتفاقيات ورعايات وأكاديميات ومعسكرات وهدايا.
وما جاء في تقرير المحقق الأميركي جارسيا ليس سوى زاوية واحدة من صورة كبيرة امتدت إليها الأيادي القذرة لتلوث وتشوه كل ماهو جميل في ملاعب الكرة.
إنها ليست قضية علاقات تعاون وشراكات طبيعية مع اتحادات قارية ومحلية، ولكنها علاقات مشبوهة تفوح منها رائحة الفساد، وكأس العالم كانت الخطوة الأولى في المشروع الكبير ليقفز بعد ذلك محمد بن همام من رئاسة الاتحاد الآسيوي لرئاسة الفيفا وفقا للمخطط، وتحكم « الدويلة الصغيرة» قبضتها على اللعبة الشعبية الأولى لما لها من تأثير كبير قد يساهم في تجميل الصورة لتمتزج الكرة بالسياسة بالإرهاب، ولكن الأقنعة سقطت وانكشفت كل الأوراق واستبعد الفيفا كل من تلوثت يده بالأموال القطرية في فضيحة القرن الكروية.
قبل أيام قليلة خرج السويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي (فيفا) في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية ليؤكد أن القرار الأخير بشأن إمكانية زيادة عدد المنتخبات المشاركة في المونديال من 32 منتخباً إلى 48 خلال اجتماع المجلس التنفيذي لـ(فيفا) بميامي الأميركية يومي 14 و15 مارس القادم.
وعاد انفانتينو الذي كان الأكثر تحمساً لمقترح الـ48 في مونديال 2022 ليتراجع خطوات للوراء ويقول إن فرص زيادة عدد المشاركين في البطولة تبدو ضئيلة !!.
وإذا كان رئيس الفيفا بات أقل تحمساً لزيادة بعد صفقات الرعاية الضخمة لاتحاد أميركا الجنوبية مؤخراً، نجد أنفسنا أمام السؤال الكبير :
هل يملك رئيس «الفيفا» القدرة على سحب مونديال 2022 بعد كل هذه الفضائح ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، علينا أن نعرف أولاً كيف تدار «اللعبة القذرة» من الدوحة للتأثير على صناع القرار في جمهورية كرة القدم ؟
السيطرة على الدول الفقيرة والاتحادات القارية وأعضاء اللجان التنفيذية من خلال توقيع شراكات واتفاقيات وعقد صفقات وتوزيع المليارات. تلك هي باختصار العناوين العريضة التي ترسم خطوط وملامح خط سير الطريق إلى الفساد.
قطر سرقت المونديال بهذه الطريقة الغير مشروعة، وتملك الكثير من الأساليب التي تفتقد للنزاهة والشرف لمواجهة كل من يفكر في تصحيح الصورة وتطهير اللعبة وإعادة التصويت على المونديال بنزاهة وشفافية.
وتأتى الدول الفقيرة في مقدمة الأهداف «الخبيثة» لاستغلال حاجتها للمال، ومن هنا يسعى الاتحاد القطري لتوقيع اتفاقيات تعاون معها، بهدف السيطرة على القرار سواء في الاتحاد القاري أو الاتحاد الدولي، وهو ما ظهر جلياً في أكثر من مطلب تقدمت به دولتنا، وأشهرها طلب نقل مبارياتنا أمام الأندية القطرية في دوري الأبطال إلى ملاعب محايدة الذي كان في يناير الماضي، ولكن تلاعب العضو القطري في المكتب التنفيذي بقرار المكتب التنفيذي الآسيوي نفسه، وبالطبع حققوا ما أرادوا رغم وجود توصية من جهات أوروبية محايدة كلفها الاتحاد الآسيوي بالقيام بزيارات ميدانية ورفع تقريرها الذي جاء يطالب بضرورة نقل المباريات لملاعب محايدة.
وهنا تدخل ممثل قطر خلال الاجتماع السري الذي عقد في ماليزيا، عبر من يدينون بالولاء للدوحة نتيجة الاستفادة من اتفاقيات الرعاية السخية، وطلبوا طرح التوصية بالنقل للتصويت، رغم أن قرار المكتب التنفيذي كان بتكليف الجهات الأوروبية المحايدة بالإضافة لتشكيل لجنة من أعضاء المكتب نفسه بقيادة الهندي باتيل نائب رئيس الاتحاد الآسيوي، ورفع توصية يتم اعتمادها فوراً، والمفارقة أن كلا التوصيتين في تقرير باتيل وتقرير الجهات الأوروبية، طلب بنقل المباريات، لكن الأعضاء المسيطر عليهم من الدوحة أصروا على التصويت، فجاءت النتيجة بـ11 رفضوا التوصيات «المحايدة» وساندوا قطر، مقابل 4 مع طلب النقل و4 وقفوا على الحياد من أصل 19 عضواً كان يحق لهم التصويت وقتها، هكذا حققت قطر ما أرادته بـ«التصويت»، والطرق الديمقراطية المشروعة ظاهرياً، ولكن الخلفيات التي تسبقها، أمر آخر مختلف، وعالم مليء بالكواليس والاجتماعات السريعة والاتفاقيات المشبوهة، وملغومة بالهدايا والعطايا والمنح.
وكلمة السر دائماً هي تلك الاتفاقيات التي يبرمها الاتحاد القطري مع اتحادات ممثلة بأعضاء في المكتب التنفيذي سواء في آسيا أو خارجها، منذ سنوات ولا زالت قائمة حتى الآن، والمفارقة أن أغلب تلك الاتحادات تعاني مشكلات مادية ويمكن وصفها بـ«الفقيرة»، فدول مثل سريلانكا أو نيبال، المالديف، بنجلاديش، أفغانستان، باكستان، وغيرها، لا تمتلك الميزانيات لإرسال لاعبي منتخباتها لمعسكرات طويلة بالأسابيع ولا تتاح لها فرص العيش والتدريب المميز على يد خبراء متخصصين، وهنا تأتي اتفاقيات الرعاية القطرية «السخية» للعب دورها المشبوه بشراء ولاءات الاتحادات الوطنية التي لديها عوز مادي لتغطية احتياجاتها، فتجد الاتحاد القطري يوقع اتفاقية شراكة مع نظيره النيبالي، أو الأفغاني، أو البنجلاديشي والسريلانكي، الباكستاني والمالديفي وغيرهم، فهل لدى تلك الاتحادات أي إمكانيات تفيد الاتحاد القطري أو أي اتحاد في غرب آسيا؟ بالتأكيد هي ليست كذلك، ولكن السبب والدوافع، أمر مختلف، وتتركز في ضرورة السيطرة على القرار عند التصويت في أي في التنفيذي القاري أو بأي جمعية عمومية آسيوية.
أما الدول التي يمثلها أعضاء المكتب التنفيذي الآسيوي فهم «الهند، باكستان، لاوس، أوزباكستان، فيتنام، منغوليا، كوريا الشمالية، فلسطين، لبنان» وكل تلك الدول يرتبط معها الاتحاد القطري بعلاقات وطيدة واتفاقيات شراكة من نفس هذا النوع، الذي يضمن استضافة معسكرات لمختلف المنتخبات ولفترات طويلة بالمجان، إلى جانب أشياء أخرى، والمفارقة أن الاتحاد القطري لم يكن قد سبق له توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد المنغولي لكرة القدم، وفور تعيين عضو في المكتب التنفيذي للاتحاد الآسيوي من منغوليا، هرول حمد آل ثاني رئيس الاتحاد، لتوقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد المنغولي الذي يترأسه أيضاً عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الآسيوي، وهو من وقع الاتفاقية في الدوحة وخلال الاتفاقية قال جانباتار أمجالانباتار رئيس الاتحاد المنغولي، إن الاتفاقية ستتيح لبلده الاستفادة من إمكانيات اسباير في تطوير مواهب بلده وإقامة المعسكرات وما إلى ذلك»، هكذا يتم السيطرة القطرية على القرار الآسيوي.
ومن خلال استطلاع آراء مصادر وثيقة بالاتحاد الآسيوي واتحادات أخرى في غرب وشرق آسيا، حول الدور القطري داخل المكتب التنفيذي الأسيوي، أشار إلى أن اتفاقيات الرعاية تلك، توفر مئات الآلاف من الدولارات على هذه الاتحادات، بحيث تتم استضافة منتخباتها للمراحل السنية بضعة أسابيع وربما أشهر، على نفقة الاتحاد القطري وأكاديمية اسباير، للإقامة والتدريب وخوض المباريات الدولية الودية، وكلها بالمجان إلى جانب تذاكر الطيران والإقامة في أفخم الفنادق لأعضاء الوفد الرسمي، فضلا عن هدايا قيمة أخرى.
اتفاقيات الشراكة
قائمة طويلة من اتفاقيات الشراكة والتعاون والرعاية أمامها العديد من علامات الاستفهام ؟
الاتحاد القطري وقع عدة اتفاقيات مع اتحاد اوقيانوسيا، وكونكاكاف والاتحاد الأفريقي والأوروبي والكونميبول، والأخير تم استهدافه باتفاقية بعد أسابيع قليلة من إعلانه طلب زيادة منتخبات مونديال 2022.
وما نكشف عنه فهو يثير الدهشة على طبيعة دور الاتحاد القطري لكرة القدم بشكل حقيقي، فكيف باتحاد وطني أن يوقع اتفاقية مع اتحاد مثل الاتحاد الأفريقي؟
وما هي دوافع ذلك، وكيف يبرم اتحاد وطني اتفاقية شراكة مع اتحاد قاري؟
يبعد عنه أكثر من 14 ساعة طيران، حيث هناك اتفاقية بين الاتحاد القطري واتحاد اوقيانوسيا، واتحاد الكونميبول والكونكاكاف، فما هي الاستفادة المنتظرة من تلك الاتفاقيات؟
بالتأكيد لا يوجد، ولكن تفاصيل الشراكة والتعاون هي التي قد تجيب على بعض تلك الأسئلة، حيث يسخر الاتحاد القطري ميزانيات كاملة، لتنفيذ برامج تلك الاتحادات كافة مع منتخبات مراحلها السنية التابعة للدول التي تنطوي تحت لوائها، بدعوتهم «بالمجان» في معسكرات ومباريات دولية ودية، وحجوزات فندقية وتذاكر طيران، للدول التي يريد رئيس الاتحاد القاري أو أعضاء المكتب التنفيذي لهذا الاتحاد القاري، الذين يكون أغلبهم أعضاء في المكتب التنفيذي للفيفا الذي أصبح اسمه الجديد»مجلس الفيفا، وبالتأكيد تكون كل تلك الاستضافات «السخية» من الاتحاد القطري وشريكه «اسباير» بالمجان، لتحقيق أغراض أخرى بالطبع، فالهدف ليس الفائدة الحقيقية بقدر ما هو توطيد علاقات بطريقة بعيدة عن النزاهة الرياضية، ويضم الاتحاد الآسيوي 8 أعضاء في الفيفا، دولهم ( بنجلاديش، الفلبين، ماليزيا، كوريا الجنوبية، اليابان، الصين البحرين، «الكويت مستقيل» )، أما الاتحاد الأوروبي فيضم 8 أعضاء من ( إنجلترا، إيطاليا، هنجاريا، قبرص، ألمانيا، مونتنيجرو، روسيا، البرتغال) ومن بين تلك الدول، يظهر حرص الاتحاد القطري على اختيار قبرص وهنجاريا ومونتيجرو لتوقيع اتفاقيات شراكة «لمجاملة أعضاء المكتب التنفيذي لتلك الدولي بشكل مستمر»، أما الكونميبول فيمثله في الفيفا 5 أعضاء من ( أوروجواي، البرازيل، الإكوادور، كولومبيا، باراجواي ) وقد وقع الاتحاد القطري مؤخراً رعاية مع اتحاد الكرة في الإكوادور وكذلك كولمبيا بالإضافة لاتفاقية مع الأرجنتين ويمثل اتحاد أوقيانوسيا عضوان في الفيفا وهم من «جزر كوك و سوام الأميركية»، ويمثل اتحاد الكونكاكاف 5 أعضاء في الفيفا وهم من ( أميركا، كندا، كوبا، بنما، جزر كايكوس)، أما الاتحاد الأفريقي فيمثل بـ7 دول ( غانا، تونس، غينيا، بوروندي، الكونجو، ومدغشقر، ومصر) ولا يخفى على أحد حجم نشاط أكاديميه اسباير في أغلب دول أفريقيا وتحديداً في الكونجو وغانا وبوروندي ومدغشقر والأخيرتين دولا فقيرة في مواهب كرة القدم، ولكن الدوحة تنشط هناك كروياً، كما يرتبط الاتحاد القطري بشراكات مع تلك الدول بالإضافة للاتحاد التونسي بالطبع.
أما الإجابة على استفسار قد يتبادر لذهن القارئ، حول كيف ينفق الاتحاد القطري لكرة القدم على تلك الاتفاقيات، فتبدو بسيطة، حيث تصل ميزانية الاتحاد القطري إلى 150 مليون دولار سنوياً، بل وتزيد عن ذلك، في ظل الارتباط باتفاقيات تحتاج لأموال من أجل توفير متطلباتها، حيث يتكلف المعسكر الواحد لأي منتخب سواء أول أو بالمراحل السنية من تلك الدول «الفقيرة» التي تشتري قطر ولائها ما بين 100 إلى 200 ألف دولار، ولا تقل مدة المعسكر الواحد عن أسبوعين إلى 3 أسابيع لاسيما للمراحل السنية التي تستضيف قطر بعضها لفترة تصل إلى 4 أسابيع.
المونديال والفيفا والانتخابات
ورغم عشرات الفضائح التي كشفها تقرير جارسيا يبقى السؤال الكبير
لماذا لم يسحب اينفانتينو المونديال من دولة راعية للإرهاب سرقت المونديال بالرشاوي ؟
الإجابة هي كل ما سبق من وقائع وتربيطات وشراكات ورعايات وأموال نعم
اتفاقيات الرعاية وأكاديمية اسباير والعلاقات «المشبوهة» التي تدخلها خطوط الطيران القطرية في رعاية مؤسسات رياضية قارية ووطنية، تقديم الدعم اللوجستي والاستضافات التي لا تنتهي للمنتخبات والفرق، والهدايا والمنح، كلها عوامل جعلت لقطر تحركا وسيطرة على أصوات يمكن استغلالها في تشكيل كتلة انتخابية تؤثر على مستقبل رئيس الفيفا، بل ويمكنه أن يرجح كفة مرشح على حساب آخر.
وقد لعبت قطر دوراً في الانتخابات الأخيرة بين الشيخ سلمان بن إبراهيم واينفانتينو على رئاسة الفيفا، حيث توحدت آسيا وأفريقيا خلف سلمان، وهي نفسها الأصوات التي سيطرت عليها الدوحة، رغم اتفاقها مع اينفانتينو بأنها ستعطيه جانباً من تلك الأصوات.
والآن بعد رحيل سلمان وابتعاده كمرشح للفيفا في الانتخابات المقبلة أمام اينفانتينو، فلا يستطيع رئيس الاتحاد الدولي الحالي المغامرة بإعلان معاداة الدوحة، بحسب مصادر رسمية داخل الاتحاد الدولي، والسبب يعود لقدرة الدوحة على الحشد والسيطرة على أصوات وتوجيهها لأي مرشح يخوض ضده السباق.
وهو ما أكده الغاني ايمانويل، عراب انتخابات الاتحاد الأفريقي والذي كان ضمن فريق سلمان بن إبراهيم في انتخابات الفيفا سابقاً، لضمان جلب عدة أصوات من أفريقيا لصالح بن إبراهيم، وقال « الدوحة تستطيع تحريك أصوات قد تزيد عن الـ60 صوتاً، هذا يعتبر بلوك انتخابي كبيراً من خلال علاقات متشعبة مع عدة اتحادات وطنية وقارية، هذا الرقم يخيف أي مرشح لمنصب رئاسة الفيفا»، وبنظرة سريعة على خريطة بسط النفوذ القطري، والتغلغل في اتحادات وطنية بقارتي آسيا وأفريقيا عبر اتفاقيات الشراكة أو عبر اسباير يمكننا أن نعرف لماذا يحدث ذلك، وكيف تعمل المافيا القطرية.
«2022» مونديال الإرهاب!!
أبرزت مختلف وسائل الإعلام العالمية إقرار المسؤولين القطريين رسمياً للمرة الأولى بأن بلادهم قد تلجأ إلى «نظام الملالي» القابض على زمام السلطة في إيران، لحمله على استضافة بعض الفرق المشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، التي حصلت قطر على حق تنظيمها في ملابساتٍ مثيرةٍ للريبة قبل نحو 8 سنوات. واهتمت هذه الوسائل كذلك باعتراف الدوحة بأنها غير مستعدة حتى الآن لمواجهة إمكانية توسيع رقعة المشاركة في البطولة من 32 منتخباً إلى 48، كما يدعو إلى ذلك رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» جياني إنفانتينو.
جاءت هذه التصريحات القطرية الكاشفة على لسان حسن الذوادي الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث المُنظمة للمونديال، الذي اعترف بأن فكرة إسناد مهمة استضافة منتخباتٍ مُشاركةٍ في البطولة إلى دولٍ أخرى بينها إيران، تندرج في إطار «خطة العمليات» الخاصة بتنظيم هذا الحدث الكروي، الذي يواجه الكثير من المشكلات الشائكة، التي قد تقود إلى نقله من قطر في نهاية المطاف.
وحاول الذوادي التخفيف من وقع هذا الإقرار الصادم بقوله، إن لدى «نظام الحمدين» عدداً «لا حصر له، من العروض المُقدمة من دولٍ (مختلفةٍ) من أجل استضافة هذه المنتخبات»، وذلك للحيلولة دون الإشارة إلى إيران وحدها حصراً على هذا الصعيد.
وربط مراقبون بين هذا التصريح المفاجئ، وإعلان رئيس اتحاد كرة القدم الإيراني مهدي تاج قبل أشهرٍ قليلةٍ أن بوسع الدويلة المعزولة الاستفادة من المرافق الموجودة في جزيرة كيش الواقعة جنوبي إيران خلال فترة البطولة الكروية، التي لم يتبق على موعد إقامتها سوى أربع سنواتٍ لا غير.
وفي ذلك الحين، رحب السفير القطري لدى طهران علي بن حمد السليطي بالعرض الإيراني، وأعرب عن أمله في أن يتسنى لبلاده الاستفادة من مرافق الجزيرة، ما بدا مؤشراً على صعوبة المأزق الذي تواجهه الدوحة مع اقتراب موعد انطلاق المنافسات، التي تواجهها العديد من التحديات بدايةً بالانتهاكات الصارخة التي تلحق بحقوق العمالة الأجنبية المشاركة في تجهيز المرافق والمنشآت اللازمة لاستضافتها، وصولاً إلى القرار الوشيك الذي يستعد الاتحاد الدولي لكرة القدم لاتخاذه بزيادة عدد الفرق المشاركة.
غير أن هذه هي المرة الأولى التي يفتح فيها مسؤولون في اللجنة القطرية المنظمة الباب أمام منح إيران الفرصة لاستضافة بعض المنتخبات التي ستشارك في الحدث الكروي الأبرز في العالم، وهو ما سيشكل - بحسب مراقبين - «دفعةً كبيرةً لإيران في وقتٍ تحاول فيه الولايات المتحدة عزل هذا البلد على الصعيد الدولي» عبر إعادة فرض العقوبات عليه لإجباره على وقف أنشطته الهدامة في منطقة الخليج، والتخلي عن برامجه لتطوير أسلحةٍ نووية. ومن شأن السماح لطهران باستضافة فرقٍ مُشاركةٍ في مونديال 2022 إثارة الجدل في الخليج بأسره، بالنظر إلى السجل الأسود لـ «نظام الملالي» في إثارة القلاقل على الصعيد الإقليمي، واستخدام جماعاتٍ مسلحةٍ بالوكالة - مثل الميليشيات الحوثية - لتهديد الاستقرار في المنطقة.
وفي محاولةٍ لتخفيف الانتقادات التي ستواجهها خطوةٌ مثل هذه، نقلت وسائل إعلام غربية وآسيوية عن رئيس اللجنة المُنظمة القطرية لكأس العالم قوله إن القرار الخاص بالاستعانة بدولٍ أخرى لاستضافة بعض المشاركين في البطولة «سيُتخذ قرب موعد» انطلاقها.
كما حاول الذوادي إلقاء جزءٍ من المسؤولية على الاتحاد الدولي لكرة القدم حال الإقدام على مثل هذا التحرك المشبوه، قائلاً إن أي قرار يخص الاستعانة بإيران «يجب أن يُتخذ من جانب «الفيفا»».
وكان العرض الأصلي الذي قدمته الدويلة المعزولة لاستضافة المنافسات، يتضمن خططاً لاستخدام مرافق ومنشآتٍ في دولٍ أخرى بمنطقة الخليج. لكن ذلك يبدو الآن في حكم المستحيل في ضوء المقاطعة الصارمة التي تفرضها الدول العربية الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) على نظام تميم بن حمد منذ منتصف العام الماضي، لاتهامه بإقامة علاقاتٍ وثيقةٍ بشكلٍ يثير الشبهات مع إيران من جهةٍ، وتمويل الجماعات الإرهابية وتوفير المأوى لقياداتها وكوادرها من جهةٍ أخرى. وفي دليلٍ دامغٍ على ما تسببه المقاطعة من أضرارٍ جسيمةٍ للاستعدادات الخاصة بإقامة المونديال الكروي، قال الذوادي في تصريحاته الأخيرة إنه يأمل أن يقرر «الرباعي العربي» تخفيف تدابيره الحازمة المفروضة ضد «نظام الحمدين» خلال فترة البطولة المقرر تنظيمها بين 21 نوفمبر و18 ديسمبر 2022.
كما أقر المسؤول القطري ضمنياً بعجز بلاده عن استضافة كأس العالم إذا ما تقرر زيادة عدد منتخباته إلى 48 منتخباً كما بات مُرجحاً، إذ أكد أن الخطط المتوافرة لدى اللجنة المنظمة تقوم حتى الآن على أساس استضافة 32 فريقاً فقط، قائلاً: «كل التحضيرات تتواصل بناءً على ذلك».
وأضاف الذوادي أن «هناك دراسة جدوى تُجرى في الوقت الراهن (حول إمكانية) إقامة مسابقة تضم 48 منتخباً، وسيُتخذ القرار الخاص بذلك من جانبنا نحن.. و«الفيفا»».
ويجمع المراقبون على أن إضافة 16 منتخباً لمونديال 2022 سيشكل «تحدياً هائلاً» أمام السلطات الحاكمة في الدوحة، وهو ما أقر به رئيس «الفيفا» نفسه الأسبوع الماضي.
فبحسب أوساطٍ كرويةٍ وإعلاميةٍ غربيةٍ، سيكون اتخاذ هذا القرار بمثابة «كابوسٍ وكارثةٍ حقيقيةٍ» بالنسبة لقطر؛ لأنه سيضطرها إلى تشييد أربعة ملاعب إضافية على الأقل، وهو ما لن تتمكن سلطاتها من إتمامه خلال السنوات الأربع المقبلة.
إعادة التصويت أو المحكمة الرياضية لسحب المونديال
أكد الإيطالي رومي سيلفاتوري، عضو محكمة التحكيم الرياضي «كاس»، عضو لجنة الانضباط باليويفا الأسبق، والمحامي الرياضي المتخصص في النزاعات الرياضية مع الفيفا، أن الأخطاء التي وقعت فيها قطر بهدف استضافة مونديال 2022، كانت كبيرة للغاية، وكشف عنها تقرير جارسيا بالتفصيل، مشيراً إلى أن هذا التقرير تحدث عن أهداف مثيرة في توقيع اتفاقيات الرعاية التي سبق وأبرمتها قطر مع مسؤولين في اتحادات محلية وقارية مختلفة، ليتم اكتشاف أنها كانت بمثابة ستار لأشياء أخرى، ولفت إلى أنه يتوقع أن يتم سحب البطولة من الدوحة، رغم كل الجهود التي بذلت والمليارات التي أنففت، لتحقيق هذا الهدف.
وشدد رومي على أن هناك اعترافات وأدلة موجودة، لكن حتى يتم سحب البطولة بشكل قانوني، كان يجب أن تقدم عدة اتحادات شكاوى للفيفا، وتطالب بطرح إعادة التصويت في الكونجرس الدولي وفي حالة الرفض، يتم اللجوء لاحقاً لمحكمة التحكيم الرياضي، في الطعن باستضافة قطر للبطولة بعد كل الأدلة والاعترافات الموثقة حول وجود رشى، واتفاقيات مثيرة للشبهات، واستغلال لنفوذ سياسي.
وعن طلب الكونيمبول بزيادة عدد منتخبات نسخة 2022، والتي كانت ستدفع الفيفا لإجبار الدوحة على تنظيم مشترك، أو سحبها ونقلها لدولة لديها القدرة على استيعاب 48 منتخباً قال«ربما يمكن اعتماد ذلك الأمر على أنه أحد الأسباب التي تعتبر كفيلة بسحب البطولة من الدوحة، لكن يجب أن يستمر اتحاد الكونيبمول في الضغط بطلبه بشأن زيادة فرق المونديال المقبل، الذي لو طرح للتصويت في الكونجرس، لربما أدى لسحب البطولة من الدوحة».
واعتبر سليفاتوري أن مونديال 2022 يعد بمثابة نقطة سوداء في تاريخ الكرة العالمية، وقال أن بقاء الوضع على ماهو عليه دون تغيير «سيكون ذلك عاراً حقيقياً بالتأكيد».
الدعوة الغامضة!
اتحاد كرة قدم قاري يلبي دعوة بكامل هيئته، من دولة في قارة أخرى، لماذا؟ وما هي الأهداف وراء كل تلك التحركات، وكيف ستستفيد الدوحة من تلك العلاقات التي تثير الشكوك والتساؤلات؟ أسئلة كثيرة طرحها مستند حصل عليه «الاتحاد الرياضي»، حول سفر المكتب التنفيذي للاتحاد الأفريقي لكرة القدم بكامل هيئته، إلى الدوحة أواخر أكتوبر الماضي، كان توجهاً طرح علامات الاستفهام، لاسيما أن الدوحة باتت ترتبط بعلاقات قوية مع الاتحاد الأفريقي الحالي، وتستضيف رئيسه بشكل مستمر، فضلاً عن دعمها الاتحاد وخططه وتوجيه أموال الدعم للدول التي يرغب رئيس الاتحاد الأفريقي أحمد أحمد في مجاملتها، خصوصاً الدول التي تحتاج إعانات في كرة القدم، كما يتم توظيف أكاديمية اسباير بفروعها الـ 13 في قارة أفريفيا لخدمة الاتحاد ومسؤوليه ومنتسبيه.
ووفق المستند المنشور، فقد دعت قطر أعضاء المكتب التنفيذي إلى الدوحة، للمبيت فيها 4 أيام للفترة من 22 إلى 26 أكتوبر الماضي، دون وجود أي حدث يستدعي ذلك، عبر الخطوط الجوية القطرية والخطوط التركية والإثيوبية وغيرها، وبالطبع كلها حجوزات بدرجة رجال الأعمال، فضلاً عن الإقامة في منتجعات وفنادق فاخرة خلال وجودهم هناك.