رأي وتحليل: مصبح الكعبي

مع انطلاق معرض ومؤتمر أبوظبي للبترول «أديبك 2018»، لاحظت أن تحولاً كبيراً قد طرأ على المواضيع التي تدور حول قطاع النفط والغاز.
ففي عام 2017، كان النقاش لا يزال متركزاً حول ذروة إنتاج النفط، ودور النفط الصخري، والاعتماد على الاستثمارات قصيرة الأمد، والمنافسة المرتقبة بين النفط والغاز من جهة، ومصادر الطاقة المتجددة من جهة أخرى.
أما في هذا العام، فالمناقشات أكثر تركيزاً واستشرافاً للمستقبل، وتبحث في التحولات التي يشهدها القطاع، وموقعنا في العصر الصناعي الجديد، أو بعبارة أخرى رسم ملامح الثورة الصناعية الرابعة في قطاع النفط والغاز.
ولكوني أعمل لدى شركة تمتلك استثمارات ضخمة في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات والطاقة عموماً، أرحب بهذا التقدم في الحوار.
وفي اعتقادي أننا ينبغي أن نركز على كيفية تشكل الموارد التي نحتاج إليها لمقابلة الطلب المستقبلي على الطاقة في سوق يتميز بالخصائص التالية:
• يستوعب السوق مصادر الطاقة كافة، ولا يتعامل مع النفط والغاز ككتلة منفصلة.
• إن قطاع النفط والغاز قادر على استيعاب واستخدام التكنولوجيا الحديثة، وأنه يمكن أن يكون من عوامل التمكين للعصر الصناعي الجديد، ولا يري في ذلك العصر تهديداً له.
• يتطلب منا أن نقوم بتزويد قوانا العاملة الحالية والمستقبلية بمهارات جديدة تمكنهم من استثمار إمكانات الذكاء الاصطناعي، والتشغيل الآلي وأنظمة التشغيل عن بعد، بدلاً عن الحديث المتكرر حول قصور المهارات التقليدية.
• يبحث عن شراكات جديدة ومبتكرة تتيح استقطاب الموارد المالية والتقنيات والموارد التشغيلية والبشرية الملائمة.
تشير التقديرات إلى أن العالم سيحتاج لاستثمار نحو 7 تريليونات دولار أميركي في عمليات جديدة لإنتاج النفط كي يستطيع تلبية الطلب المتوقع بحلول عام 2030، وأنه يحتاج لإنتاج إضافي من الغاز يتجاوز 30 تريليون قدم مكعبة، وإلى مصانع للبتروكيماويات لسد الطلب الذي ينمو بمعدل أسرع من إجمالي الناتج الاقتصادي المحلي العالمي.
لا بد كذلك من التصدي الإيجابي لتحديات مثل التغير المناخي، وارتفاع مستويات النفايات البلاستيكية، واحتياجات وتطلعات ملايين البشر الذين يسعون جاهدين لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، والحصول على مصادر للطاقة.
في اعتقادي أن على القطاع أن يعود إلى التركيز على الاستثمارات طويلة الأمد، وتبني نظام عالي الانضباط، من أجل توفير الإنتاج الإضافي المطلوب ضمن الفترات الزمنية، وفي حدود الميزانيات المخصصة للمشاريع.
ونحن في أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة نتمتع بمزايا فريدة تؤهلنا لتنظيم هذا الحوار العالمي المهم، إلى جانب لعب دور ريادي في استنباط الحلول.
فنحن لدينا شركة استثمار عالمية، هي شركة مبادلة للاستثمار (مبادلة)، التي تمتلك استثمارات ضخمة في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات على نطاق العالم، إلى جانب استثماراتها في قطاع الطاقة المتجددة وعدد من قطاعات التكنولوجيا الحديثة.
وتملك أبوظبي شركة نفط وطنية ذات رؤية مستقبلية بخطط واضحة لإضافة قيمة أكبر لصناعة النفط والغاز محلياً وعالمياً، وهي شركة «بترول أبوظبي الوطنية» (أدنوك). والأهم من ذلك كله، وجود قيادة رشيدة تؤمن بأهمية توفير سبل العيش الكريم لأبناء الوطن، من خلال بناء اقتصاد مزدهر ومستدام، يتكامل مع الاقتصاد العالمي، عبر عقد الشراكات مع الشركات الرائدة عالمياً، والمؤسسات الأكاديمية، لتسهيل الوصول إلى الاقتصادات الكبرى والاقتصادات الناشئة الأسرع نمواً.
ولا شك في أن قطاع النفط والغاز في طليعة قطاعات الدولة، التي تلتزم بتطوير وتنمية قدرات الشباب وإعدادهم لصناعات المستقبل.
وفي ضوء هذه الرؤية، فإن من المهم تطوير جيل جديد من المهنيين من ذوي المهارات العالية، من مهندسين ومحللي عمليات وأطباء وخبراء قطاعات متمكنين في مجالات تخصصهم، وملمين في الوقت ذاته بالتقنيات الجديدة والناشئة التي من شأنها إحداث ثورة في مفهوم الأعمال وعملية اتخاذ القرار.
وبالنسبة لقطاع النفط والغاز، تحديداً، فإن الثورة الصناعية الرابعة في هذا القطاع لن تصبح حقيقة واقعة ما لم نعمل على تأهيل الجيل الجديد من كوادرنا البشرية للعمل وفق متطلبات العصر الصناعي الجديد.
لقد كان التركيز ولا يزال منصباً على تدريب فرق العمليات الميدانية من مهندسين وفنيين، وينبغي أن يكون التوجه الآن نحو تطوير جميع المهارات اللازمة في التقنيات الجديدة، التي لا تستطيع المهارات المتوافرة حالياً التعامل معها بكفاءة وفاعلية.
فعلى سبيل المثال، لا بد من تدريب الأفراد الذين يقومون بالمهام التشغيلية الرئيسة، وتأهيلهم لأداء هذه المهام في بيئة الأعمال الجديدة، ومن أهم ملامحها البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، والتشغيل الآلي.
إنني لعلى ثقة من أن النفط والغاز سوف يظلان رافدين أساسيين لقطاع الطاقة لسنوات قادمة، وأنهما سيكونان من أهم عوامل التمكين للعصر التكنولوجي الجديد، إلى جانب الطاقة المتجددة والطاقة النووية، كما أنهما سيستفيدان من منتجات هذا العصر الجديد. كما أنني واثق من أن دولة الإمارات مؤهلة لقيادة هذه النظرة المتوازنة والبعيدة النظر لسوق الطاقة، والاستفادة منها.