يدفع التحسن اللافت في مستويات السيولة في النظام المصرفي الإماراتي منذ بداية العام الجاري العديد من البنوك العاملة في الدولة إلى تخفيف متطلبات سياسات التمويل بعد عامين من التشدد الذي فرضته الأزمة المالية العالمية، بحسب حسين القمزي الرئيس التنفيذي لبنك نور الإسلامي. وأكد القمزي في حوار مع”الاتحاد” تحسن أداء المصارف في الإمارات بشكل كبير بداية من العام الحالي، بعد أن تمكنت البنوك من معالجة معظم التحديات التي فرضتها الأزمة المالية العالمية، مشدداً على أن البنوك لم تعد بحاجة في هذه المرحلة لأن يقوم المصرف المركزي بضخ أي مبالغ نقدية إضافية في النظام المصرفي. وأكد الرئيس التنفيذي لبنك نور ومجموعة نور الاستثمارية، أن الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي خلال العامين الماضيين شكلت ضمانة لعدم وقوع بنوك الإمارات في دوامة الأزمة الاقتصادية، وأسهمت إلى حد بعيد في بقاء هذه البنوك بمنأى عن العاصفة. وأشار إلى أن الإدارة الجيدة للمخصصات وترشيد الإقراض في العامين الماضيين، ساهما في عودة السيولة لدى البنوك إلى مستويات مقبولة حالياً، وليست التدفقات الجديدة التي أفرزتها الأحداث الإقليمية التي اعتبرها تدفقات قصيرة الأجل. واعتبر القمزي القرار الأخير للمصرف المركزي الخاص بطرح تسهيلات مرابحة للبنوك الإسلامية، خطوة إيجابية تتيح إدارة السيولة بكفاءة أعلى بالنسبة للمصارف الإسلامية بدولة الإمارات، والتي كانت تفتقر إليها في السابق. وأشار القمزي إلى أن بنك نور الإسلامي الذي تم تدشين عملياته التشغيلية في الإمارات مع بداية تفجر الأزمة المالية العالمية ووصول تداعياتها الفعلية إلى أسواق المنطقة، إلى أن البنك واجه ثمة تحديات خلال تلك الأزمة قادته إلى تعديل استراتيجياته والعمل على تقليل التكاليف. وأضاف أن انطلاقة البنك مع الأزمة جاءت بفائدة غير مباشرة حيث لم يقم البنك بالشروع في بناء أصول رديئة، الأمر الذي مكنه من الاحتفاظ بمعظم رأس المال والاستمرار في تطبيق خططه الرامية إلى تحقيق الربحية المستدامة خلال عام 2012. وأوضح القمزي أن :”البنك تمكن خلال النصف الأول من العام الحالي من تحقيق نتائج تشغيلية قوية نتيجة التركيز على تنفيذ خططه الاستراتيجية بشأن الاستفادة من خبراته ونقاط القوة لديه في مختلف أنحاء الإمارات والمنطقة”. وأضاف :”حققنا أرباحاً تشغيلية بلغت 207 ملايين درهم مع أرباح صافية بمقدار 85 مليون درهم، وسوف نواصل تركيزنا على قيمنا الأساسية في ما يخص إدارة السيولة ورأس المال، مع العمل بشكل دائم على تحديد الفرص الكفيلة بتحسين كفاءة التكاليف من أجل ضمان تحقيق نتائج مستدامة. من جانب آخر، شهدت ودائعنا نمواً بنسبة 40% خلال الفترة ذاتها من عام 2010، تزامناً مع نمو قاعدة العملاء بمعدل 21%. وتوقع أن يستمر هذا الأداء خلال النصف الثاني من السنة، مضيفاً: نثق بأننا نسير في الطريق الصحيح نحو تحقيق ربحية مستدامة في عام 2012، كما توقعنا منذ البداية. الأزمة المالية العالمية وفيما يتعلق بأبرز التحديات التي واجهها البنك خلال السنوات الأولى من عملياته، أوضح القمزي:” باعتباره مصرفاً حديث العهد نسبياً، فإن تعرضنا للآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية كان محدوداً بفضل محفظة أصولنا المنخفضة المخاطر، ومع ذلك، لم يكن أحد بمنأى تماماً عن التأثيرات السلبية للأزمة، فقد أمضينا ثلاثة وعشرين شهراً من سنوات عملنا الثلاث الأولى في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية”. وقال” بالرغم من ذلك، فقد تمكنا من النجاح وواصلنا الاستثمار في تقديم المزيد من الخدمات وتوسيع نطاق أعمالنا في جميع أنحاء دولة الإمارات ودول مجلس التعاون وكذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي ذات الوقت، قمنا بتنفيذ خطة استراتيجية تقوم على توحيد أساسيات أعمالنا من أجل تعزيز كفاءة التكاليف وتحسين الخدمات. وفيما يتعلق بتوقعاته حول تحسن الأنشطة المصرفية في الإمارات خلال العام الحالي مع مؤشرات تحسن السيولة، اعتبر القمزي أن:” مستويات السيولة لدى البنوك الآن مستقرة، فلم يقم أي بنك في دولة الإمارات بإجراء سحوبات على المكشوف بما يتجاوز متطلبات الاحتياطي النقدي، كما بادرت معظم البنوك بالفعل إلى تخفيف متطلبات سياسات التمويل، ونتوقع لهذا التوجه أن يستمر في ظل عودة مستويات السيولة إلى وضعها الطبيعي. ولا أرى في هذه المرحلة أي حاجة لأن يقوم المصرف المركزي بضخ أي مبالغ نقدية إضافية في النظام المصرفي بدولة الإمارات”. واعتبر قرار المصرف المركزي الخاص بطرح تسهيلات مرابحة البنوك الإسلامية لدعم السيولة بها، خطوة مهمة ستتيح إدارة السيولة بكفاءة أعلى بالنسبة للمصارف الإسلامية بدولة الإمارات، والتي كانت تفتقر إليها في السابق، مضيفا أن الودائع التقليدية المتوافرة سابقا لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وأوضح:”هذه الخطوة تمنح البنك قدرة أكبر على إدارة السيولة، فمن أهم المشكلات التي كانت تواجهنا كبنك إسلامي هي عدم توافر ما يكفي من الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لإدارة السيولة قصيرة الأجل. القطاع المصرفي الإسلامي وفيما يخص أوضاع المصارف الإسلامية حالياً بالإمارات، وحصتها من القطاع المصرفي بوجه عام، أكد القمزي أن القطاع المصرفي الإسلامي في دولة الإمارات يشهد نمواً متسارعاً، فقد أصبح هناك وعي كبير وأكثر من أي وقت مضى بالحلول والخدمات المالية البديلة التي يوفرها سواء بين المسلمين أو غير المسلمين. وشدد على أن هذا القطاع ينطوي على فرص هائلة لتطوير جميع فئات الأصول، في ظل تنامي إقبال العملاء والمستثمرين على المنتجات الجديدة المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وسعي البنوك إلى إدارة السيولة بكفاءة أكبر. ويرى القمزي أنه حتى الآن لم تتم تلبية جميع مطالب المستثمرين الراغبين في الاستثمار في المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مضيفاً” إن الطلب من قبل المستثمرين يفوق ما هو متوافر في السوق. وعلى المدى البعيد، قال إنه يتعين على البنوك الإسلامية والتقليدية في دولة الإمارات أن تعزز من قدرتها على الابتكار وتتخذ خطوات سباقة في تطوير المنتجات والخدمات. وزاد قائلا” إن البنوك التي تتمتع بسيولة جيدة ولديها نماذج عمل مرنة وقادرة على التكيف، سوف تتمكن بطبيعة الحال من إيجاد فرص مناسبة تتيح لها تعزيز ربحيتها في السنوات المقبلة. وفيما يتعلق بالقواعد الجديدة التي أصدرها المصرف المركزي لتنظيم القروض الشخصية وتمويل السيارات والرسوم، وتأثير ذلك على أداء بنك نور الإسلامي خلال المرحلة المقبلة، استبعد القمزي أن يكون لهذه القوانين أي أثر سلبي على أداء البنك، فيما يخص مرابحة السيارات. ويرى أنها خطوة مهمة في تنظيم العلاقة بين البنوك والعملاء الأفراد وحجم التمويل المسموح كما توفر قدراً أكبر من الشفافية والوضوح في الخدمات التي تقدمها المصارف للأفراد. وأوضح أن عمليات البنك بالنسبة للأفراد لا تشكل في الوقت الراهن سوى نسبة 30% من مجمل الأعمال المصرفية التي تستحوذ فيها أعمال الشركات والمؤسسات على النسبة الأعلى. وأكد القمزي أن الوجود النشط في مختلف أنحاء دولة الإمارات عبر فروع بنك نور الإسلامي وقنوات الخدمة الموزعة بعناية، فضلا عن أنشطته في أسواق دول مجلس التعاون والشرق الأوسط وتركيا، أتاح للبنك تحقيق مستويات جيدة من وفورات الحجم وتنسيق العمليات، ما شكل منهج عمل جيداً بالنسبة للمساهمين. وشدد على مضي البنك على الطريق الصحيح نحو تحقيق الأهداف قصيرة المدى، ومواصلة استثماره في مجال الامتيازات عبر تعزيز تعاملاته المصرفية والمؤسسية، والارتقاء بإمكاناته في مجالات التمويل التجاري وإدارة الثروات. الانتشار الجغرافي وقال القمزي : إن الوجود الجغرافي لبنك نور الإسلامي لا يزال يركز بشكل كبير على تقوية علاقاتنا مع عملائنا في أبوظبي، فضلاً عن توسيع نطاق خدماتنا الاستشارية للشركات، وتقوية حضورها في أسواق رأس المال، وتعزيز عملياتنا في جميع أنحاء المنطقة. وأضاف:” لقد استثمرنا بكثافة في توسيع نطاق منتجاتنا في مجال تمويل الشركات، والمؤسسات المالية، والتمويل المجمع، وتداول العملات الأجنبية، وإدارة الثروات، وتنمية محفظة استثماراتنا. ولفت إلى أن البنك يركز بشكل أساسي على العمليات المصرفية الرقمية، حيث يعمل بشكل تدريجي على تطبيق خطة شاملة لرقمنة عدد من قنوات الخدمة بشكل كامل. وأكد حسين القمزي عدم وجود خطط في هذه المرحلة لإدراج البنك في الأسواق المالية، لافتا إلى أن التركيز المباشر للبنك ينصب على تحقيق ربحية مستدامة للمساهمين، والاستثمار في تنفيذ استراتيجية التوزيع التي تقوم على تعزيز تجربة العملاء عبر إضافة المزيد من المزايا إلى المنتجات، والمزيد من الخدمات عبر منافذ التواصل مع العملاء. تمويلات مجمعة أفاد القمزي بأن بنك نور الإسلامي قام بترتيب وإدارة سلسلة من التمويلات المشتركة عالية القيمة في أسواق رأس المال تقدر قيمتها بأكثر من 18 مليار دولار، بما في ذلك صفقات اكتتاب بملايين الدولارات لمنتجات متعددة. وكشف القمزي عن تخطيط البنك للقيام بجمع تمويلات مشتركة بقيمة 600 مليون دولار خلال النصف الثاني من هذا العام لصالح مؤسسات في أسواق دولية، لافتاً إلى أن آخر ترتيب تسهيلات مرابحة مجمعة مزدوجة العملة قام به البنك كان بقيمة 150 مليون دولار لصالح بنك “البركة تورك كاتيليم بنكاسي إيه اس” (البركة تورك). التمويلات العقارية دعا الرئيس التنفيذي لبنك نور الإسلامي إلى ضرورة تحويل جميع التمويلات العقارية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلى أصول مالية يمكن تداولها للمساعدة في تنويع المخاطر. وقال:” كمصرف إسلامي، نرحب بأي خطوة نحو إيجاد أدوات مالية أكثر توافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية للمواءمة مع الآراء الحالية لتعزيز أطر الحوكمة في قطاع التمويل المالي الإسلامي”. وأضاف:”المشهد المستقبلي للسوق العقارية يبدو على المدى القريب مليئاً بالتحديات، إذ لا توجد أي علامات ترجح حصول انتعاش في القطاع قبل عام 2012 على الأقل، ومع ذلك، لا يجب أن نكون متشائمين”. وزاد قائلا: إن تراجع المبيعات وانخفاض الإيجارات أدى إلى إبعاد المضاربين عن السوق، التي تشهد في الوقت ذاته إقبالاً أكبر من العملاء، ما من شأنه أن يحقق استقراراً ونموا حقيقيا للقطاع في المستقبل”. لكنه لفت إلى انه في المقابل، تم تحسين الأطر التنظيمية للقطاع، ما ينبئ بمزيد من النضج في هذه السوق، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن الأزمة قد أوجدت فائضاً كبيراً في حجم المعروض حالياً، إلا التوازن بين العرض والطلب سيعود حالما تبدأ عجلة السوق بالدوران.