هدى جاسم ووكالات (بغداد)
كشف محتجون في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، أمس، تفاصيل مقتل شخصين وإصابة آخرين برصاص مسلح يشتبه بأنه كان تحت تأثير المخدرات، معلنين في الوقت ذاته «براءتهم» من المجموعة التي قتلته ومثّلت بجثته، فيما دعا رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي، القوات الأمنية إلى حمل السلاح لحماية ساحة التظاهر وإعادة هيبة الدولة.
وبحسب بيان صدر عن المحتجين في الساحة، فإن مسلحاً يشتبه بأنه كان تحت تأثير المخدرات أطلق النار على المتظاهرين، وهو ما أدى إلى مقتل اثنين وإصابة آخرين في ساحة الوثبة القريبة من ساحة التحرير.
وأضاف البيان «إن مجموعة داهمت في وقت لاحق منزل المسلح وقتلته على الفور أمام أنظار قوات الأمن»، صباح أمس.
وأكدوا «البراءة من المجموعة التي قتلت المسلح»، وشددوا على «سلمية الحراك حتى النهاية»، مشيرين إلى أنه «كان يجب تسليم الشخص المسلح إلى القوات الأمنية التي اكتفت بمشاهدة ما يحدث من بعيد دون أي محاولة للتدخل».
وأوضح البيان أن المحتجين خرجوا سلميين من أجل الإصلاح وحقن الدماء وتسليم المجرمين إلى القضاء، مشيراً إلى أن ما حدث في ساحة الوثبة جريمة يدينها المتظاهرون والإنسانية ويعاقب عليها القانون.
وأكد أن المقتول «من سكان الساحة نفسها وقد قام تحت تأثير المخدرات بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وقتل عدداً منهم من دون أي تدخل من القوات الأمنية».
ويرى مراقبون أن ما حدث في الوثبة هو لعبة جديدة ومحاولة أخرى من قوى سياسية لتشويه سلمية التظاهرات أمام الرأي العام العالمي من أجل الحصول على مسوغات قمع الاحتجاجات، خصوصاً بعد محاولات هذه القوى بشتى السبل قمع التظاهرات، وكان آخر محاولاتها ما حدث في مرآب السنك والخلاني، قبل أيام.
وكان تقرير الأمم المتحدة استعرض، أمس الأول، الانتهاكات المستمرة ضد المتظاهرين، ومنها: القتل العمد، والخطف والاعتقال العشوائي على يد جماعات مجهولة.
ويأتي التقرير وسط سلسلة من الاغتيالات المستهدفة والاعتقالات لنشطاء مدنيين وصحفيين أثارت الخوف بين المحتجين.
وقبل هجوم المسلح، شهدت ساحة الوثبة عودة العنف إلى بغداد بعد أيام من الهدوء، إذ أصيب 31 شخصاً عندما أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم من ساحة الوثبة وسط العاصمة، وفقاً لما قاله مسؤولو أمن وصحة.
وأفادت وسائل إعلام محلية، أمس، بأن حادث قتل المسلح تسبب في ردود أفعال رافضة ومستنكرة، محذرة من أن الأمر قد يسيء للحراك السلمي في البلاد.
وكان شهود عيان أكدوا أن مدنياً عراقياً أطلق فجر أمس، الرصاص على المتظاهرين في ساحة الوثبة بوسط بغداد، وهو ما تسبب في مقتل متظاهرين.
وأوضح الشهود أن عدداً من المتظاهرين طاردوا الجاني في أزقة ساحة الوثبة وهو يحمل البندقية وتم الإمساك به وقتله وتعليق جثته على عمود كهرباء في الساحة، وسط تجمع المئات من المتظاهرين.
ومن جانبه، قال رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال، عادل عبدالمهدي، في بيان على خلفية مقتل الشاب: «إن حادث الوثبة الإجرامي أكد رؤيتنا التي تحدثنا بها كثيراً عن وجود مجموعات منظمة تمارس القتل والترويع وتعطيل الدولة تحت غطاء التظاهر».
وأضاف: «كنا نُتهم في أي خطوة نتخذها لحماية الأمن العام، وبات ضرورياً الآن أن تُعيد الأجهزة الأمنية حمل أسلحتها وحماية ساحات التظاهر، وإعادة هيبة الدولة».
وتابع: «لا مناص من منع أي تشكيل سياسي من فرض وجوده للسيطرة على ساحات التظاهر وتصفية حساباته مع القوى السياسية، ومسؤولية حماية المتظاهرين فقط مخولة فيها الأجهزة الأمنية الرسمية، وأثبتت بعض المجموعات أنها تريد إبعاد وإنهاء تلك الأجهزة كي تأخذ دورها في ساحات التظاهر وتمارس مخططها المعروف».
من جهة أخرى، أعلن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في العراق، أن قاضي التحقيق المختص بقضايا الأمن الوطني باشر بإجراء التحقيق بخصوص جريمة قتل الشاب في ساحة الوثبة.
وأضاف المركز في بيان مقتضب: «سوف تصدر مذكرات قبض بحق كل من شارك في ارتكاب هذه الجريمة البشعة».
وكان اللواء عبد الكريم خلف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، أكد أن بعض الأشخاص قتلوا شاباً لم يتجاوز الـ17 عاماً، حيث اقتحموا منزله وقتلوه وسحلوه وعلقوه على أحد الأعمدة.
وفي هذه الأثناء، جددت الخارجية الأميركية دعوتها إلى ضرورة إيقاف استهداف المحتجين في العراق، مبدية في الوقت ذاته استعدادها في حشد الرأي العام الدولي إزاء ما يجري من عمليات قتل ممنهج، تستهدف النشطاء في الحراك بالعراق.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، مورغان أوتاغوس، أمس: «عندما يحتج الناس بطريقة سلمية، فنحن مقتنعون بحرية تقرير المصير لهم»، مبينة أنه «يجدر بالدول أن تسمح للمحتجين بالتعبير عن رأيهم، فهم يطالبون بحكومة جيدة وبشفافية، وواشنطن تدعم كل هؤلاء في دول العالم، بما فيهم العراق لأنهم يريدون محاسبة الحكومات التي يجب أن تقوم بعملية إصلاحية، وتتصرف بطريقة مسؤولة، وأن تخضع للمساءلة في أي من أنحاء العالم».
ويبدو أن سلاح الخطف والقتل الذي يطال الناشطين في العراق يتواصل، فقد أفاد ناشطون مدنيون بأن مسلحين مجهولين اختطفوا الناشطين الشابين عمر العامري وسلمان المنصوري، بعد مغادرتهما ميدان التحرير، وسط بغداد ولم يعرف بعد مصيرهما.
وتعرض الناشط المدني، أحمد السويدي، وشخص آخر كان معه، أيضاً إلى إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين في شارع الأطباء وسط مدينة الديوانية، في محاولة اغتيال فاشلة، وصلت على إثرها القوات الأمنية لمكان الحادث وطوقت المنطقة.
وتم أمس تشييعُ الناشط علي نجم عبد الله اللامي، وسط المتظاهرين في ساحة التحرير. وكان علي اللامي قد غادر، قبل يومين، ساحة التحرير، وتم قتلُه بالرصاص بعد ذلك مباشرة.
وباتت حملة الترهيب والتخويف ضد الناشطين في العراق تثير قلقاً كبيراً، ليس على المستوى المحلي فقط، بل الدولي أيضاً.
الحراك يضع شروطاً لرئيس الوزراء الجديد
أعلن الحراك العراقي رفضه للأسماء المتداولة لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، وحدد بيان باسم المعتصمين في ساحة التحرير شروطاً يجب أن تتوافر في رئيس الحكومة المؤقتة، ومنها استقلاليته عن أي حزب أو تيار وكل تدخل خارجي.
واشترط الحراك في رئيس الوزراء الجديد أن لا يكون مزدوج الجنسية، أو وزيراً أو برلمانياً أو محافظاً سابقاً، وأن يتعهد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة. ومن الشروط التي حددها الحراك أيضاً في بيانه أن يلتزم المرشح لرئاسة مجلس الوزراء بتنفيذ مطالب الثوار.
وكان البرلمان العراقي أجّل أمس جلسة مخصصة للتصويت على قانون الانتخابات. وشكل البرلمان في وقت سابق لجنة دستورية ضمت 18 نائباً، قررت عدداً من التعديلات على الدستور، من ضمنها اختيار نظام شبه رئاسي.
اعتماد موازنة اتحادية مؤقتة
ذكر نائب في البرلمان العراقي، أن بلاده ستضطر إلى اعتماد موازنة مؤقتة لعام 2020، بسبب عدم إرسال الحكومة مشروع الموازنة، كونها حكومة تصريف أعمال.
ونقلت تقارير إخبارية محلية، أمس، عن النائب أحمد الصفار، عضو اللجنة المالية في البرلمان، القول: «إن العراق سيضطر إلى اعتماد موازنة مؤقتة، تصرف بشكل شهري للرواتب والموازنة التشغيلية فقط، ويستثنى من الصرف الموازنة الاستثمارية والعقود والدرجات الوظيفية، لحين التصويت على موازنة 2020».
وأوضح: «كان من المؤمل أن تُرسل الموازنة إلى البرلمان، يوم الخميس الماضي، إلا أننا فوجئنا باعتذار رئيس حكومة تصريف الأعمال، عادل عبدالمهدي، عن إرسالها بداعي عدم وجود صلاحية لإرسال أي مشروع قانون إلى البرلمان، بما في ذلك الموازنة، كون حكومته الآن هي حكومة لتصريف الأعمال». وأضاف: «ما زلنا ننتظر وصول مشروع قانون الموازنة إلى البرلمان، خلال الأسبوع الحالي، وتلوح في الأفق مجموعة من المقترحات، للبحث عن مخرج قانوني، منها مخاطبة رئيس الجمهورية لإرسالها سريعاً».