شادي صلاح الدين (لندن)

واجه الناخب البريطاني أكثر الانتخابات صعوبة في تاريخ المملكة المتحدة، خاصة أن الخيارات الجيدة بدت قليلة جداً، مع وعود انتخابية مختلفة أحياناً ومتشابكة أحياناً أخرى.
ففي الجانب الأزرق حيث حزب المحافظين المكتظ بدعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي يقودهم بوريس جونسون، الذي عرف عنه كثرة الوعود الانتخابية، والذي يقود اتجاهاً بالانفصال عن أكبر شريك تجاري لبريطانيا، يتبعه إبرام صفقة تجارة حرة شاملة مع أوروبا، وكل ذلك ضمن الـ 12 شهراً المقبلة، وهو ما يشعر الكثير من الناخبين والمتابعين بالتشكيك باستحالة هذا الأمر في هذا الإطار الزمني الضيق.
وفي الجانب الأحمر: حزب العمال اليساري منذ الثمانينيات، بقيادة جيريمي كوربين، المتشكك تجاه أوروبا، المناهض للغرب، والذي يعد بإعادة التفاوض على اتفاقية الانسحاب الأوروبي في غضون ثلاثة أشهر، يليها استفتاء ثانٍ في غضون ستة أشهر على شروط «منصفة» للخروج من أوروبا، لكنه يرفض تحديد الطريقة التي سيصوت بها.
وفي الزاوية الصفراء: الديمقراطيون الأحرار، وهو حزب يقول إنه سيلغي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حالة حصوله على الأغلبية – وهو أمر مستبعد تماماً - ولكن ليس لديه إجابة مرضية لرغبات أكثر من 17 مليون شخص صوتوا لخروج بريطانيا من أوروبا في استفتاء عام 2016.
علاوة على ذلك، يبدو أنه استبعد تشكيل اتفاق برلماني مع أي حزب رئيسي في حالة وجود برلمان معلق، مما يثير شبح إجراء انتخابات عامة أخرى. وتساءل الكاتب «بول تيلور» في تحليل لمجلة «بوليتيكو» الأميركية بشأن الخيار الأسوأ بين الشكوك الزائفة لجونسون، بشأن المستقبل الوردي لبريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، وادعاء كوربين الخادع بأنه قادر على التفاوض على صفقة أفضل، مع إبقاء المملكة المتحدة أقرب إلى الاتحاد الأوروبي وتقييد حرية حركة العمال من أوروبا؟ وقال: «الجميع يعلم أنها نتائج واعدة يعرفون أنها لا يمكن تحقيقها. وبصفتك ناخباً، فإن الأمل الوحيد أمامك هو أن يكذب كل هؤلاء ولا ينوي أحد تنفيذ هذه الوعود الانتخابية، عطفاً على أنه في الانتخابات البريطانية السابقة، فإن ما تراه ليس بالضرورة ما تحصل عليه».
وأضاف الكاتب، أنه إذا قمت بالتصويت لحزب العمال، فلا يمكنك أن تعرف على وجه اليقين ما إذا كنت ستحصل على مجموعة من عمليات التأميم، أو سلسلة من الإنفاق العام، أو سلسلة من الزيادات الضريبية، أو حكومة أقلية تدعمها أحزاب أصغر ستمنع بعض أو جميع الوعود الانتخابية السابقة. كما أنك لا تعرف ما إذا كنت ستحصل على استفتاء آخر حول استقلال اسكتلندا لشراء دعم زعيمة الحزب القومي الإسكتلندي، نيكولا ستورجيون، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى سيحدث هذا الاستفتاء؟ وإذا صوتت للحزب الليبرالي الديمقراطي، فأنت لا تدري ما إذا كنت ستصوت على البقاء في الاتحاد الأوروبي، أو لدعم حكومة أقلية لحزب العمال تعيد التفاوض بشأن اتفاقية انسحاب أكثر مرونة، على أمل أن تتمكن بعد ذلك من التصويت ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء جديد. التصويت لصالح الحزب الليبرالي الديمقراطي سيعني فقط محاولة إجراء انتخابات عامة جديدة!».
وتابع قائلاً:«إذا قمت بالتصويت لصالح المحافظين وفازوا بأغلبية ساحقة، فلديك على الأقل اليقين بأن صفقة الطلاق التي تفاوض عليها جونسون ستنفذ، وأن المملكة المتحدة ستغادر الاتحاد الأوروبي في 31 يناير المقبل، مع وجود حدود تنظيمية فعلية أسفل البحر الأيرلندي. لكن من الوهم الاعتقاد بأن هذا سوف ينهي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على حد تعبير الشعار الأخير الذي يستخدمه المحافظون في حملاتهم. معتبراً «أن البريطانيين قد يستيقظون صبيحة يوم الأول من فبراير على مستقبل «يكتنفه ضباب من الأكاذيب والتفكير بالتمني».
وأضاف الكاتب: «ليس عليك أن تكون إيفان روجرز، سفير بريطانيا السابق لدى الاتحاد الأوروبي، لتعلم أنه لا يمكن تطبيق اتفاقية التجارة الحرة الشاملة دون تعريفات أو حصص، التي تتيح الوصول إلى أسواق الخدمات التي تشكل 80 في المئة من الاقتصاد البريطاني، في غضون 11 شهراً قبل انتهاء الفترة الانتقالية، وخاصة أنه استغرق الأمر سبع سنوات للتفاوض والتصديق على صفقة أقل طموحاً للاتحاد الأوروبي مع كندا، والتي بالكاد تمس الخدمات».
حذر روجرز بأن الأسوأ لم يأت بعد!. وأقسم جونسون أنه لن يكون هناك تمديد للموعد المحدد في 31 ديسمبر 2020 لنهاية المرحلة الانتقالية..إنه نفس الخطأ الذي ارتكبته تيريزا ماي، عندما بدأت في تنفيذ المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمغادرة، قبل أن تتوصل إلى نوع صفقة الطلاق والعلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي التي تريدها. وهو ما يعني منح بروكسل ميزة تفاوضية قوية على أساس أن بريطانيا لم تكشف نوع العلاقة التي ترغب بها مع أوروبا.
ربما يكون الخيار المثالي للناخب هو ذلك الذي سوف يلحق أقل ضرر بالاقتصاد البريطاني، وبالتالي على الإيرادات اللازمة لتمويل أي من الوعود الباهظة للأحزاب بشأن الرعاية الصحية والبنية التحتية والإنفاق الاجتماعي. وهو ما يعني تأجيل الكارثة لا تجنبها. ويظل التساؤل مثاراً، هل تنهي نتائج الانتخابات حالة من البلبلة السياسية والعجز البرلماني، أم ستبدأ كابوساً من انهيار اقتصادي يصعب إيقافه؟