مع تأهب الشركات لإطلاق قطاع السياحة الفضائية، أطلقت دراسة جديدة إنذاراً تحذيرياً يفيد بأن جُسيمات الكربون السُخامية المنبعثة من محركات المركبات الفضائية الصاروخية الهجينة دون المدارية يمكن أن تنتشر في طبقة ستراتوسفير ويُؤدي إلى اشتداد حرارة القطبين. فمن ضاقت بهم الأرض وهفت قلوبهم إلى سبر أقطار السماوات وحلموا بزيارة عوالم فضائية سيذوقون لا شك نشوة الملاحة الفضائية وستهُون عليهم الأموال الطائلة التي دفعوها بالمُقابل، إلا أن الأضرار والنتائج غير المرغوبة التي قد تتسبب بها هذه الرحلات على مستوى التغير المناخي قد تُكلف مستقبل كوكب الأرض والأجيال القادمة أغلى بكثير من ملايين الدولارات التي سيجنيها صُناع السياحة الفضائية. كشفت دراسة حديثة أن سباق “غزو الفضاء سياحياً” من خلال ما يُعرف بالرحلات الفضائية دون المدارية سيؤدي إلى ارتفاع كمية الجُسيمات الكربونية (السُخام) في طبقة ستراتوسفير، وهو ما سينجم عنه تباعاً تغيراً مناخياً. ويأتي السُخام من محركات الصواريخ الهجينة التي تحرق الوقود الصلب المطاطي بالاستعانة بغاز مؤكسد كبديل عن الأوكسجين. وبالمقابل تحرق العديد من الصواريخ التي تعمل بالغاز المُسال الأوكسجين والهيدروجين الذي يُنتج عوادم أنقى إلى حد ما. وحسب نتائج الدراسة، فإن درجات حرارة المنطقة المحيطة بموقع إطلاق المركبات الفضائية السياحية تبرُد نسبياً عندما يحجُبُ سُخام الارتفاعات العليا ضوء الشمس. غير أن انتشار السُخام حول الكرة الأرضية يتسبب في سخونة طبقة ستراتوسفير وتغيُر الدوران حولها، مما يتسبب في ارتفاع درجة حرارة القطب المتجمد الشمالي والجنوبي. عرض وطلب يقول الباحثون إن تأثير الكربون الأسود على مناخ الأرض يمكن أن يُضاهي تأثير السُخام المنبعث من القطارات والشاحنات وأجهزة البناء الثقيلة في حال زاد الطلب على الرحلات الفضائية ووصل إلى مستويات عليا بحلول سنة 2020. ويقول عالم الفضاء مارتن روس والمُشرف على هذا البحث “لا تُقدم هذه الدراسة إلا لمحةً بسيطةً فقط عن الموضوع. فما زالت العديد من الشكوك تحوم حول مدى دقة تقديرات حجم حركة المرور الفضائية. ولن يظهر لذلك آثار وتأثيرات واضحة إلا بعد عقود”. ويضيف مارتن “ما نرغب في فعله هو فهم تبعات هذه الرحلات ونتائجها المحتملة الآن حتى لا يُقدم أحد على توظيف ميزانيات كبرى في استثمارات ومشاريع غير مستدامة على المدى الطويل. فتصميم أنظمة الملاحة الفضائية الجديدة واختبارها يتطلب مدةً لا تقل عن 10 سنوات قبل اعتماد استخدامها للعموم خلال العقود التالية”. مقاولات فضائية شرع بعض رجال الأعمال في الاستثمار في قطاع السياحة الفضائية في وقت مبكر، فالمغامر ريتشارد برانسون مؤسس شركة الخطوط الجوية “فيرجن أتلانتيك” ومستثمرون آخرون أبدوا استعدادهم لخوض تجربة السياحة الفضائية. فبرانسون أعرب عن عدم ممانعته لإلحاق أولى مركباته الفضائية السياحية “فيرجن جالاكتيك” بأسطول المركبات الفضائية السياحية بمطار المركبات الفضائية القريب من منطقة “يوفام” التابعة لمدينة نيومكسيكو بالولايات المتحدة الأميركية. وسلمت المركبة الأم “وايت نايت تو”- مركبة ثنائية الهيكل صُممت لحمل الصاروخ إلى مستوى الارتفاع الذي يُطلق منه- المركبةَ “سبايس شيب تو” للغرض ذاته. ويُتوقع أن تنطلق أول رحلة سياحية لمركبات “سبايس شيب تو” التي تستخدم محركاً هجيناً خلال الـ18 شهراً القادمة. وسيكون سعر التذكرة الواحدة في هذه الرحلة 200,000 دولار أميركي فقط! وقد دفع 380 شخصاً من سُياح الفضاء إلى الشركة مبلغ 50 مليون دولار كمُقدم لتأمين حجز مقاعدهم في هذه الرحلة. ولا تُعد بواعث القلق الخاصة بالآثار الجوية المحتملة لمستويات ارتفاع الطائرات والصواريخ شيئاً جديداً، بل إنها كانت حاضرةً في جميع رحلات استكشاف الفضاء السابقة. ففي ستينيات القرن العشرين، ساد القلق حول تأثير عوادم المركبات الجوية الكبيرة فائقة السرعة وتلك التي تعادل سرعتها سرعة الصوت عند عبورها للأجواء على طبقة الأوزون التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تُرسلها الشمس في اتجاه سطح الأرض. وفي السنة الماضية، درس الدكتور روس وثلاثة من زملائه تأثيرات إطلاق الصواريخ على طبقة الأوزون، فوجدوا أن عوادم الصاروخ تُقلل كميات غاز الأوزون بضع أجزاء مئوية في المئة كل سنة. وهي كمية ليست قليلةً إذا ما قُورنت بالدمار الذي تُلحقه الغازات الصناعية المنبعثة من مصانع مختلفة في العالم بطبقة الأوزون. ويقول فريق الدكتور مارتن إن أهمية الرحلات الفضائية الجوية قد تتزايد نسبياً في حال انخفاض تكاليف الإطلاق وزيادة مرات الإطلاق ومعدلاته بشكل ملحوظ. آثار بيئية تُعد هذه الدراسة أول دراسة من نوعها تبحث الآثار البيئية المحتملة للرحلات الفضائية السياحية، وتسلط الضوء على نتائج انتشار عوادم الصواريخ في الجو. فالكميات الضخمة من الذريرات والجسيمات التي تنبعث أساساً من البراكين وتستقر في طبقة ستراتوسفير تدور حول الكرة الأرضية، لكنها تسقُط بعد بضع سنين. والصواريخ الهجينة للمركبات الجوية دون المدارية التي تُطلَق من مركبة أخرى من ارتفاعات أعلى، تُطلق سُخامَها مباشرةً في طبقة ستراتوسفير أثناء صعودها. وعندما يتكرر انبعاث هذا السُخام بشكل منتظم عند كل انطلاق، يتراكم بدل أن يتلاشى ويشتد تركيزه. كعكة الفضاء كان على روس وزملاؤه مايكل ميلس من المركز الوطني لبحوث الغلاف الجوي، ودارين دوهيي العالم من جامعة كولورادو الاستعانة بتقديرات وفرضيات للتوصل إلى النتائج المنشودة. وهم يتوقعون أن يصل عدد الرحلات الفضائية السياحية انطلاقاً من عام 2020 إلى 1,000 رحلة سنوياً تُديرها شركات مختلفة ممن تعمل في مجال السياحة الفضائية وتبتغي الحصول على نصيبها من كعكة عوائد السياحة الفضائية. وأضاف أعضاء فريق روس أنه ينبغي تقدير حجم وشكل جسيمات السُخام المنبعث من محركات الصاروخ الهجينة بدقة والتنبؤ بمدى أضرارها الحقيقية على الغلاف الجوي. إلا أن العلماء يقولون إن البيانات المتوفرة حالياً حول تأثير السُخام على احترار سطح القُطبين الشمالي والجنوبي وتسببه في تغير مسارات دوران جسيمات الكربون في الغلاف الجوي غير كافية، وهو ما يستدعي إجراء المزيد من البحوث والدراسات حول الموضوع. ويقول فريق البحث إن قلق علماء البيئة والمناخ بشأن ما تتسبب به عوادم الناقلات الجوية والمركبات الفضائية على المناخ من أضرار لم يظهر مع بوادر إطلاق السياحة الفضائية، وإنما ظهر منذ السنوات الأولى لتحليق الطائرات في الأجواء. ولذلك فإن غالبية التقديرات تُشير إلى أن انبعاثات الصواريخ دون المدارية مستقبلاً ستُعادل في حجمها الأدنى تأثيرات ما تُلحقه الطائرات المدنية والعسكرية الحالية ومركبات الاستكشاف الفضائية. ويختم ميلز تعليقه على السياحة الفضائية ومشاريع إطلاق المركبات دون المدارية بالقول “من الأهمية بمكان النظر إلى هذه القضايا ودراستها من جميع جوانبها في وقت مبكر وقبل الانطلاق الفعلي لصناعة السياحة الفضائية”. عن “كريستيان ساينس مونيتور” ترجمة هشام أحناش