تزدهر صناعة السيوف والخناجر في دولة قطر بشكل كبير، وبعد أن كانت تستخدم في الحروب قديماً تحولت إلى الزينة وموروث تقليدي وشعبي قديم متوارث عبر الأجيال المتلاحقة، تعبيراً عن الاهتمام بالأصالة، والإرث الثقافي والاجتماعي. وتعرف السيوف والخناجر لدى القطريين باسم “الجنابي” لأن الرجل يضعها على جانبه، ويشد عليها الحزام متفاخراً بها في المناسبات العامة وخاصة في الأعراس، فضلاً عن تعليقها في واجهات البيوت، ورواج تقديمها كهدايا. تصنع السيوف والخناجر وتصقل بطريقة فنية لا يتقنها إلا الصناع المهرة، الذين استوطن بعضهم في قطر والبحرين والسعودية منذ زمن قديم، ولا تزال عائلاتهم تتوارث هذه المهنة، ولكل صانع طريقته وشكل مصنوعاته عن الآخر، لذا فهم يحاذرون أن ينتقل سر مهنتهم وصناعاتهم إلى الآخرين، لذلك يحافظون على أسرار التجارة والصناعة لتكون عائداتها لهم. وتباع السيوف بمبالغ طائلة حسب أنواعها، فالسيوف المصنوعة من الذهب والفضة والثقيلة تباع بعشرات بل مئات الآلاف من الدراهم حسب كمية الذهب والفضة التي تستخدم، والخناجر تكون أسعارها أقل لأنها تستخدم في الزينة وبعض الرقصات فقط. أسباب الازدهار عن أسباب ازدهار صناعة السيوف، يقول علي الصايغ، أحد أصحاب محلات صناعة وبيع السيوف “منذ أكثر من مائة وثمانين عاماً وعائلتي تتوارث صناعة السيوف وصياغة الذهب والمعادن، لذلك عرفنا بعائلة الصائغ، ولدينا أقارب في السعودية والبحرين يعملون بنفس المهنة، ويبدعون في صنعتهم التي ورثوها، وهذا ما جعلنا نستمر في الصناعة ونحافظ عليها”. ويضيف “برزت في الخليج استخدامات أخرى للسيوف والخناجر مثل الرقص بها في الأعراس، واستخدامها للزينة، كذلك استخدامها كهدايا، فالناس يهدون بعضهم سيوفا تكون بأغماد فاخرة، وكذلك بعضها تطرز بالذهب والفضة، كما أن بعضها تصاغ من الذهب أصلا، ولكن تكون تكلفتها كبيرة، وتكون بطلبيات خاصة، ولا نصنع إلا سيفاً واحداً أو سيفين من هذه النوعيات في السنة”. ويؤكد أنه حريص على تطوير مهنته وزيادة رواجها بفتح محلات في الدوحة، ومؤخرا قام بالتوسع أكثر بفتح محل ومصنع في البحرين، وجلب أيد عاملة وصناع مهرة، بسبب تزايد الإقبال، وزيادة النشاط التجاري لمحلاته، منوهاً إلى أن السيوف عليها طلب كبير، حتى من قبل الجهات الرسمية والمؤسسات، التي تطلبها كهدايا كما أن بعض الشخصيات الاجتماعية المرموقة تطلب أنواعا معينة لجودة صناعتها. ويشير الصايغ إلى أن السيوف العربية معروفة، ومختلفة عن بقية السيوف. ويوضح أنها كانت تصنع في الهند، ولكن ازدهرت الصناعة في الدول العربية لأنها كانت تستخدم في الحروب كأسلحة، وبعد ذلك تراجع استعمالها مع ظهور أسلحة حديثة، لتعود مع الطفرة النفطية كزينة أو هدية أو في الاستعراضات، موضحا أن السيوف تستخدم في رقصة العرضة المعروفة أيضا باسم رقصة المحارب، وهي من الرقصات التقليدية في الخليج العربي ويرجع تاريخها إلى ما قبل ظهور الإسلام، وكانت رقصة العرضة تؤدى في الأصل قبل أن يلاقي المحاربون أعداءهم في ساحة المعركة، أما اليوم فتؤدى في الاحتفالات”. أنواع السيوف يقول محمد الكواري، أحد مصممي السيوف، إن قصته مع تصميم السيوف العربية وزخرفتها بدأت قبل 5 سنوات وعندما بدأت اهتماماته بالسيوف العربية تظهر أخذ يتعلم تفاصيلها ومكوناتها وأهم أنواعها والزخارف المستخدمة في تزيينها، واستفاد من أصدقائه من الهواة والحرفيين كثيرا، حيث قدموا له النصائح والإرشاد لصقل موهبته في تصميم السيوف وصناعتها، وبإرادة قوية وحب وعشق لهذا التراث الأصيل بدأ مشواره في تصميم السيوف وزخرفتها وسعى بكل جد واجتهاد إلى تطويرها وإدخال المزيد من الزخارف والتصاميم الجديدة عليها. عن هذه التجربة، يقول الكواري “السيوف العربية مقسمة إلى أنواع وأشكال متعددة وهي من أنواع السلاح الأبيض، وهناك نوعان من السيوف العربية؛ السيوف المستقيمة والسيوف الهلالية”، شارحا أن السيوف الهلالية مرغوبة أكثر في قطر. ويضيف أن لمقابض السيوف العربية عارضتان طويلتان رفيعتان تنتهيان بنهايتين على شكل ملعقة ولم يتبق من هذه السيوف العربية القديمة في العصر الحديث إلا القليل وأكثر الأنواع شيوعا هي الأنواع المستعملة والمعروفة باسم سيف “جبارة” وهو من النوع الهلالي المعروف والمستخدم في الوقت الحالي. عن استخدامات السيوف. يقول ماجد العلي، صانع ومصمم سيوف، “كانت السيوف العربية في الماضي تستخدم في الحروب والمعارك، ولكن مع دخول الأسلحة النارية الحديثة احتفظت القبائل بالسيوف العربية التي مازالت ترمز للبطولة والشجاعة والفروسية واستخدمت أيضا في أداء رقصة “العرضة” وهي رقصة عربية أصيلة تدل على الشجاعة والبطولة والنصر. ويضيف “تستخدم السيوف العربية في الوقت الحالي للزينة والتباهي، حيث تعلق في المجالس وهذه عادة قديمة، حيث إن بعض رؤساء القبائل ، كما هو الآن، كانوا يحتفظون بسيوف ذات حمائل مزركشة مرتبطة بمناسبات خاصة وكانوا يتوارثونها؛ لأن السيف يعتبر رمزا مهما تجب المحافظة. مكونات الصناعة عن مكونات السيوف العربية، يقول العلي “يتكون السيف العربي من ثلاثة أجزاء: النصل والمقبض والغمد؛ فأما النصل فهو أساس السيف ويكون الاختلاف فيه من ناحيتين الطول والتقوس وكان في الماضي يصنع معدن النصل من نوع يسمى “الجوهر” وهو من أفضل المعادن ولكنه لا يصنع الآن ويتم شراء القديم منه بسعر غال لأنه نوع نادر”، لافتا إلى أن الدولة العثمانية كانت تحتجز صناع وخبراء هذا المعدن في مكان بعيد ويمنعون من الاتصال مع أقاربهم، ما جعل بعضهم يترك هذه الصنعة حتى لا يتعرض للحجز وهكذا اندثر معدن الجوهر لعدم وجود من يقوم بهذه المهنة وينقل أسرار صناعته إلى الأجيال الأخرى، وأصبح مرغوبا لصلابته الشديدة ولذا لجأ الناس لشراء الجوهر القديم بأسعار باهظة. ويضيف العلي “كان معدن الجوهر على ثلاثة أنواع؛ الجوهر الهندي أو ما يسمى بجوهر الدكن، والجوهر الفارسي، والجوهر العثماني. وكان الجوهر الهندي مشهورا وسمي بالدكن لأنه يصنع في منطقة بالهند تسمى الدكن والسيوف الهندية من السيوف المشهورة في العصور الإسلامية الأولى نظرا لقوته وصلابته ولكل نوع من الأنواع الثلاثة المذكورة مميزات خاصة به”. وعن المعادن المستخدمة في الوقت الحالي، يقول “حاليا تستخدم معادن أخرى في صناعة النصل ومن أهمها الفولاذ ويتميز بأنه لا يلتوي ولا يتكسر ولا يصدأ ويستورد من سوريا، حيث يطلب بناء على مواصفات معينة من حيث تحديد الحجم والوزن المطلوبين للنصل وبحسب رغبة الناس. والنوع الثاني المستخدم في صناعة النصل هو الحديد ويعتبر أرخص الأنواع، حيث يصدأ بسرعة ويتعرض للالتواء والانحناء وبالتالي قد لا يدخل الغمد”.