منطقة الرأس في إمارة دبي من أنشط المناطق الساحلية في الإمارات منذ أمد بعيد يمتد حتى مائة عام، ونحن هنا لسنا بصدد تأريخ أو توثيق تاريخ منطقة الرأس، وإنما للتحدث حول أهميتها بالنسبة لأبناء دبي ورجالها، خاصة أنها منطقة تمركزت بها محال وشركات البيع بالجملة، وأصبحت تستقطب التجار لكنها كانت مأهولة بسكان دبي الأصليين، إلا أن التطور في الإمارة جعل من حكومة دبي اليد التي امتدت ووفرت للسكان الذين تكاثروا بعد قيام الاتحاد، وفرت لهم مناطق حديثة ذات مساحة أكبر، وأجمل ما في منطقة الرأس أنها أرض يابسة تمتد إلى داخل البحر. في تلك المنطقة ولد حمد بن أحمد بن سلطان الرحومي، وهو من قبيلة البومهير أو المهيريين، وكان كل رجال أسرته يعملون نواخذة “قادة سفن” وغواصون وسفاره “يسافرون لنقل البضائع والمسافرون والتجار” وبعض الصيادين المحترفين منذ عهد الأجداد، وقد كان جد حمد الرحومي سلطاناً معروفاً لدرجة أن كل أهل المنطقة دائماً ما يشيرون إليه ولبيته باسم بيت سلطان الحميد، وربما يقال ولد حميد والبعض يطلق عليهم عيال حميد، ولم يكن منزل أسرته يبعد عن شاطئ البحر أكثر من عشرين متراً تقريباً، لأن حياتهم كانت شديدة الارتباط بالبحر، ولقرب سوق السمك من البيت كانوا يشترون ويشتري أهالي المنطقة السمك طازجاً بشكل يومي، وهو قادم من البحر، وكان البعض من جيرانهم وأهلهم يعملون في صنع السفن الخشبية وتصنيع أدوات الصيد. التعرض للغرق لا يزال حمد يتحدث عن البحر ورائحته ولونه بشكل يدل على حب شديد، وكأن روحه تسكن البحر، وهو مشدود بشكل غريزي إليه، فلا يمر يوم دون أن يذهب إلى البحر مرات عدة، وإن لم ترسل الأسرة أحد ليعود بحمد إلى البيت، فإنه لن يعود إلى بيته من نفسه، فقد كان يجد الكثير من التسلية والمرح بين موجاته، خاصة في فصل الصيف، فهناك يصيد السلطعونات أو القباقيب ويحصل على صيد من الأسماك الصغيرة، وعندما بلغ السابعة من عمره أصبح أبناء عمه يصطحبونه معهم إلى الخور. لم يسلم الأمر من التعرض للغرق وقد شارف على الموت في إحدى المرتين، ونقل إلى الطوارئ وأدخل الإنعاش، ولذلك قرر والده أحمد أن يعلمه السباحة، وعندما أتقن السباحة كان البحر يعتبر كل شيء بالنسبة له، حتى أنه كان يهتم به أكثر من المدرسة المحمدية التي كان يدرس فيها، وكثيراً ما وجدت أسرته حقيبته وبها أدوات الصيد، وعندما يكون داخل الفصل الدراسي، كان يرفع رأسه ما بين الفينة والأخرى لينظر إلى خور دبي وبه حنين للبحر، وأهم ما كان يبدر منه من تصرف، أنه لم يكن يستطع صبرا فيترك المدرسة وبعض الحصص ليذهب إلى البحر، وقد أثر ذلك بشكل كبير على تحصيله العلمي، ولم يكن يعود لمنزله إلا عندما يصبح في حاله شديدة من العطش أو الجوع. فريق وطني للسباحة وفي يوم انتقلت الأسرة إلى منطقة حديثة وهي الحمرية في بداية السبعينيات، وكانت المنطقة تشتهر بوجود ميناء الحمرية العريق، ولأن حمد يذهب يومياً إلى البحر فقد شاهد مدرب سباحة مصرياً كان يأتي يومياً مع فريق ليدربه على السباحة لتأسيس فريق وطني للسباحة، وكان عددهم خمسة عشر شاباً يافعاً وكان عمر حمد ما بين العاشرة والحادية عشرة، ولأنه يحب البحر فقد كان يسبح يومياً بالقرب منهم ويراقب ما يحدث مع شقيقه وابن عمه. وذات مرة وهم يسبحون اتجه اليهم المدرب بعد أن تأكد خلال الأيام التي مرت، أن هؤلاء الفتية يعشقون البحر، ولذلك طلب منهم أن يدربهم مقابل أن يقدم لهم الشاي ونظارة، وقام بمقابلة ذويهم ليبلغهم أنه مهتم بضمهم إلى المنتخب، وجد حمد أن المدرب بعد شهر قام بصرف كل الأعضاء الذين كان يأتي بهم للتدرب، وركز على تدريب حمد مع أصحابه من عشاق السباحة يومياً في البحر، وكان يأتي لهم يومياً بوجبات غذائية من أشهر المطاعم في ذلك الوقت. بعد ثلاثة أشهر تم إجراء مسابقة في إمارة أم القيوين لكل من يعرف السباحة وكانت أول مسابقة يشارك فيها وربما تكون أول مسابقة على مستوى الدولة وتشرف عليها وزارة التربية والتعليم، وأشار إليهم أحدهم وهو يكلم المدرب بأن المشاركين أطفال وقد يتعرضون للغرق بسبب الجهد، إلا أنهم استمروا وحصلوا على المركز الثالث، وتم تسجيلهم فيما بعد ضمن صفوف فريق دبي وأبوظبي، ورغم أن معظم من شارك في التدريب قد ترك التدريب والفريق، إلا أن حمد وشقيقه لم يتركا الفريق، ولأنهما يافعان فإن مسألة الرهبة من المسابقة لم تكن تؤثر فيهما. من المشاهير عندما أقيمت أول مسابقة في إمارة أبوظبي حصل حمد وأخوه على المركز الأول، وقد مثّلا دولة الإمارات في مسابقات على مستوى الوطن العربي، ومنها في تونس وليبيا في الأعوام 1973-1974-1975 وكان حمد أصغر سباح على مستوى دول الخليج العربي، وقد أصبح يتجه نحو احتراف الدخول إلى البحر في أوقات كان والده ينشغل فيها أو يرغب في الراحة، وفي أوقات كثيرة كان يرافق والده ليحمل عنه مشقة البحر ويؤنس وحشته. وقد كان الوالد فخور بأن أبناءه أصبحوا من المشاهير في السباحة في الدولة والخارج، خاصة أن هناك لقاءات وحوارات صحفية كانت تجري مع حمد تباعاً، كما كان يستلم رسائل من دول مختلفة. عندما أكمل الإعدادية ترك الدراسة للعمل مثل الكثير من شباب الدولة التي احتاجت لسواعد أبنائها من أجل أن تنهض، ووجد نفسه يتجه للسلك الشرطي ومن هناك انطلق إلى بريطانيا في دورة خاصة بالطيران، بعد أن حصل على رخصة متقدمة للطيران تم تعيينه ضابطاً طياراً في شرطة دبي عام 1983 لمدة سنتين، ويتذكر أن والديه كانا يلحان عليه أن يكمل تعليمه، إلا أنه كان لا يزال متعلقاً بالبحر ولا يرغب في ارتباطات متعددة تبعده عنه، ولأنه يتقن السباحة ويحفظ شواطئ إمارته عن ظهر قلب، فقد أختير لتدريب الفريق الخاص بالإنقاذ والإسعاف. ورشة بحرية بعد عشر سنوات على العمل أعاد حساباته فوجد أن لديه مجموعة من المهارات التي يمكن أن تغير مجرى حياته، وبعد صلاة الاستخارة قدم استقالته من شرطة دبي، لرغبته في التوجه للتجارة والعمل الحر، وقد بدأ حمد أول مشروع له وهو عبارة عن ورشة بحرية لرغبته الدائمة في أن يكون دائم القرب من البحر، واستحق حمد، باعتراف الجميع، أن يكون رئيس مجلس إدارة جمعية دبي التعاونية للصيادين، إلا أنه قدم أستقالته مؤخراً، بعد أن ترك بصمة مهمة في هذه الجمعية. يخبرنا حمد أنه قد حظي بالعمل لإنجاز ثالث أضخم اكواريوم للأسماك والكائنات البحرية في دبي، وهو أكواريوم اطلنطس الواقع في جزيرة النخلة، وهو ثمرة جهود استغرقت ثلاث سنوات من العمل، وكان التحدي الذي واجهه، هو تكليفه بجمع الأسماك والكائنات المحلية، والوصول بكميات هائلة من الأسماك حية إلى الأحواض، ومنها تعديلات خاصة نفذت على السفن التي ستذهب لتصطاد الأسماك، وأهم التعديلات تلك كان توفير البيئة المناسبة خلال عملية النقل، وهو صاحب معرض الأسماك في قرية التراث والغوص والذي يضم أكثر من 20 صنف من الأسماك. كم هو جميل أن يكون هناك ولاء لمهنة الأجداد التي لم يبعد عنها حمد الرحومي كثيراً، خاصة أن كل إخوانه يتشاركون معه حب مهنة الجد الذي كان يمتهن الصيد في الزمن الماضي، ولذلك وجد حمد نفسه مدفوعاً لتنفيذ مشروع يربط الزوار من الكبار والصغار بعالم البحر والأسماك، ويعتبر مشروعه فرصة علمية للإطلاع والتعلم عن البحار وكائناتها وأسماكها.