آية الأسمر تتناول الواقع العربي المعاصر في «خيانة الصمت»
صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان كتاب جديد بعنوان “خيانة الصمت”، وهو عنوان الإصدار السياسي الجديد لطبيبة الأسنان والأديبة الروائية الأردنية الدكتورة آية عبدالله الأسمر، التي سبق ان اصدرت روايتها الاولى تحت عنوان “أحلام الياسمين في زمن الرخام” عام 2007، والتي انسابت على صفحاتها أحلام بطلة الرواية الرومانسية بشفافية ورقة وعذوبة عالية.
تفاجئنا آية الأسمر في “خيانة الصمت” الذي يقع في 350 صفحة من القطع المتوسط والذي صمم غلافه زهير ابو شايب، بشراسة الاعتراف المجرد بمرارة الواقع الأليم الذي يعبث بقسوة بمصائر الشعوب، حيث تنبش في كتابها الثاني هذا بعنف وجرأة في كواليس الواقع العربي السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي وحتى الأخلاقي، اذ نراها تعتمد على حسها القومي وثقافتها الواسعة ونظرتها المتكاملة في تحليلاتها السياسية للواقع الداخلي المحلي للأردن، وكذلك للأحداث السياسية الخارجية المتراكمة على الساحتين الإقليمية والدولية، كما تفسح الكاتبة مساحة كبيرة للأسرة العربية والمنظومة القيمية الأخلاقية للمجتمع العربي المسلم، مسهبة في حديثها حول الطفولة والنشء والأجيال التي نعتمد عليها في بناء الحضارات ونهضة الأمة، معرجة أثناء ذلك على نظم التربية والتعليم في تركيز متعمد على المؤسسة التربوية التعليمية في صياغة مفاهيم الأمة.
“خيانة الصمت”، صرخة مجلجلة من حنجرة أنثى تحاول جاهدة الدفاع عن بنات جنسها، والنهوض بهن على كافة الأصعدة، فنرى الأسمر تخاطب المرأة الأنثى والمرأة الزوجة والمرأة الأم والمرأة العاملة والمرأة المبدعة، إلا أنها تبحر على متن الخطاب التوجيهي الإرشادي للمرأة الأم من منطلق أمومتها وحرصها على الطفولة، وكذلك وعيها لأهمية دور الأم المحوري في أي مشروع نهضوي إصلاحي تقدمي.
لا يخلو الكتاب من مساحات كبيرة أفردتها الكاتبة لتعبر من خلالها عن وجدان مرهف، وحس متوهج، ومشاعر جياشة برزت بوضوح في القطع الأدبية التي رسمتها الكاتبة على شكل لوحات أدبية أتقنت صياغتها الأدبية، لتذكرنا بأنها أديبة روائية قبل أن تكون محللة سياسية أو باحثة اجتماعية أو كاتبة مقال.
أطلق البعض على الطريقة الفريدة التي تتناول فيها الأسمر الأحداث السياسية “بالأدب السياسي”، ذلك أنها تكتب المقال السياسي على شكل قصة حينا، وبأسلوب أدبي حينا آخر، وتلجأ إلى رسمه على هيئة كاريكاتير بكلمات ساخرة لاذعة أحيانا كثيرة.
تهدي آية الأسمر كتابها “إلى خربشات الحزن الدامعة على أعتاب الطفولة الخائفة...
إلى الجدائل المضفرة بالخوف المبلل بليل الصمت والوجع والقهر...
إلى أولئك المحرومين والمقموعين والرازحين تحت ثقل العجز والفقر والظلم والجوع والمرض في زوايا وطن نسيهم في زوبعة الاحتفال بتوزيع الغنائم”.
ومما جاء على الغلاف الخلفي للكتاب “أحدق في غيابك السرمدي بحدقتين من غضب وذهول، أقتفي بنظراتي آثار أقدامك وهي تبتعد بصمت وكثير من الدموع، أتابع تفاصيل رحيلك عني بخوف وهلع، فأنا امرأة لا تقوى على الوحدة وتكره التوسل، ولا تعترف باستدرار الحب واستجداء العطف والشفقة، أراهن على صمتي وبقايا كبرياء وشيء من القوة، إلا أنني متعبة من عمر عشته أتوسل كسرة حب مغمسة بالحنان، ومن قدر يصر على تكسير أصابعي ليكتب بأقلامه أبجدية أيامي”.
و”تغتسل الأحداث بلون الخمر المسكوب، وبحزن الحق المسلوب، وصهيل خيل مروان الهاربة من دمشق يعلو... خاتم ضيق وسيف مكسور... أجساد ممزقة وأطراف مبتورة... أشلاء مبعثرة وأطمار متسخة ومهترئة تناثرت في القاع هنا وهناك... فرس عربية أصيلة ميتة، و أصداء هتاف التتار، وذئاب تعوي... والطفلة تبكي... والغجرية الليلية ما زالت هناك يطفئ شعرها المتفحم ألق النجم في الفضاء...”.
و”تحاول أن تفهم لماذا تزداد الموازنة السنوية عجزا بالرغم من أن الأسعار حولك تزداد ارتفاعا، وبالرغم من المحاولات اللاهثة لزيادة موارد الدخل إلا أن الديون ما زالت تتراكم، والفقراء يزدادون فقرا وشقاء، والأغنياء يزدادون غنى وثراء، فتنغمس الفئة الأولى في الانحراف والجريمة وتمعن الفئة الثانية في الفساد والغي، فتتسع الهوة الثقافية والفكرية في النسيج المجتمعي بين طبقتين اقتصاديتين، لا يمكن التجسير بينهما بعد سقوط الطبقة الوسطى، التي تحافظ على سلامة التكوين المجتمعي في كل المجتمعات”.
المصدر: أبوظبي