نوف الموسى (دبي)

كنتُ أسأل نفسي، منذ اللحظة الأولى التي تذوقت بها المشروب الشعبي الأبرز في المجتمع الإماراتي؛ وهو «الكرك»؛ الممزوج بنكهة «السنبوسة» الشهيرة، في افتتاحية المقر الدائم لـ «سينما عقيل»، في السركال أفنيو بمدينة دبي، ما هو سر إصرار القائمة على مشروع «سينما عقيل»، بثينة كاظم؛ في استشعار حس النكهة التاريخية للمكان السينمائي المستقل، وإثرائه بالذاكرة الاحتفائية لتلك المشهدية، المليئة بتفاصيل الستينات وسبعينات القرن الماضي. فهي لم تكتف باستحضار رائحة المكان عبر الأطعمة، بل خلقت مكاناً فسيحاً لنجلس فيه على كراسي مرممة يعود تاريخها لأكثر من 30 عاماً، لإحدى دور السينما الأكبر في المنطقة وقتها ـ (سينما بلازا) ـ بعد أن تم إزالتها. ويسند المقر من الجانب الآخر، ضوء الشمس، الذي ما أن يحين وقت عرض الفيلم، حتى تُسدل ستارة الظلمة من نفسها، استعداداً لرحلة الحياة وحوار الثقافات عبر الأفلام.
(بابتسامة واثقة) عبرت بثينة في حديثها لـ (الاتحاد) عن اعتقادها بأن مفهوم «Art House»، أو المكان الدائم أو البيت الفني لـ سينما مستقلة، ما هو إلا انعكاس للامتداد التاريخي لعلاقة المكان بالسينما، وإعادة مفهوم المقر السينمائي، في كونه فضاء مجتمعيا للقاء الحضارات، وتجاوز الفكرة الترفيهية الاستهلاكية لفعل الثقافة السينمائية.
عُرفت «سينما عقيل» بين الأوساط الثقافية، بـ «السينما الرحالة»، كما وصفتها بثينة كاظم، لاعتمادها على «الدعم» من البرامج الثقافية لمختلف الهيئات، من بينها «السركال أفنيو» ومؤسسها عبدالمنعم السركال. وذلك بارتحالها بين الإمارات المختلفة، للوصول إلى المتلقي، فالأخير مثل جزء من رؤيتها في كيفية بناء جمهور مستدام يصر على هذا النوع من السينما، المهتمة بعرض أفلام لا يغلب عليها الطابع التجاري، بل تتمركز في سرد الحكاية الإنسانية. وبناءً عليه تم إنشاء مقر «سينما عقيل»، استناداً على بحوث دراسات تناسب طبيعة منطقة الخليج، خاصة أن دولة الإمارات؛ ضمن تاريخها، احتفت بثقافة المكان المستقل لـ السينما، ما جعل بثينة كاظم، تتماهى في مشروعها عبر استحضار روح «سينما النصر» أو «سينما الدورادو» في أبوظبي. وربما ما هو مختلف كما أوضحت بثينة، طبيعة الأفلام التي ستعرض في «سينما عقيل»، الهادفة إلى توسيع الـ «اللغة السينمائية».
بين الموزع المحلي والإقليمي؛ والشركات العالمية، تستثمر كاظم علاقتها المهنية، لاقتناء أهم الأفلام المستقلة، رغم تحدي قلة الموزعين في المنطقة، إلا أنها تؤمن بأن فعل المقر الدائم لسينما المستقلة سيساهم في تغير المفهوم لدى الموزعين، وإقناعهم بمسألة تشكل سوق في المنطقة للأفلام المستقلة، والتي ستنال بعدها حفاوة أكبر عبر مشغلات تلفزيونية وحقوق بث عبر الإنترنت، ما يضمن استمرارية حركة الفيلم الجيد. التجربة الحياتية للتنوع الحضاري في مدينتها دبي؛ ساهم بشكل كبير، في إصرارها على إنشاء مقر دائم لسينما مستقلة، وقالت حول ذلك: «هذا التنوع يشكل جزءاً من شخصيتي، ويعكس حياتنا الاجتماعية، هو فعلياً مثل الهبة غير الموجودة في الكثير من دول العالم، خلقت لدينا تفاعلا متفرداً، صنعنا من خلاله لهجاتنا موسيقانا أطعمتنا، وربما أردت في نفس الوقت عبر السينما، أن أجعل من تجربتي الحياتية أكثر إطلاعا وتوسعة ورحابة، واكتشف الحكايا الإنسانية العالمية عبر الأفلام».