ولائم رمضان تجمع العائلات حول «مائدة» تفيض بالخير
اشتهر العرب بالكرم وحسن الضيافة، وعرفوا بأنهم أمهر من يعد الولائم ويجهز لها في أسرع وقت، ودون أن يشعر الضيوف بذلك، وللولائم قيم وعادات ومناسبات يتم خلالها دعوة الجيران قبل الأهل، لأن الأهل يتم اعتبارهم من ضمن الأسرة ولو كانوا في بيوت متفرقة، وراعي البيت لا يدعى إلى الوليمة ولذلك على الأقارب أن ينضموا للوليمة دون دعوة، والمفترض بهم أو بمن يذهبوا للوليمة أن يجتهدوا في تقديم العروض لمن أقام المأدبة، وسؤاله عن أية مساعدة يرغب فيها، بل إنهم يفعلوا ما يستطيعون عليه لترتيب السفرة أو حمل الأواني التي عليها اللحوم أو الأطعمة في شهر رمضان وغيره من المناسبات.
للوليمة مناسبات رسمية وأيضا مناسبات خاصة، ومن أشهرها أن يولم أهل العروس أو العريس لإشهار الزواج، ومنها ما يقام عند عودة شخص عزيز من سفر بعيد أو قصير، ويقال إنها على سلامة وصول فلان من السفر، وهناك الوليمة التي تقام فرحاً بشفاء مريض، ولكن الولائم الأشهر هي التي تقام في رمضان وفي الأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد كانت الفرصة مناسبة أن نلتقي بشخصيات مدعوة لوليمة، حيث تحدثوا لنا عن قيمة الوليمة معنوياً واجتماعياً، وكان ذلك في منزل خميس الحبشي السعدي.
جمع الشمل
تحدث لنا صاحب الدعوة خميس السعدي قائلا: إن إقامة الوليمة ليس القصد من ورائها إطعام الأهل والأقارب والمدعوين، لأن الجميع في خير ونعمة وكل شخص منهم يقيم نفس المآدب لمناسبات مختلفة، لكنها تقام أيضا من باب جمع الشمل ولتقديم الطعام إكراما لضيف عزيز أو احتفاء بشخصية ولكن بشرط أن يضمر الشخص النية على أن يكون جزءا من طعام الوليمة للفقراء وجزءا للجيران لأنهم جزء من الأسرة كما جاء في الإسلام.
ويضيف السعدي: إن قدوم شهر رمضان من أجمل المناسبات للم الشمل، حيث يجتمع رب الأسرة بكل من له علاقة بشجرة العائلة، فيتجدد الولاء والإخلاص لكل شخص ضمن إطار تلك الدعوة، كما يحق للداعي أن يعتب بينه وبين نفسه لمن يفرط في تلبية الدعوة، خاصة إن كان السبب الذهاب إلى زيارة روتينية من الشخص الغائب إلى أحد من الأقارب يقوم بزيارتهم كل أسبوع، لأن تلك الزيارات مستمرة وهذه الوليمة لن تتكرر إلا في مناسبة ربما تكون بعيدة، ومعروف عن العرب أن رد الدعوة أو تجاهلها شيء يسيء للمدعو ويعد نقيصة في حق نفسه.
ربما يعد خميس مجموعة من الولائم كل عام نتيجة للمناسبات التي تحدث من شفاء أو عودة غائب أو إكراما لضيوف من سلطنة عمان أو مملكة البحرين أو الكويت أو المملكة العربية السعودية، وهو يجد المتعة في دعوة كل من يشتاق إليهم لحضور تلك الولائم، ومن أجل التعرف على الضيوف لإكرامهم ومن أجل أن يشعروا أنهم بين أهلهم، من خلال تلك الدعوة يحدث التعارف بين الجميع، وهو يقول أن في العيد يقوم بالتحضير لاستقبال الأهل والضيوف قبل فترة مناسبة، ويذهب بنفسه لاختيار الذبائح ويشرف على إعداد البوفيه الذي يقيمه في العيد لأن الناس لا يأتون في وقت واحد كي يضع لهم سفرة واحدة، وحتى لا يفسد الطعام.
أما في باقي الأيام فإنه يقوم بوضع سفرة تجمع الكل على مأدبة واحدة في وقت واحد، وذلك يحدث أيضا في شهر رمضان بعد صلاة العشاء، حيث يتناول الجميع الوجبة الدسمة التي تم تأجيلها، ومن خلالها يتم وضع الأطباق التي جاءت من الأبناء والأقارب، فيجتمع بهم ويأنس معهم ومع صغارهم، وتتكرر تلك العادات في كل عام من أجل التلاقي ومن أجل تعويد الأبناء على فعل هذه العادة الكريمة التي تعبر عن شيم الضيافة والكرم.
أحلى الأوقات
شارك في الحديث موسى الحمادي قائلا إن الناس لا يأتون من أجل الطعام، لأن كل البيوت عامرة بالخير، ولكن تلبية الدعوة إكراما للداعي، وأيضا من أجل التلاقي مع أفراد الأسرة الذين ربما لا يراهم المرء إلا في هكذا مناسبات، تجمعهم بعد طول انقطاع، لان البعض منهم يكون أقل شغلا بالعمل أو الوظيفة أو مسؤوليات أسرية وواجبات تجاه الغير.
وذكر موسى أن يحلو له في رمضان استضافة مجالس الذكر، حيث تلقى محاضرات تتعلق بالواجبات والأحكام، كما أن منزله لا يخلو من الأقارب الذين يأتون من مناطق بعيدة من الدولة للتبضع خلال رمضان والعيد في الشارقة أو دبي، فيستضيفهم على الإفطار أو على السحور وربما يبيتون عنده، ولكن تحلو الأوقات في العيد حين يأتي الأهل والأصدقاء من الكويت مع أطفالهم، ولذلك يجد أن إقامة الوليمة أصبحت شيئا معتادا عنده وهو عادة جميلة وفيها خير كثير.
مجالسة العلماء
وقد اعتاد عبدالرحيم الحمادي على إقامة الولائم من أجل استضافة ضيوف الامارة الذين يتم استضافتهم لإلقاء المحاضرات في الشارقة أو دبي، وهو يجد أن دعوتهم في مناسبات خارج شهر رمضان فيه تكريم للعلم والعلماء، ومن جانب آخر فهو يحب مجالسة العلماء نظرا للحكمة والزاد الباقي للآخرة الذي يتزود به منهم، وفي ذات الوقت يعرف رجال الأسرة من خلال تلك الوليمة على أولئك العلماء، وأن ذلك الاجتماع يتخلله تبادل الأخبار عن الأهل والأصحاب في الدول القريبة.
وللوليمة في شهر رمضان والأعياد مذاق آخر خاصة أنها تأتي بعد موسم من الطاعات الوفيرة، فتكون بمثابة مكافأة احتفالية عند من صام أو من عاد من الحج، وهذا ما يقوله لنا عبيد السماحي الذي شهد أعيادا عديدة منذ الأربعينيات، وهو يقول أن كل إنسان يمكنه أن يجد الخير الكثير في العيد ليقيم مأدبة، ويعد للوليمة التي يستقبل من خلالها المدعوين، وهم عادة يأتون بشكل اعتيادي دون دعوة، لأن المفترض في الأهالي والأصدقاء والجيران التزاور بهذه المناسبة.
ويكمل السماحي أن كل من يأتي يجد الأطعمة متوفرة خاصة اللحوم، فمنهم من يشوي ويقدم الأرز بجانب المشوي ومنهم من يعمل على طهي الأرز مع اللحم معا، وتقدم أيضا الحلويات، وعندما يأتي الناس فإن صاحب الدعوة يعلم أن القادم ربما يكون قد شبع في منزله قبل أن يأتي إليه، ولكنه قد جاء إكراما للمودة والتراحم وتجديدا للعلاقات، وفي ذات الوقت تقديرا لمكانة راعي البيت.
مأدبة لتنقية الأجواء
يضيف عبيد السماحي أن من أفضل القيم للوليمة وإقامة المآدب أن يعتاد الأهل على التلاقي وعلى إكرام الضيف، وتقام أيضا من أجل عدة نوايا ربما لا يعرفها المدعوون، ومنها مثلا أن الداعي يرغب في دعوة بعض الأشخاص الذين في قلوبهم بغضاء تجاه بعضهم، فتكون تلك الدعوة مناسبة لتنقية الأجواء، وربما تكون لرغبة الداعي في توزيع الطعام على الفقراء ولا يرغب في جرح مشاعرهم، فيعد للوليمة ويدعو إليها الجميع ثم يوزع الطعام في أطباق على جميع من يجاورون منزله، وبذلك يكون قد حقق الهدف المنشود.
المصدر: دبي