الشارقة (الاتحاد)

أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن نسب المؤرخ العربي الشهير أحمد بن ماجد يرجع إلى القصيم، ومسكنه جلفار، مُفنّداً سموه المغالطات التاريخية التي صاحبت سيرة هذا الرجل العظيم.
جاء ذلك، خلال المحاضرة التي ألقاها سموه بعنوان «أحمد بن ماجد»، بحضور قرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، والتي أقيمت مساء أمس الخميس بمركز اكسبو الشارقة، ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ37.
وقدم سموه خلال المحاضرة ثمرة اجتهادات بحثية ودراساتٍ عديدة قام بها سموه امتدت عبر 18 عاماً من البحث والتقصي في العديد من مكتبات العالم الكبرى المختلفة، ودراسة العشرات من المخطوطات النادرة والهامة والتي كشفت عن الموطن الحقيقي وتاريخ رحلات ابن ماجد وسلالته وعشيرته.
وتتبع سموه خلال المحاضرة سرداً تاريخياً ممتعاً، استعان فيه بعدد من الخرائط التاريخية القديمة لشبه الجزيرة العربية لتوضيح الأماكن القديمة وربطها بأسماء اليوم، موضحاً بالأدلة أصل وفصل ونسب أحمد بن ماجد الذي ظلمه التاريخ كثيراً، كما وصفه سموه.
كما كشف سموه عن تجهيزه لكتابة رواية تحكي تاريخ بطولات مُقرنْ بن زامل بن أجودْ، ملك البحرين عند غزو البرتغاليين لمنطقته في العام 1521م واستبساله في الدفاع عن وطنه حتى الموت.

ورحب سموه في بداية حديثه بالحضور قائلاً: «نرحب بكم في هذا الملتقى، وإنّي لأشاهد وجوهاً خيّرة نيّرة جاءت لتستقي من بعض ما لديّ من اطلاعٍ ومعرفةٍ، وأدعو الله أن يوفقني في نقلها إلى مستمعيها».
وحكى سموه عن بدايات اهتمامه بالرحالة العربي والمؤرخ أحمد بن ماجد، وعن القصة التي قادته للعديد من الاكتشافات عنه، قائلاً: «هذا الرجل ظُلم كثيراً، وكنت أستاذاً في جامعة الشارقة، وقلتُ إن ابن ماجد لم يكن هو الذي أرشد فاسكو دي جاما، وإنما الذي أرشده شخصٌ مسيحي من منطقة غُوجراتْ يُسمى كَاَنا، فذهب الطلبة إلى الأساتذة الآخرين ورووا لهم الحكاية، فقالوا للطلبة إذا كتبتم ذلك فستكون نتيجتكم في الامتحان صفراً، فرجع إليّ الطلبة، وقلت لهم إن المسألة ليست بالقرارات وإنما بالدراسات، ومنها بدأت رحلتي في العام 2000م للبحث عن ضالتي».
وعن رحلة بحثه الطويلة في المكتبات العالمية للبحث عن الحقيقة في قصة ابن ماجد، قال سموه: «ذهبت إلى المكتبة البريطانية، حيث كنت قد قرأت هناك كتاباً، وأخذتُ المصدر الذي استقى منه الكاتبُ، وإذا به يكتبُه: مكتبة بلدية بورتو في البرتغال، فذهبتُ إلى هناك، ووجدت مخطوطة دفتر السفينة الذي تُكتب فيه اليوميات، وكانت اليوميات للسفينة الرئيسية لفاسكو دي جاما، وهناك وجدتُ موضوع ابن ماجد الذي ذكرته للطلبة سابقاً، واضحاً إذ كُتب في اليوميات: «طلبنا من الملك ميلندي أن يزودنا بمرشدٍ، فأعطانا الملكُ مُرشداً مسيحياً، وركب معنا...». كانت المعلومة واضحة تؤكد أن المرشد لم يكن هو ابن ماجد.
وتابع سموه: وقمتُ بكتابة جزء من هذه المخطوطة والخاص بهذا الموضوع في كتاب، وكان عنوانه: «بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد»، وظننتُ أن الموضوع الهام هذا سوف ينتشر وسيصدقه الناس، ولكنني كنت كل مرة أسمع من الشرق ومن الغرب في عالمنا العربي أنهم لم يقبلوا تلك الحقيقة عن ابن ماجد، فقلتُ يجب أن أصبّ القوافي في قوالبها، وما عليّ بعد ذلك إن لم يفهم الآخرون. والحقيقة أن هذا الموضوع تُهمةٌ من تُهم ابن ماجد. وهناك موضوع أصله وهو: من هو ابن ماجد؟ البعض يقولون إن أصله هندي من غُوجرات، وكتب أحمد اقتداري وهو كاتبٌ من إيران يقول: «أحمد بن ماجد، وغيّر اسم جده من النجدي إلى البحري، ونسبهُ إلى بلدةٍ في إيران».
وأكمل سموه: وبدأت أسعى، ووجدتُ مخطوطة في المكتبة الوطنية الفرنسية، فصورّتها، وبدأتُ أدرس فيها، فوجدتها مقسمة إلى ثلاثة أقسام، ووجدتُ أن الكاتب يذكر ابن ماجد في بداية المخطوطة، في جزء المخطوطة الأول والذي عنونه: «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» لأحمد بن ماجد، ولكن من كتب المخطوطة نقل ما كتبه ابن ماجد إلى أن انتهى من الكتابة (يقول ابن ماجد في كتابه: وختمنا هذا الكتاب في عام خمسٍ وخمسين وثمانمائة، هذا الاختصار، وأوصيكم بتقوى الله... ألخ). وكاتبُ المخطوطة الذي نسخ الكتاب يقول في نهاية كتابه: تم الكتاب بحمد الله وعونه، وحُسن توفيقه، وهو المسمى بكتاب الفوائد في أصول علم البحر، وذلك في اليوم السابع عشر من ربيع الثاني سنة أربعٍ وثمانين وتسعمائة».
ويعلق سموه على تلك المغالطات التاريخية، قائلاً: «هذا المخطوط تمت كتابته من حوالي 90 سنة، وفي هذه التسعين سنة يستطيع الإنسان أن يذكر جده، أو يُورّث كلاماً من جده. وهذا الناسخ أخذ هذه الفوائد وعددها 12 فائدة، وهي كل الفوائد الموجودة في كتاب ابن ماجد، ما عدا فائدة واحدة، وهي الأولى يذكر فيها عمله من أين استقاهُ وكيف تعلّم، أما الـ11 فائدة الباقية فهي في علمٍ غزيرٍ وهو علم النجوم والأجرام والأهواء والبحار والمسارات، وأنا أيضاً أودُ أن أُحقق هذه المخطوطة، ولكن لو كتبتها لن يفهمها أحد، لأن الأسماء المتداولة ليست هي الأسماء، ولذلك آليتُ على نفسي لتقديم محاضرة تكون أفضل عن الكتابة».
وأردف سموه: «هذا الكاتبُ الذي نسخ المخطوطة، كتب في آخر الكلام عن ابن ماجد، وتعليق الناسخ كان: «ويتلوه كتبٌ» يقصد «كتباً أخرى»، كما أخذ كل فائدة ونظمها شعراً، ومن هذه التوزيعات النظمية، وجدت فيها واحدة تقول: تمت بشهر الحج في جلفار أوطان أسد البحر في الأقطار».
ويعلق سموه قائلاً على ذلك: «أنا عند ما تكلمت به سابقاً، وأقول: شبه جزيرة هرمز والتي توجد في نهاية رأس الخيمة وامتدت إلى هناك تسمى جلفار. إذاً جلفار ليست المدينة نفسها، ولكن جلفار هي المنطقة. ولذلك أنا أصدق هذا الرجل لأن كلامه ليس بعيداً عن ابن ماجد نفسه، والمسافة بينهما 90 سنة، ونسبه إلى جلفار. وبذلك نكون قد عرفنا ما ذكره وهو «أوطان في جلفار»، وعرفنا كذلك مدة الزمن التي كان فيها أحمد بن ماجد، واسمه الكامل هو: أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي ابن أبي الركائب النجدي».

نسب ابن ماجد الحقيقي
وتحدث سموه شارحاً نسب ابن ماجد الحقيقي وعلاقات القبائل وتحركاتها في المنطقة قائلاً: «بني سعد من تميم، وتميم قبيلةٌ في القصيم، إذاً هناك نجدْ والقصيم، إذاً يكون ابن ماجد من هناك؟ ولكن ما الذي أتى به إلى هنا؟ (جلفار)، إذاً لابد من متابعة الأحداث التي جرت ودفعت بني تميم لهذه الهجرة».
واستعان سموه، خلال المحاضرة، بعدد من الخرائط التاريخية لبيان موقع القصيم، على الشاشة الإلكترونية، مشيراً إلى موقعها في خريطة شبه الجزيرة العربية، وموضحاً سموه طريقي البصرة وبغداد، متسائلاً: ما هي صفة القصيم في ذلك الوقت؟ كانت مكاناً تكثر فيه المياه العذبة من الينابيع والعيون والوديان، والأراضي الخصبة والمنتجات الزراعية. ونوه سموه إلى أن طريق البصرة وبغداد كان ملتقى تقاطع الطرق في القصيم، يتم فيه التزود بالغذاء والماء، وفي عام 656 هجرية، احتل الغزو المغولي بغداد، وانقطع هذا الطريق والملتقى. بعد انقطاع هذين الطريقين، هاجر الناس وخرجوا، بعضهم خرج من الخليج من ناحية أخرى، والبعضُ أتى إلى الخليج من ناحية طريق البصرة، واستوطنوا في شط بني تميم، وهم بني تميم جُملةً، وبنو سعد وهم عشيرةٌ من تميم. وجاءوا إلى بوشهر واستقروا هناك، وكانت هناك بقعةً خارجةً عن السيطرة المغولية.
ويسرد سموه التغيرات التي أصابت المنطقة بعد غزو المغول، قائلاً: «بذلك الغزو، أتى إلى الخليج تغيرٌ سياسي كبير، وأصبح على ضفتي الخليج وهما: عُمان، وهرمز. ونلاحظ أن عُمان منذ أن تأسست على يد مالك بن فهمْ في سنة 328 هجرية تقريباً، كان يحكم منطقة عُمان، الفرس ملك يسمى داريوس بن داريوس، وكانوا يسمونه في المنطقة العربية دارا بن دارا. وحارب مالك بن فهمْ هؤلاء الأقوام، ويقال إنه هزمهم وطردهم، فطلبوا من مالك بن فهم هدنةً، ويبدو أنهم كانوا يريدون فسحة من الوقت للتزود بالأسلحة، ولكن الإسكندر الأكبر كان قد غزا إيران، وأخذ يطارد داريوس في الجبال إلى أن قتله أحد قادته، وسلِمتْ عُمان من ذلك».
ولفت سموه، إلى أن عُمان استمرت في حكم سلالة مالك بن فهم إلى أن أتى الإسلام، حيث أسلم أهل عُمان من تلقاء أنفسهم. وفي هذه الفترة، كانت عُمان طائعة للخلافة الراشدة، حتى كان الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وسيدنا معاوية بن أبي سفيان، ونأت عُمان بنفسها عن هذا الخلاف، ولم تكن هناك سيطرة من قبل الدولة الإسلامية لبني أمية أو العباسيين على عُمان إلا في فترة البويهيين، وفي هذه الفترة استطاع البويهيون أن يعبروا الخليج، ويحتلوا أجزاءً من عُمان لفترة من الزمن.
وأوضح سموه، أن قوة أخرى خرجت من البرّ الثاني، وهي جماعة بعضهم يقال عنهم إنهم عجمٌ فرس، وبعضهم يقول إنهم عرب، ولكن هناك مصدرين مختلفين للرواية، الأول مصدرٌ عماني يقول إن ابن مالك بن فهم عندما اختلف مع إخوانه، قاموا بطرده، فذهب إلى البرّ الثاني وهي منطقة مُكرانْ، وأسس هناك مُلكاً له. وهناك المصدر الثاني في تورن شاه من ملوك هرمز، وكتب نفس هذه القصة. إذاً هذا كتب، وهؤلاء من عمان كتبوا، وبالتالي تكون هناك مصداقية أنهم خرجوا من هناك. يقول هو: جاء محمد وقال لجماعته إن هذه هي الدفعة الأولى وكانت من أبناء مالك بن فهم، والدفعة الثانية كان زيادةً من أبناء مالك بن فهم، والقصد هو أن هذه الدولة عندما احتلت هذه الجزيرة تسمى ديرول، وبلدهم على وادي مُكران تسمى هرمز، وقد سمّوا هذه الجزيرة على اسم بلادهم، وهم تجارٌ أغنياء وكانت القوافل التي تمر وهي آتية من بلاد السند كلها تحت أيديهم، ونجد أن أول من أسسها يسمى محمد دراهكُّو، كان التأسيس سنة 493 هجرية، ولكنه كان تأسيساً بين أخذٍ وعطاء مع الدولة الفارسية.
وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة، إلى وجود شخص يسمى سيف الدين نصرتْ سنة 674 هجرية أي 1275م، استطاع أن يحوّل التجارة من جميع الموانئ في الخليج ليضعها كلها عنده، ولكن لم يكتفِ بذلك. وكانت عمان لديها تجارةٌ وأصبحت تابعة له، وقام بغزو كل هذه المناطق.
وبين سموه، أن دخول هؤلاء الهرامز إلى عُمان لا توجد فيه كتاباتٌ تاريخية، مشيراً إلى أنه عثر على مخطوطة بتاريخ عُمان القديم، بها تفصيل لمن حكموا عمان منذ الإسلام. وكتب البعض في «الندوة العمانية» وكانوا يذكرون أنه قد حكم فلان، وفلان، ولكن في المخطوطة التي بحوزتي كُتب تاريخ عُمان بالتفصيل عن كل شيء، الحروب كاملة وكافة الحوادث، وهذا اكتشاف جيدٌ والحمد لله ويساهم في التصحيح.
وقرأ سموه جزءاً مما كتب في المخطوطة والتي وصفها بأنها نادرة جداً ومهمة لما تحتويه من معلومات مفصلة، ومنها خلص إلى أن السلطان الهرمزي احتل عُمان لفترةٍ من الزمان، وكان هذا هو أول احتلال لعمان من هؤلاء الهرامزة في سنة 866 هجرية، ولكنه أخذ نزوى وبهلا، ولكن الساحل لم يستطع استرجاعه، وبقي من تلك الفترة موجوداً في يد الهرامزة.
ونقول «إن سيف الدين نصرتْ عندما استولى على هذه الموانئ، ومنع كل الموانئ الصغيرة أن تستقبل التجارة، هاج الناس، وخصوصاً أهل بوشهر وانتقلوا لأن الناس ستأتي إلى هنا، والتجارة أصبحت عند هرمز، فأتوا إلى جلفار. ولكن ما الذي يؤكد أن هؤلاء الناس الذين أتو إلى جلفار هم هؤلاء الناس أنفسهم؟ وهم الذين نبحث عنهم؟ من بني تميم وعشيرة معهم تسمى بني سعد؟».
وتابع سموه رحلة البحث عن طرق هجرة بني تميم وبني سعد، قائلاً: «نأتي إلى رأس الخيمة، ونلاحظ أن بني تميم يتواجدون بكثرة، والتاريخ لم يذكر من قبل أن هؤلاء أتوا إلى هنا، فقط كل ما ذُكر عن شط بنو تميم وبوشهر. أما بني سعد فموجودون الآن في مناطق: الغونة، وفي مدحة، وفي الباطنة، وهم من بني تميم. إذاً أحمد بن ماجد ومن معه كانوا هنا في منطقة جلفار، كما ذكر كاتب المخطوطة سابقاً. ولكني لا أكتفي بهذا المؤرخ فقط، ولكنني أتبعهُ، ولدينا عائلة بني تميم، وعائلة بني سعد، ولكن عائلة آل ماجد نفسه أين هم؟».
وحول قصة رحلات وهجرة آل ماجد قال سموه: عندما نلقي نظرة على ما حدث في هذا المكان، كيف كان؟ نجد أنه حدث تغيير في هرمز عندما توفي ملك هرمز وكان يسمى تورن شاه، في سنة 1471م، وكان هناك الابن الأكبر له والمفترض أن يكون هو الملك، ولكن أخوه الأصغر طرده، وخرج الابن الأكبر الذي كان يسمى سنغور شاه واتجه إلى عُمان، وهناك كان موجوداً حاكمٌ يسمى إسماعيل حاكم عُمان، وفي الوثائق العمانية يقولون إنه كان يسمى محمد بن إسماعيل، وهنا في الوثائق البرتغالية يقولون إنه إسماعيل. والعمانيون يقولون إنه لم يذكر أن إسماعيل صار حاكماً، ولكن المؤرخ البرتغالي قال إنه كان حاكماً. بعدها التجأ سنغور شاه إلى الاحساءْ، ولكن هناك مقولة تقول إن سنغور شاه قد تزوج بامرأةٍ عربيةٍ من عمان، وخرج من عمان متجهاً إلى الاحساءْ، وطلب من الجُبُور أن يساعده على إرجاع الحكم له، وكان ملك الجُبُور يسمى أجود الجبري، فاشترط عليه أنه إذا أرجع له الحكم في مُلك هرمز، أن يعطيه البحرين والقطيف، فوافق سنغور شاه على ذلك، وأتت القوات ونزلت في رأس الخيمة ومن هناك انتشرت وكانت قوات الجبري كلها من البُومهير، ووصلوا إلى هرمز وانتزعوا المُلك وسلموه إلى سنغور شاه، ولكنهم بقوا هناك في عمان وما تزال بقيتهم إلى اليوم وهم عائلة الجبري».
وواصل سموه: وأتى البرتغاليون في سنة 1507م، واحتلوا من المدن، وسيطروا على هرمز وأخذوا الجزية أو الضريبة على التجارة، وطلب القائد البرتغالي من مالك هرمز أن يعطيه دخل البحرين، ولكن الملك قال له إن هذا الدخل لا يوجد لديه، فقال له القائد البرتغالي إذا أرجعناها لك هل تعطينا دخل البحر؟ فأجاب الملك بالموافقة. وخرجت قوات في سنة 1521م متجهة إلى البحرين، حتى تتم الاستعدادات، وكان الملك وقتها هو مُقرنْ بن زامل بن أجود، فاستعد بالخيل والعتاد والرجال، وبدأت المعركة في نفس العام 1521م. وأنا سأكتب تلك القصة البطولية في صورة رواية لشجاعة هذا الرجل، حيث إنه عندما أُصيب جواده في المرة الأولى، رجع وأتى بجوادٍ ثان، وعندما أُصيب للمرة الثانية رجع وأخذ جواداً ثالثاً، ولكن أصيب في المرة الثالثة في فخذه، فانسحب إلى منطقة النخيل، وأسفرت المعركة عن أعدادٍ هائلةٍ من القتلى في صفوف جيش الملك الجبري، وجاء خبرٌ إلى القائد البرتغالي يقول له إن الملك مقرن الجبري تم أخذه في قارب لأنه مات وأنهم يودون دفنه في الاحساءْ، ولكن القائد رفض ذلك وطلب منهم إرجاعه، وعندما أرجعوه قال لهم: اقطعوا رأسه، وجزءاً من جثته، وتم تنظيف رأس الملك وحشوه بالقطن، وقال: الآن أستطيع أن أضعه في وسط ميدان هرمز، ولكن هذه الفعلة من القائد البرتغالي لم ترضِ أهل البحرين، فثاروا وأمسكوا بالقائد البرتغالي الموجود عندهم وربطوه بحبل وعلقوه في نخلة إلى أن مات. وصارت ثورة في صحار وقادها البومهير، وصارت ثورة في هرمز نفسها من تصرف القائد البرتغالي في هرمز ضد البرتغاليين من البومهير في صحار الذين بدأوا يأخذون لأنفسهم استقلالية حيث كرهوا الهرامزة، وكرهوا البرتغاليين.
وفي سنة 1544م قام البرتغاليون وجلبوا حوالي 500 من الهولة من البحرين، لطرد البومهير من صحار. وكانوا في وقتها يبنون القلاع للدفاع عن أنفسهم، واستطاعوا إخراجهم، وبعد أن خرجوا أتوا إلى الساحل، هؤلاء الهولة رجعوا إلى المنطقة وسكنوا بالقرب من البومهير.
ونوه سموه، أن في التاريخ الذي كتبه البرتغاليون «أنه كان هناك تنافس بين الهولة والبومهير، وكانت هناك كراهية وعداء موجودان بينهم والذي لا نعرف سببه، لكن استطاع البومهير أن يطردوا الهولة من المنطقة والتجأ الهولة إلى أقرب جزيرة والتي كانت تسمى كُوارة مقابل رأس الخيمة، وعندما نزلوا هناك تركوا شيخهم ويسمى موسى (وكوارة تعني باللغة العربية: العُمامة، والبحارة الهولنديون سموها قُبعّة البحّارْ أو عمامة البحّار)، ومن يومها أخدت الجزيرة اسم موسى، بعدها انتقلوا من هناك إلى هرمز حيث كانوا حلفاء بنى هرمز ضد البومهير، فلما وصلوا إلى هناك نزلوا في جزيرة لاركْ فطردهم البرتغاليون، وقالوا لهم نحن سنحميكم من البلوش الذين يهجمون عليكم، ولكنهم قالوا لهم لا، لابد أن تكون هذه الجزيرة خالية».
وأوضح سموه «أن الشيخ موسى بقي في الجزيرة التي سُميت على اسمه، لأنه لا يستطيع التحرك إلا بعد الاستقرار، فانتقلوا إلى الساحل الآخر، إلى منطقة النخيلو، وهم يسمونها بندر طاهري فنزلوا هناك، وسألوا لمن هذه المنطقة؟ فقيل لهم إنها لملك لاركْ، فاتصلوا به وطلبوا منه أن يسمح لهم بالسكنِ فيها، فقال لهم بشرط أن تبرهنوا لي في أول ضربةٍ وتعطوني نموذجاً وهو هل باستطاعتكم حرق سُفن البرتغاليين؟ فأجابوه: نعم، وخرجوا في الليل وأحرقوا ثلاثة سفن للبرتغاليين الذين من جانبهم استشاطوا غضباً فرجعوا وهجموا عليهم في بلدة النخيلو، ولكن البرتغاليين عندما نزلوا إلى هذه المنطقة لم يجدوا أحداً على الشاطئ، وراحوا يتساءلون إن كانوا قد أخطأوا المكان، وكان الذين نزلوا منهم جيشٌ كاملٌ ما يقارب من 1500 جندي، وإذا بهؤلاء الهولة يخرجون إليهم بالسيوف وقتلوا منهم 160 شخصاً».
وتساءل سموه: لماذا نروي هذه القصة؟ لنوضح أن هؤلاء الهولة عندما خرجوا من هنا، خرج معهم بنو تميم إلى هذا الساحل، وبقي بنو تميم في منطقة كنكون في الساحل، ومنها إلى منطقة كُونك في الداخل وهي مساحة كبيرة كان يسيطر عليها الهولة. وبعد هذه الفترة، خرج الهولة وانتقلوا إلى الكويت، وهناك الهولة الذين أتوا من كُنْكون بينهم بيتٌ من البيوت هم آل ماجد، ويسمونهم عيال ماجد، وأنا أربط هذا التسلسل في أنه كيف خرج هؤلاء إلى ذلك المكان. والآن نستطيع أن نقول كيف خرجوا من القصيم إلى هذه الأماكن كلها، وأعتبر أن هذا الجهد أنا مقلٌ فيه لأنه يوجد به الكثير من التصريفات التي لا داعي لها.
واختتم سموه مقدماً خلاصة المحاضرة، والبحث والاكتشاف المفيد، قائلاً: «نود فقط أن نعرف مثلما ذكرت في بداية المحاضرة، أين موطن أحمد بن ماجد؟ ونقول إنه من القصيم. وأين مسكنه؟ نقول مسكنهُ جلفار كما قال المؤرخ الذي نقل هذه المخطوطة سنة 895 هجرية. وأين انتشر آل ماجد؟ نقول الآن سلالته وعشيرته البعض منهم موجودٌ عندنا وهم بني سعد، وعيال ماجد الموجودون في الكويت يُعرفون بآل ماجد أو أولاد ماجد وأتوا من كنكون وبندر طاهري والنخيلو، وكلها مكانٌ واحدٌ، وبذلك نكون قد تتبعنا أحمد بن ماجد من بداية خروجه من القصيم إلى أن انتهى في الكويت». وفي ختام المحاضرة، قدم سموه الشكر للحضور على حُسن الإصغاء، وأجاب سموه على عدد من المداخلات القيّمة للدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية وعز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري.
حضر المحاضرة الشيخ محمد بن سعود القاسمي رئيس دائرة المالية المركزية، والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة الإعلامي، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم. كما حضر أيضاً معالي زكي أنور نسيبة وزير دولة، وعبدالله سلطان العويس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة، وراشد أحمد بن الشيخ رئيس الديوان الأميري بالشارقة، واللواء سيف الزري الشامسي قائد عام شرطة الشارقة وعدد من أصحاب المعالي والسعادة والمفكرين والأدباء، والمثقفين.