الشركات اليابانية تنقل نشاطاتها إلى الخارج
تقوم الشركات اليابانية بمختلف أنواعها من العاملة في مجال صناعة السيارات إلى الإلكترونيات حالياً، بنقل معظم نشاطاتها إلى الخارج في الوقت الذي أدت فيه قوة الين مقابل الدولار إلى قيام عمليات إعادة هيكلة كبيرة في الاقتصاد الياباني.
وتساعد عمليات التحويل هذه، شركات الصناعة اليابانية، التي تمثل مصدر قوة الاقتصاد الياباني الذي يعتمد على الصادرات، على حماية نفسها من قوة الين الذي زاد من تكلفة السلع اليابانية وبالتالي نقص من قوة منافستها في الأسواق العالمية. وفي سبيل ذلك، تقوم شركة نيسان مثلاً بتحويل جزء مقدر من إنتاجها للخارج.
لكن تهدد هذه التحركات في ذات الوقت الجهود التي تبذلها الحكومة للحفاظ على النمو الاقتصادي، وكذلك على لفت النظر لفشل الحكومة في القضاء على اعتماد الاقتصاد على الصادرات التي تشكل ثلثي نموه بالرغم من الخطاب السياسي الخاص بضرورة زيادة الطلب المحلي والذي دأبت الحكومة على تكراره لثلاثة عقود.
ووفقاً لوزارة المالية سجلت الصادرات اليابانية في سبتمبر أدنى مستويات نموها لهذه السنة بارتفاع قدره 14,4% إلى 5,8 تريليون ين (72 مليار دولار)، مقارنة بالعام الماضي. و”تويوتا” التي تتوقع أرباحاً كبيرة في السنة المالية الحالية المنتهية في 31 مارس، في طريقها لتحقيق رقم قياسي في إنتاجها الخارجي بنسبة 57%، وذلك زيادة عن 48% التي كانت عليها قبل خمس سنوات.
وأعلنت “تويوتا” أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم من حيث الإنتاج أنها بصدد تصنيع موديل “بريوس” في مصنع بالقرب من العاصمة التايلندية بانكوك، لتكون هذه أول مرة تصنع فيها “تويوتا” موديلها الأول من السيارات الهجين بكميات كبيرة خارج اليابان.
وتخطط منافستها شركة “نيسان” لتصنيع 71% من سياراتها في الخارج هذا العام مقارنة بنسبة 66% في السنة الفائتة. وأصبحت “نيسان” هذا الصيف أول شركة يابانية تقوم بتسويق سيارة صنعت في الخارج بكميات كبيرة داخل اليابان وذلك باستيراد سيارتها موديل مارش المصنعة في تايلاند.
ويقول كارلوس جيسون المدير التنفيذي لشركة “نيسان” :”استطيع أن أؤكد لكم بأنه يمكننا زيادة إنتاجنا من كوريا. وعلى الشركات اليابانية التأقلم مع ارتفاع الين وذلك عبر إرسال جزء كبير من عملياتها لخارج اليابان حيث هذا هو الخيار الوحيد الذي يمكنها من المنافسة”.
أما شركة “موراتا” لصناعة المكونات الإلكترونية، فتسعى لمضاعفة إنتاجها إلى 30% وذلك بحلول العام 2013، بينما شهدت نظيرتها “كانون” التي قامت بشراء “أوس” الهولندية لصناعة الطابعات، تسجيل رقم قياسي في إنتاجها الخارجي إلى 48% في النصف الأول من العام الجاري.
وفي مسح أجرته وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية في أغسطس الماضي، وجدت أن 40% من صناعات البلاد تخطط لتحويل عمليات الإنتاج والبحث والتطوير للخارج في حالة بقاء الين عند قيمة 85 مقابل الدولار والذي تجاوز بالفعل تلك القيمة منذ ذلك الوقت.
واستطاعت شركة “سوني” في الربع الثاني أن تحقق الربح بعد الخسارات التي منيت بها لست سنوات متتالية حيث يعود الفضل في ذلك نسبياً لزيادة إنتاجها في الخارج. ويتركز 20% من إنتاج الشركة للتلفزيونات في السنة المالية المنتهية 31 مارس 2010 خارج اليابان، بينما تخطط لرفع هذه النسبة إلى 50% في السنة المالية المقبلة.
وبانتهاج استراتيجيات مشابهة، زادت 24% من الشركات المدرجة في بورصة طوكيو من توقعات أرباحها للنصف الأول من السنة المالية الحالية، بينما خفضتها 3% فقط. كما أن تحول الوظائف الصناعية للخارج، على المدى القريب على الأقل، من شأنه أن يؤثر على الصادرات اليابانية وعلى الجهود التي تبذلها الحكومة لإنعاش الإنفاق المحلي. وانخفض عدد العمال الصناعيين من 12 مليونا في 2002، إلى 10,3 مليون عامل في يوليو الماضي. كما ظل معدل البطالة في البلاد عند 5% بالرغم من أنه أقل من معدل السنة الماضية 5,6%.
وارتفع إنفاق رأس مال الشركات العاملة في الخارج 8,2% في السنة، إلى 4,7 مليار دولار في الربع الثاني، وهو أول ارتفاع منذ ستة أرباع، في الوقت الذي انخفض فيه إنفاقها المحلي بنسبة 1,7%.
ويقول هيروميشي شيراكاوا كبير الاقتصاديين في “كريدي سويس” طوكيو “تقود زيادة قيمة الين إلى عملية الهجرة الإنتاجية، ومن المنظور الاستثماري لا يوجد هناك حافز لهذه الشركات لكي تستثمر في اليابان”.
وتساعد هجرة الصناعات اليابانية إلى الخارج في تفسير شعور السياسيين اليابانيين بقلة الضغط الواقع عليهم لتقليل معدل ارتفاع الين. ويقول تهرو ساساكي رئيس قسم النقد الأجنبي في “جي بي مورجان شيس” في طوكيو “بالرغم من شكوى الشركات اليابانية بخصوص ارتفاع الين، إلا أن شكواها ليست بذلك الحجم الكبير هذه المرة مقارنة بالخمس عشرة سنة الماضية”.
ويعكس هذا الاختلاف المشاكل التي توجد على الصعيد المحلي، حيث أدى الانكماش القوي لإحجام المستهلك الياباني عن الإنفاق أملاً في انخفاض أكثر للسلع. ويذكر أن البرنامج الحكومي التحفيزي البالغ 62 مليار دولار يهدف لإنشاء مشاريع تساعد في زيادة معدل الإنفاق المحلي. وما لم تقم الحكومة اليابانية بزيادة الإصلاحات الهيكلية مثل خفض ضريبة الشركات أو تخفيف سياسة الهجرة الصارمة، يبدو أن الصادرات ستظل هي عصب النمو الاقتصادي في اليابان.
ويقول شيراكاوا “هناك قلق كثير تجاه الاقتصاد، وأن معدل الإنفاق المحلي لن يرتفع خاصة مع تناقص عدد السكان وزيادة عدد المتقاعدين الذين ينفقون من مدخراتهم مما يزيد مستقبل الصورة العائلية قتامة. وسيستمر الاستثمار والاستهلاك في التراجع”.
ومن العوامل التي تساعد الصادرات اليابانية، أن جزءاً كبيراً من التجارة اليابانية المتنامية المتصلة بالدول الآسيوية وبالصين على وجه الخصوص التي تعتبر الشريك التجاري الأكبر لليابان، مربوطة بالين وليس الدولار. وتشير البيانات الواردة من وزارة المالية اليابانية، إلى أن 48% من الصادرات لآسيا تم تسديدها بالين في 2009، وأن 1,7% منها فقط تم دفعها بالعملات المحلية، وأكثر من 50% بالدولار.
ودفع تنامي العلاقات التجارية وعلاقة الشركات مع بقية الدول الآسيوية، بالسياسيين اليابانيين للحديث بجرأة أكثر عن ضعف اليوان الصيني. وعلى الرغم من أن الدولار هو العملة الأكثر أهمية لليابان، إلا أن قوة تأثيره بدأت في التراجع. والآن وبمنافسة كوريا القوية لليابان في السوق الأميركية، أصبح الدولار من حيث الأهمية العملة الثانية بالنسبة لليابان.
نقلاً عن: وول ستريت جورنال
ترجمة: حسونة الطيب