أشرف جمعة (أبوظبي)

ترسخت قيم التسامح في مجتمع الإمارات منذ القدم عبر عادات وتقاليد لا تزال عنواناً للشخصية الإماراتية المتفاعلة مع الآخر، والعيش معه في سلام، وكانت المجالس الإماراتية ولا تزال في الثقافة الشعبية جزءاً من الهوية الوطنية، وواحة للتسامح والتآلف والالتقاء الإنساني على المحبة وفض المنازعات، واحترام كل أفراد المجتمع، فضلاً عن صور الحياة الأخرى في العلاقة المتبادلة مع الجيران، واستقبال الغرباء، والاحتفاء بالضيف.

تعايش إنساني
تقول مستشارة البحوث بالأرشيف الوطني الدكتورة عائشة بالخير: «حافظ المجتمع الإماراتي منذ القدم على الروح الإنسانية التي شكلت الشخصية الوطنية عبر مسيرتها الطويلة في الحياة، واستطاعت منظومة القيم السائدة في كل العصور أن تضفي على المواطن الإماراتي طابع التسامح الإنساني، ما انعكس بشكل إيجابي على كل الأجيال»، لافتة إلى أن ما نعيشه اليوم من تعايش إنساني حميم ومن ثم تقبل حقيقي للآخر هو نابع من الطبيعة التي كونت وجدان الإنسان الإماراتي في الزمان والمكان، موضحة أنه من أبرز القيم التي سادت في الماضي، هي الاحترام المتبادل بين الكبار والصغار، ومن ثم الحفاظ على الحقوق المجتمعية، مشيرة إلى أنه في الماضي كان هناك احتفاء بالغريب، واستضافته وتقديم أوجه الكرم له، كما أن المجالس شكلت روح الأسرة الإماراتية قديماً وحديثاً، وكانت ولا تزال هي البيئة الرحبة لقيم التسامح، ونشر التقاليد من خلال هذا التجانس الإنساني الذي يجمع الكبار والصغار، ومن ثم يمثل حلقة تواصل بين الأجيال.
وترى بالخير أن قيم التسامح في الموروث الشعبي عززتها روح المحبة والالتقاء حول الأصالة، والارتكاز على التقاليد والعادات للعيش في سلام وأمن.

تقبل الآخر
الباحث في التراث الشعبي الدكتور راشد المزروعي قال: «المهرجانات التراثية التي تقام على مدار العام تظهر بجلاء قيم وتقاليد الآباء والأجداد ومن ثم تعبر عن طريقتهم في الحياة ومدى تقبلهم للآخر»، مبيناً أن هذا الموروث عبر عن طبيعة الشخصية الإماراتية عبر العصور، وأن الزخم الذي يشكل هذه المهرجانات يزيد من إقبال الجمهور المتنوع للتعرف إلى عناصر الموروث الشعبي الأصيل، وهو ما يبرز قيم التسامح التي يرسخها هذا الموروث في نفوس الجميع، لافتاً إلى أن الإماراتي منذ القدم مجبول على التواضع وتقبل الآخر واحترام عاداته وتقاليده، وأن المجتمع الإماراتي في الماضي تعايش في ضوء العادات والتقاليد، لذا ظلت الحياة هادئة، وظهر فيها التكافل الإنساني والتآلف بين الجميع، كما أن الأجيال تناقلوا العادات والتقاليد فكان الحصاد اليوم كبيراً، حيث أصبح التسامح هو عنوان لكل خير ودعوة للتعايش والتقارب في إطار السلام والأخوة الإنسانية.

حقوق وواجبات
ويبين سعيد المناعي، مدير إدارة الأنشطة في نادي تراث الإمارات، أن الدولة عاشت قديماً وحديثاً على ضوء قيم التسامح، وأن هناك حقيقة ساطعة كالشمس تتمثل في أن أبناء الإمارات لديهم احتفاء فطري بالآخر، وأن القصص الشعبية التي تتناثر في كتب الموروث تؤكد هذه الأمر وهو ما يدل على أن قيم التسامح لها جذور في تشكيل هذا الوطن، وأن النهج الذي رسمه الأولون من الأجداد كان له أبلغ الأثر في حياة جميع الموطنين، وأن الناس في هذا الوطن عاشت في ضوء القيم والتقاليد وتعايشت مع الآخر بمحبة طاغية، خاصة أنه لا فرق بين مواطن ومقيم فالكل سواسية في الحقوق والواجبات، مبيناً أن هذه الحالة الإنسانية التي ترسخت في نفوس الجميع إنما تعود إلى أن مجتمع الإمارات يعيش دائماً بروح واحدة في إطار القيم والتقاليد التي تعبر دائماً عن الشكل الحضاري الذي يعبر عن وجه الحياة في الإمارات التي تجمع العديد من الجنسيات على أرضها في إطار التعاون والإخاء، خاصة أن التسامح هو اللغة المشتركة بين الناس ومحور التقاء الثقافات بصورة إنسانية رحبة، حيث تتجلى قيم التسامح في الكثير من المواقف التي تجمع الناس على احترام الآخر.

دور ريادي
ويرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الشارقة، الدكتور عبدالله سليمان المغني، أن الإمارات لها دور ريادي في تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب، هي من أكثر الدول احتضاناً لأبناء الدول الأخرى، سواء العربية أو الأجنبية، وهو ما يضعها في مكانة مرموقة بفضل تنوعها الحضاري وتماسكها المجتمعي المستمد من القيم الوطنية الأصيلة التي جسدت معاني السلام، ورسخت لاحترام الآخر وتقبله بصورة إنسانية مضيئة، وأن هذه القيم لها جذور في التاريخ الإماراتي القديم، حيث عاش الآباء والأجداد في مجتمع تسوده المحبة والتعاون، وأن الحياة على بساطتها كانت منظمة ومحكومة بالتقاليد التي عبرت عن قيم التسامح في أبهى معانيه.