عمرو عبيد (القاهرة)

انطلقت سباقات «فورمولا-1» في منتصف القرن الماضي، حيث شهدت البطولة الأولى في عام 1950، إقامة السباق على الأراضي الإيطالية فقط، وتكون من 7 جولات، فاز بها في النهاية، الإيطالي نينو فارينا، ليكون البطل الوحيد الذي تُوّج بلقب «فورمولا-1»، بعد سباق أقيم في بلاده، وخلال 69 عاماً، شهدت إقامة 71 بطولة عالمية، لم تقتصر المنافسة على السائقين حسب المصطلح المعروف لتلك الرياضة، بل امتد لصراع أكبر بين الشركات المنتجة للمحركات المستخدمة في سيارات السباق، وهو ما دفع البعض لتحويل هذه السباقات إلى صراع من نوع خاص جداً، يضع منافسة اللاعبين في جهة، وفي الجهة المقابلة المعركة التقنية الميكانيكية، وبين هذا وذاك، تبرز معركة ثالثة مثيرة للجدل، تدور حول سبب الفوز بالألقاب، وهل هي قدرة السائق ومهارته، أم إمكانيات المُحرّك والسيارة !
وتشير الإحصائيات التاريخية، إلى أن المحرك الإيطالي الشهير «فيراري»، مازال يتربع على عرش البطولات، حيث حصد سائقو هذا النوع من المحركات 15 لقباً عالمياً، ثم جاء «فورد» في المرتبة الثانية، بإجمالي 13 تتويجاً، فازت بريطانيا بـ 5 منها، في حين فاز سائقون برازيليون مع «فورد» بثلاثة ألقاب أخرى، والطريف أن الشركة الأميركية أهدت بلادها لقباً واحداً فقط، وبعدها جاءت محركات «مرسيدس» في المركز الثالث، بـ 12 لقباً، مقابل 11 لـ «رينو»، ثم 5 ألقاب لمحرك «هوندا»، و4 لـ «كوفنتري كليماكس».
ومع بداية عهد سباقات «فورمولا-1»، كانت المحركات والسيارات الإيطالية الأكثر سيطرة على الساحة آنذاك، لأن 8 من أصل 12 سباقاً، حسمتها المحركات الإيطالية لصالح لاعبين من الأرجنتين وإيطاليا، لكن يمكن التوقف هنا للحظات، لأن هذا العصر القديم ربما يبرهن على أن جودة ومهارة السائق، هي التي حددت الأبطال في نهاية الأمر، لأن الأسطورة الأرجنتيني، خوان مانويل فانجيو، صاحب الـ 5 ألقاب في التاريخ العالمي، احتل بهم المركز الثالث، بعدما تخطاه لويس هاميلتون هذا العام، حقق انتصاراته وقتها بواسطة 4 محركات مختلفة، أبرزها «مازيراتي» التي تعرضت لعدة حالات من الدمج عبر التاريخ، وكذلك قاد الأرجنتيني سيارات بمحركات «مرسيدس» و«ألفا روميو» و«فيراري»، وخلال تلك الحقبة، كانت المحركات تقدم قوة 100 حصان لكل لتر من سعتها.
«فورد» عرفت طريقها إلى الألقاب خلال عشرين عاماً، بين ستينيات وثمانينيات القرن العشرين، وانطلقت الشركة الأميركية بقوة مع الإسكتلندي جاكي ستيوارت، صاحب الثلاثية في أعوام 1969 و1971 و1973، وكذلك ثنائية البرازيلي إيمرسون فيتيبالدي، والملاحظ أن أبطال «فورد» لم يظهروا فوق منصات التتويج مع محرك آخر، باستثناء حالات فردية نادرة، وشهدت تلك الفترة بداية معرفة محركات التربو.
وفي نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وبداية التسعينيات، نجحت المحركات اليابانية في إثبات حضورها، برغم كونه محدوداً في تاريخ السباقات، بعد الفوز بخمس ألقاب متتالية، عبر محرك «هوندا» بين 1987 و1991، لكن ربما يعود الفضل في ذلك إلى السائق البرازيلي، أيرتون سينا، الذي حقق ثلاثيته خلال تلك الفترة، بعد ابتعاد المحرك الياباني عن المشاركة منذ نسخة 1968، بسبب وفاة السائق جو شليسر، واعتمدت هوندا في أوج تألقها على إنتاج محركات بمواصفات مختلفة، اهتمت بتقليص دفعة التربو واستخدام الحد الأدنى من الوقود.
بعد ذلك، كانت محركات «رينو» على موعد مع صناعة أسطورة الألماني، سيباستيان فيتل، الذي حقق رباعيته المتتالية في العقد الحالي بفضل تلك المحركات، التي أسهمت أيضاً في انطلاقة مايكل شوماخر التاريخية، مع «فورد»، بثنائيته في 1994 و1995، وكذلك منحت المحركات الفرنسية الفرصة، للإسباني فيرناندو ألونسو، للحصول على ثنائيته الوحيدة في عامى 2005 و 2006، لكن التطور الكبير الذي عادت به «فيراري»، في بداية القرن الحالي، أعاد شوماخر إلى القمة، بعد غياب 5 سنوات، وأهدته المحركات الإيطالية خماسية تاريخية متتالية، بعدما اعتمدت على 10 أسطوانات، تنتج طاقة هائلة تصل إلى حاجز 1000 حصان.
ولا خلاف على أن تطور «مرسيدس» الهائل في مجال التربو ورفع كفاءة المحركات وزيادة قدراتها، صنع فارقاً كبيراً في العقد الحالي، وهو ما منح البريطاني لويس هاميلتون الفرصة، للسيطرة الواضحة على سباقات السنوات الأخيرة، بل إن العام الحالي شهد تنافساً مباشراً بين سائقي فريق «مرسيدس»، في الوقت الذي تتواري فيه المحركات الأخرى وتُسبب الكثير من المشاكل لسائقيها، وإذا كان المحرك حصد 12 لقباً عبر تاريخ «فورمولا-1»، فإن نصف هذا العدد تحقق بواسطة الأسطوري، هاميلتون، وهو ما يُعيد السؤال الجدلي للظهور مرة أخرى، هل التفوق الكاسح لأبطال سباقات السيارات خلال بعض الفترات الزمنية، يعود لمهاراتهم أم لقوة محركات سياراتهم، أم الإثنين معاً؟