“الزلة” هو الاسم الأول لنص المؤلف المسرحي جمعة علي قبل أن يتغير هذا الاسم ليصبح “الجنرال بلوول” في شكل جديد لمسرح كلباء الشعبي.. ونص “الزلة” سبق للمخرج عبد الرحمن الملا المشاركة به في مهرجان مسرح الشباب بدبي في الدورة الماضية ولكن بشكل مختلف تماما عن رؤيته الجديدة التي طرحها في “الجنرال بلوول” عن نفس النص ولكن بتصرف محسوب.. وفي نص “الزلة” لجمعة علي الكثير من التفاصيل والرؤى المطروحة حول مجتمع الشباب الذي يمتطي شهوات حسية متدنية تخلق منه إنسانا حيوانا رخيصا إلى ابعد درجة ممكنة.. وقد تداخلت جميع الخطوط وتباينت وتناثرت في نص “الزلة” الذي قدم لمسرح الشباب في دبي فكاد النص أن يكون مترهلا بأنات تلك الفئة، معتبرا هذا الشاب حالة ليست متفردة لفئة ليست بالقليلة تسافر بحثا عن زاد الشهوة المتفجر في عروق غضة لينة كان من الأجدر بها أن تروي هذا الحنين المتدفق هنا داخل مجتمعها بما يتفق مع الشرع والعرف السائد لدينا، بدلا من أن تجلب لنفسها ويلات ذلك المرض القاتل ـ الايدز ـ ليس له فقط ولكن لزوجته وأبنائه البؤساء.. ويمتلأ نص “الزلة” عن آخره بتفاصيل عديدة رأى المخرج المبدع عبد الرحمن الملا الاستغناء عنها وتلافيها ليس لكونها حشوا أصاب النص بالترهل الممل، ولكن لان رؤيته الجديدة تحتاج إلى إجراء عملية قيصرية للنص لأخذ ما يناسب التطلعات والرؤى الجديدة له.. وهي محاولة تكاد أن تكون في حد ذاتها مغامرة محسوبة على المخرج الملا.. وربما يقول البعض بان الملا أمسك بمشرط الجراح محاولا استئصال ما يريد من نص جمعة علي “الزلة” الذي يعد نصا وعرضا نخبويا في المقام الاول لخلق نص آخر بهوية جديدة أكثر جماهيرية وفهما لدى العامة لنفس المؤلف كما فعل في “الجنرال بلوول” فكان هذا الفعل أشبه ما يكون بعمليات أطفال الأنابيب.. وقد شهد المسرح العالمي سواء المسرح التقليدي أو مسرح المونودراما آلاف العمليات الجراحية المشابهة لنصوص مسرحية عالمية أكثر انتشارا وعمقا كما حدث عندما قدمت رائعة سوفوكليس “انتيجونا” في المسرح الألماني الحديث حيث تم إحداث تغيرات جوهرية على نص سوفوكليس الأصلي.. كما قام المخرج المسرحي العراقي سامي عبد الحميد بتقديم “هاملت” شكسبير في أجواء أخرى مختلفة تماما عن أجواء النص الأصلية فقدم “هاملت عربيا”، بأجواء عربية خالصة.. وسار على نفس الدرب المخرج اللبناني ريمون جبارة عندما عرب نص “الاحتفال بمقتل زنجي” لأريال لتتماشى مع أحداث الحرب الأهلية في لبنان.. ولا ننسى اقتباسات المسرحيين العرب أمثال ممدوح عدوان وسعد الدين وهبه وحتى توفيق الحكيم نفسه من الغرب خاصة أعمال صموئيل بكيت وبرنارد شو ذلك الساخر الذي أضحك وحرك عقول الكثير.. ويقول المخرج عبد الرحمن الملا عن تلك التجربة: “في الواقع إن مسرحية “الزلة” مرت بمراحل عدة فقد قدم النص كعرض في مهرجان مسرح الشباب بدبي الدورة الماضية 2009، وتم اختصار مدة العرض من 45 دقيقة إلى 25 دقيقة، وقد كان ذلك أمرا بالغ الصعوبة في تجربة تشعر أن كل حركة فيها محسوبة، والاختصار سيؤدي حتما إلى إحداث خلل بين في العرض”. ويتابع الملا: “في تجربتي الجديدة رأيت أخذ فكرة النص الأساسية بتصرف شديد وبالتنسيق المستمر مع جمعة علي مؤلف النص لنقدم تجربة مسرحية جماهيرية جديدة بعنوان “الجنرال بلوول”. ولقد وافقت الفكرة الأساسية للعرض أفكارا كانت تدور في مخيلتي وتشغلني وتكاد تكون هي ذاتها نفس الأفكار الموجودة في نص “الجنرال بلوول” الجديد، حيث تسافر فئة من شباب الوطن سنويا وربما أكثر من مرة في العام إلى الخارج، منقادة خلف الغريزة والشهوة إلى المراقص في أوروبا وأمريكا والدول الأخرى الأكثر تحررا، وهناك يقوم هؤلاء الشباب بإلقاء أنفسهم في أحضان الغانيات والراقصات والساقطات من فتيات الليل حيث ينفقون أمولا طائلة في تلك المراقص، ثم يقعون في فخ الرزيلة لمرات عديدة ويعودون إلى وطنهم مصابين بمرض فقدان المناعة “الايدز”. وفي العرض حاولت ان أقدم رسالة بمنتهى الصدق والوطنية يدفعني في هذا المنحى حبي الكبير لوطني ولشباب هذا الوطن الذي هو زاد التنمية والتطور”. وعن بنية عرض “الجنرال بلوول” يقول المخر الملا: “يتم تناول العرض في مشهدين رئيسيين، الأول مشهد سفر الشباب والمرقص وفتيات الليل ومحاولات الإغواء في شكل كوميدي استهوى الكثير من الجماهير. ثم المشهد الثاني الذي كان داخل عيادة الحجر الصحي، وهذا المشهد يعد الأهم والذي يحتوى على رسائل قوية أريد أن أوجهها، وإن كان البعض يصفه بأنه تراجيدي أكثر من اللازم وأن هذا النوع من المسرح يعد مسرحا أسودا في رؤيته للقضايا وربما أيضا اعتبر البعض هذا المشهد من المشاهد التي تخص النخبة المسرحية أكثر من كونها جماهيرية”. وقد لاقى العرض إقبالا كبيرا من الشباب والفئات الأخرى التي جاءت لتشاهد العرض في مدينتي كلباء ودبا الحصن وكان المسرح ممتلئا عن آخره في العرضين بما يؤكد مدى تواصل الجمهور مع العرض وفكرته الأصلية وطريقة تناولها كوميديا. وأوضح المخرج الملا أنه تم إلغاء مشهد كامل من العرض، وهو المشهد الخاص بعيادة الحجر الصحي بعد عودة (بلوول) من الخارج وحجزه لإصابته بمرض فقدان المناعة المكتسبة “الايدز”، حيث كانت تشارك فيه ريم الفيصل بتجسيد ثلاث شخصيات هي الزوجة والراقصة والممرضة، وجميعا شخصيات كان البطل يستدعيها إما تخيلا أو في كوابيسه المزعجة. وقد تم حذف هذا المشهد بسبب حالة الحزن الشديد التي سيطرت على العرض، بحسب الملا، وكانت مدة هذا المشهد 25 دقيقة وأضيفت 15 دقيقة أخرى لتصبح مدة العرض ساعتين وخمس عشرة دقيقة وليتحول العمل من عمل نخبوي إلى عمل جماهيري من الطراز الأول. وقد لعب آدم علي (مصمم الإضاءة) دورا محوريا في خلق أجواء تتماشى مع الجو النفسي للعرض سواء داخل المرقص أو في مشهد الحجر الصحي المحذوف، لاسيما عند التركيز على ملامح وجه البطل في معاناته التي بدأت تتولد شيئا فشيئا مع بداية علمه بإصابته بمرض الايدز، خاصة في آخر مشهد في العرض الذي يقول فيه: “... اكتبوا عن تاريخ حياتي وخلدوه.. اكتبوا عن الشاب اللي دمر نفسه لحظة شهوة زايفة.. وخلوني عبره..”. ويقول جمعة علي مؤلف النص: “العرض يستعرض قصة شاب يدعى بلال سافر إلى الخارج وترك نفسه في أحضان الغانيات والمومسات في حانات تلك الدول ومراقصها التي تعج بهن، حيث اصطحبه إلى هناك شلة السوء التي اعتادت على ممارسة الرذيلة دون رادع أو وازع من ضمير.. والعرض يتناول تلك القضية الاجتماعية والأخلاقية بطرح شجاع وفي قالب كوميدي يبعده عن القوالب المسرحية الجامدة التي تقع في فخ العروض الخطابية التقليدية الساذجة”. ويضيف المؤلف: “حاولت أيضا أن أبرز في النص نوعين من الشباب، الأول المتكالب على الشهوات الذي لا يقدر عواقب أفعاله الصبيانية متمثلا في “بلوول”، والنموذج الآخر الذي يضع في اعتباره سلامته وسمعة بلاده في المقام الأول عندما يسافر إلى الخارج متمثلا في شخصية “خالد” التي قدمها ياسر الغداني.. وقد نجح العرض المسرحي “الجنرال بلوول” في توظيف الفكرة بشكل جيد وموضوعي مستخدما السينوغرافيا استخداما مثاليا بما يؤكد حرفية فريق العمل في مسرح كلباء الشعبي الذي أعتاد على العديد من العروض الجادة في كل موسم مسرحي.