ما هي الأخلاقيات التي ينبغي أن تبرمَج عليها السيارات ذاتية القيادة؟ هل تكون أولويتها حماية سائقها أم المارّة؟ هذه الأسئلة عكف باحثون على استطلاع الآراء حولها من كلّ العالم.
فمنذ العام 2016، أُنشئ موقع إلكتروني اسمه "مورال ماشين" للوقوف على آراء زواره حول الطريقة التي ينبغي أن تبرمَج عليها السيارات ذاتية القيادة في حال وقوع خطر.
وقد نُشرت نتائج هذا الاستطلاع واسع النطاق في العدد الأخير من مجلة "نيتشر".
وقال معدو هذه الدراسة "لم يسبق في تاريخ البشرية أن أوكلت إلى آلة مهمة اتخاذ القرار في ما ينبغي أن يجري ومن الذي سيموت ليبقى الآخر على قيد الحياة".
وتتخذ السيارات ذاتية القيادة هذا القرار في جزء من الثانية، مقرّرة أن تحمي سائقها أو أن تحمي المارة أو أن تختار من تصدم وعمّن تبتعد.
ويرى هؤلاء الباحثون أن الوقت حان لكي يجري "نقاش عالمي" يتيح للناس أن يقولوا رأيهم في طريقة تصرّف أجهزة الذكاء الاصطناعي لصنّاع السيارات ذاتية القيادة.
وقد شارك في هذه الاستطلاع المتوفّر بعشر لغات أكثر من ميلوني شخص من 233 بلداً ومنطقة بين يونيو 2016 وديسمبر 2017.
ووضعت أمام المشاركين سيارة ذاتية القيادة أفلتت مكابحها، وعليها أن تختار مثلاً بين أن تصطدم بحاجز فتقتل سائقها ربما، أو تصدم جمعاً من المارة فينجو صاحبها، أو أن تدهس عدداً من الحيوانات.
الأطفال والحوامل:
ويقول جان فرانسوا بونفون الباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث "ظهرت لدينا ثلاثة مبادئ أساسية عليها نوع من الإجماع: حماية الإنسان قبل الحيوان، وحماية أكبر عدد ممكن من الناس، وإعطاء الأولوية لحماية الأطفال".
وأضاف هذا الباحث المتخصص في الطب النفسي "كنا نتوقّع أن يكون عمر الأشخاص المعرّضين للخطر عاملاً مهماًّ في تفضيل احتمال على آخر، وقد جاءت النتائج على هذا النحو فعلاً، وأكثر مما كنا نتوقّع".
فالمشاركون في الاستطلاع أعطوا الأولوية في الحماية للأطفال وللنساء الحوامل.
بعد ذلك، يمكن أن تكون الخيارات محل انتقاد، فالأولوية في الحماية أعطيت مثلاً للأطباء والرياضيين، وكان في أدنى السلّم المجرمون والمسنّون والمشرّدون، وقد وضعهم المستَطلعون وراء الكلاب والقطط في سلّم الأهمية.
ورأى الباحث أن هذه الخيارات هي محل انتقاد أخلاقي، ولاسيما لكون مظهر الإنسان الخارجي شكّل عنصراً حاسماً في قرار حمايته أو تفضيل صدمه على صدم غيره، وكذلك لكونه فقيراً.
وقد فضّل غالبية المستطلعين حماية المشاة الذين يحترمون الإشارات الضوئية، وخصوصاً المشاركون في الاستطلاع من الدول المتقدمة.
ويقول إدموند عوض المشارك في الدراسة "في حال كانت السيارة الذاتية القيادة مبرمجة على اختيار صدم المشاة غير المنضبطين عن غيرهم، لن يكون ذلك مقبولاً في الدول التي لا يُحترم فيها قانون المرور كثيراً".
في العام 2017 أصدرت لجنة متخصصة في ألمانيا تقريراً حول الأخلاقيات التي ينبغي أن تبرمج عليها السيارات ذاتية القيادة شدّد على أن حماية حياة البشر مقدَّمة على حماية الحيوانات، لكنه رفض أي تمييز بين البشر بسبب مظهرهم أو عمرهم أو وضعهم الاجتماعي أو ما شابه ذلك.
ويوضح معدو الاستطلاع الأخير أن الهدف منه ليس إلزام شركات صناعة السيارات ذاتية القيادة به، بل بإعطاؤهم فكرة عما يجول في ذهن الناس.