فاطمة المغني تعود بذاكرتها في رمضان إلى بيت جدها وصوت المسحراتي
في كل حديث مع ابنة خورفكان فاطمة المغني الباحثة الاجتماعية وخبيرة التراث الشعبي يكتشف المحاور جانبا ثريا من شخصيتها المقدامة والطموحة، فهذه المرأة التي تمتلك مسيرة حافلة بالعمل التطوعي والخدماتي والعضو السابق للمجلس الاستشاري في الشارقة لطالما كانت ولاتزال مثالا يحتذى به لبنات جيلها. ومع الدخول في شهر رمضان الذي شكل قبل أكثر من 30 عاما الشرارة الأولى في سعيها إلى المبادرات الخيرية، تستعرض حاصدة عشرات التكريمات والجوائز أجمل ذكرياتها عن أيام الصوم في بيت جدها وصوت المسحراتي.
نسرين درزي (خورفكان) - لم يكن شهر رمضان بالنسبة لفاطمة المغني مناسبة تقتصر على الصوم وأداء الفروض الدينية، إذ إنها منذ طفولتها المبكرة اعتادت أن تتخذ لنفسها دورا فاعلا خلال الشهر الفضيل بما يتناسب مع مراحل عمرها، وأولى خطواتها في هذا المجال، عندما كانت في السابعة من عمرها تركض إلى المسجد قبل الغروب بساعة، وتجلس بالقرب منه بانتظار الأذان لتهرع بعد ذلك إلى الفريج تبشر الجيران بحلول موعد الإفطار.
وتقول المغني “كانت أيام فيها الكثير من البساطة والبركة، وكان أبناء الحي الواحد يهتمون ببعضهم ويتقاسمون الأفراح والأتراح”.
وتذكر هنا أنها مع بلوغها العاشرة من العمر بدأت تهتم بنفسها في توزيع الطعام على البيوت القريبة، الأمر الذي كان يزرع بداخلها طعم الفرح وهي ترى علامات الرضا مرسومة على أوجه الناس سواء من المحتاجين أو سواهم.
كما تذكر أنها خلال دراستها الجامعية تطوعت خلال شهر رمضان بمبادرة شخصية للعمل في مركز دبا الحصن لتحفيظ القرآن. وهذه من أكثر الفترات التي أثرت بحياتها لأنها بدأت تنضج تماما وتعي الحاجة إلى توعية المجتمع، وكانت تضع نصب عينيها ضرورة تطوير قدرات الفتيات وحث مختلف الفئات العمرية على العمل من أجل تحسين مستوى المعيشة والارتقاء بالوطن.
نصح وإرشاد
ومع هذه البدايات المضيئة رسمت فاطمة المغني طريقها المهني قائلة “أعترف بأنني ما كنت لأنجح بأي خطوة قمت بها لولا الدعم المتواصل والتفهم الخالص من زوجي، فهو لطالما شجعني على تكملة دراستي وتبوؤ أعلى المراتب في الأعمال التي خضتها. وأنا ممتنة له كرفيق ساندني في مختلف محطاتي وكان لي نعم الشريك في مواجهة الحياة وتربية الأبناء وتحقيق التقدم المنشود في سبيل خدمة بلادي”. وفاطمة المغني وهي أم لـ 8 أبناء لاتزال حتى اليوم على الرغم من انتهاء فترة عضويتها في المجلس الاستشاري بالشارقة من 2004 حتى 2007، تلتقي الفئات الاجتماعية التي تسر لها عن احتياجاتها.
وبدورها تسعى جاهدة إلى إيصال طلباتها إلى الدوائر المختصة من باب تقديم الدعم والعون اللازمين، وهي في أيام الصوم تواصل عملها التطوعي الذي لا يقتصر برأيها على توزيع المساعدات لأصحابها، وإنما كذلك على النصح والإرشاد في المجالس العامة والخاصة.
وتشير فاطمة المغني إلى أن المجتمعات التي تنعم بنساء واعيات ومثقفات تصل قبل سواها إلى القمة، وهذا ما اشتهرت بالتأكيد عليه خلال توليها رئاسة مجلس سيدات الأعمال في الشارقة ما بين 2007 و2009. حيث تشدد على الدور الذي تلعبه الأم في غرس مبادئ الخير في أبنائها.
وتقول “الطفل إن لم ينشأ منذ طفولته المبكرة على حب الوطن والتضحية، لن يفهم معنى العطاء، ولن يقدر النعم ووجوب الحفاظ عليها”.
مقاعد الدراسة
وتعود فاطمة المغني بالحديث عن أيام خلت من زمن الصوم، وتظهر اشتياقها إلى تلك المرحلة التي ترى فيها والدتها منهمكة في تحضير الطعام والعمل التطوعي، ووالدها أول مواطن من مدينة كلباء يعمل في مدرسة سيف اليعربي للبنين أميناً للمختبر ورئيساً لمجلس الآباء. فيما بيت جدها عبيد زايد المغني في مدينة كلباء حيث نشأت، هو أجمل الأماكن التي كانت ترغب دائما بزيارتها مع أخوانها وأخواتها حيث يحلو اللهو، ولجدها أثر كبير في حياتها إذ تعلمت منه أسمى المبادئ والقيم.
وتذكر أنه بالرغم من تغير معالم خورفكان وتوسعها، غير أن الأحياء القديمة مازالت في بالها تماما كما تركتها طفلة صغيرة. وتعتبر المغني أنها تربط دائما بين شهر رمضان وذكريات الطفولة، والسبب برأيها يعود إلى تركيزها خلال ساعات الصوم على كل ما يدور من حولها. وهي ترى حتى اليوم صورا تدور في ذهنها كالخيال عن الطرقات الوعرة التي كانت تقطعها متبخترة بملابسها الفضفاضة.
وتقول “شهر رمضان في الساحل الشرقي يضفي على المنطقة حيوية وبهجة تتناقلها الأجيال، ويذكرنا دائما بمزارعي النخيل في السهول الخصبة وبقوافل التجارة وبالمارة من هنا وهناك يبحثون عن الماء، ويسألون عن أقرب نبع أو بئر أو فلج تتوافر فيه المياه. وتورد فاطمة المغني أنها تجهل السر الذي يربط دائما بين شهر رمضان أيام زمان والمدرسة. وقد تعلمت فاطمة المغني في مدرسة “جميلة بوحيرد” للبنات في مدينة كلباء، والتي كان تقع في منطقة المحطة بجانب منزلها، حيث كان الأطفال في مثل سنها يستيقظون باكرا ويقضون ساعات من العطش على مقاعد الدراسة وسط أجواء الحر مع عدم توافر المكيفات وقتها، وتذكر مدرساتها فايزة أبو حجلة وسهير أحمد بنات واعتماد عبد العال ومديرة المدرسة أبلة عصام.
وتشرح شعورها بالتعب والارهاق، ومع ذلك إصرارها على القيام بكامل واجباتها المدرسية والبيتية والدينية. وتلك المتعلقة منها بزيارة الجيران والاطمئنان على أحوالهم وتزويدهم بما تيسر من أطباق الطعام والرطب.
وبعد تخرجها بتقدير جيد جدا من الثانوية دخلت فاطمة المغني جامعة الإمارات ونالت شهادة البكالوريوس في التربية وعلم النفس، بعدها تمكنت عام 1986 من الالتحاق ببرنامج الماجستير عن رسالة:الطلاق وأثره على الأمن النفسي للأبناء في إمارة الشارقة.
المسحراتية
وتقول فاطمة المغني إن أسعد أوقاتها في شهر رمضان هي التي كانت تقضيها مع أهلها، حيث يلتم الجميع حول مائدة واحدة. وتقول “أيام زمان كانت كلها بركة. وكانت العائلات تجتمع بالكامل على أصناف قليلة تحضرها الأمهات بكميات تكفي الكبار والصغار ولا ترمى منها حبة أرز واحدة، أما اليوم وللأسف فقد تحولت موائد رمضان إلى استعراض للأطباق والتبذير الذي يقدم بلا حسبان للأسرة التي قد لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد الواحدة”. وتنتقض المغني كل من يعمل على تغيير مفاهيم رمضان بالسهر طوال الليل والنوم ساعات طويلة من النهار. وتشدد في حديثها على أن العمل عبادة ولابد من السعي خلال الصوم وعدم تفريط ليالي رمضان باللهو ومشاهدة برامج التلفزيون والمسلسلات على حساب الصلاة والقيام. وتلفت فاطمة المغني إلى المعاني الجميلة للسحور الذي على الرغم من تطورات العصر غير أنه يجب ألا يفقد قيمه الحقيقية.
ومن ذكرياتها عن مواقيت السحور، تلك المسحراتية المواطنة التي كانت تبادر إلى الاستيقاظ ما بعد منتصف الليل لتجول على بيوت الفريج. كانت تنادي بأعلى صوتها وتقرع الطبل لإيقاظ الجيران، ولم تكن تنتظر أي أجر من أحد سوى ما يتكرم الميسورون به عليها من هدايا صبيحة عيد الفطر. وتصف المغني هذه المسحراتية بسابقة عصرها، حيث لم يسبقها أحد من بنات جيلها على مثل هذا العمل، ولم تنتهج دربها الشجاع أي امرأة من بعدها. وهي تعترف أنها تعلمت منها التفاني في عمل الخير من دون أن تبتغي الأجر إلا من الله عز وجل.
وتقيم فاطمة المغني في منزلها بخورفكان متحفا خاصا يضم مقتنيات قيمة ورثتها عن والدها، وأدوات تراثية نادرة جمعتها على مر السنين، حتى تحولت مع الوقت إلى قطع أثرية تنتمي إلى البيئة الإماراتية القديمة، وهدفها من ذلك أن تحفظ ذاكرة البلاد على طريقتها، حيث تستقبل على مدار السنة وفودا طلابية وأخرى سياحية تهتم بالاطلاع على الموروث المحلي لشعب الامارات.
جوائز
حصدت فاطمة المغني التي تعتبر العمل التطوعي زادها اليومي جوائز عدة، أبرزها جائزة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للأسرة الممتدة تحت شعار “تميز الأم بين الوظيفة والأبناء” عام 2000، والمركز الأول في جائزة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للأسرة المثالية تحت شعار “إخوة متماسكون” عام 2004، وجائزة وسام الأداء المتميز الذهبي من حرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة، ضمن 12 رائدة على مستوى الدولة، وجائزة الشارقة للعمل التطوعي في دورتها الأولى فئة الأفراد عام 2003، وجائزة “مواطنون على دروب التميز” من جمعية أم المؤمنين النسائية بعجمان، بمناسبة يوم العلم عام 2008. وجائزة الناموس بوزارة الشؤون الاجتماعية فئة التميز الوظيفي المركز الأول على الدولة عام 2009.
100 تكريم
فاطمة المغني هي اليوم مديرة مركز التنمية الاجتماعية بخورفكان، وقد نشأت في أسرة تضع التعليم في أولوياتها. اجتهدت في مجال البحوث الاجتماعية والنفسية والتربوية. وكانت عضو المجلس الاستشاري في الشارقة من 2004 حتى2007، وعملت أميناً عاماً مساعداً للجمعية العربية للتنمية الإدارية والاجتماعية والنفسية في مصر. وشاركت في الكثير من الإنجازات والأبحاث مع الجمعيات والمؤسسات داخل الإمارات وخارجها. وهي متطوعة في أكثر من 50 جمعية اجتماعية وخيرية ونفسية، وحائزة أكثر من 100 تكريم من مختلف مؤسسات الدولة، وتسعى إلى الارتقاء بمستوى المرأة الإماراتية وإعداد جيل مبدع من خلال البرامج المتكاملة.