أحمد مراد (القاهرة)

على مدى السنوات الأربع الماضية، وبالتحديد منذ سيطرة الميليشيات الحوثية على العاصمة اليمنية صنعاء، وغيرها من المحافظات الأخرى عبر انقلاب عسكري غاشم في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، عانى الاقتصاد اليمني تدهوراً حاداً نتيجة الخطايا الاقتصادية والمالية التي ارتكبتها ميليشيات الحوثي طوال هذه السنوات. وفي سطور التقرير التالي، ترصد «الاتحاد» أبرز الخطايا الاقتصادية التي ارتكبها الحوثيون والنتائج التي ترتبت عليها:

هبوط حاد
بداية فيما يتعلق بسعر صرف الريال اليمني أمام الدولار الأميركي، فقد شهد هبوطاً حاداً، حيث تخطى سعر الدولار الأميركي الواحد حاجز الـ500 ريال يمني، بعدما كان يساوي 214 ريالاً قبل الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014.
كما تم إهدار مليارات عدة من الدولارات من البنك المركزي قبل أن تقوم الحكومة الشرعية بنقله إلى مدينة عدن في سبتمبر 2016، حيث تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في عهد الحوثيين من 5 مليارات دولار أميركي إلى نحو 1.5 مليار، من بينها مليار دولار وديعة سعودية.. وأدت الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الميليشيات الحوثية إلى إغلاق المئات والآلاف من الشركات والمصانع، الأمر الذي أسفر عن فقدان 80 % من العاملين وظائفهم، فضلاً عن هروب رؤوس الأموال ورجال الأعمال اليمنيين والأجانب إلى الخارج بنسبة 70 % ، ومغادرة نحو 35 شركة نفطية للسوق اليمني.

تسريح العمال
وفي هذا الإطار كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة عن تسريح 70 % من العمالة لدى شركات القطاع الخاص، وبحسب إحصائيات البنك الدولي، فقد بلغت نسبة البطالة في عام 2017 نحو 60 في المئة.
وكان أحمد عبيد بن دغر، رئيس الوزراء اليمنى، قد كشف عن قيام الميليشيات الحوثية بصرف ما يقارب 25 مليار ريال شهرياً للمجهود الحربي، ما سبب عجزاً في الموازنة العامة بلغ 15.4 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي عام 2015، وأدى إلى ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلك أكثر من 30 في المئة في العام نفسه، وارتفعت نسبة الفقر إلى أكثر من 80 % من السكان، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 26 مليوناً يحتاجون للمساعدات الإنسانية العاجلة.

ابتزاز تحت سقف القضاء
وفي فبراير 2018، أحالت الميليشيات الانقلابية 419 من كبار التجار المستثمرين في القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى النيابة العامة التابعة للانقلابيين، تمهيداً لإقامة محاكمات جماعية تقضي بإجبارهم على دفع مبالغ ضخمة لصالح الميليشيات الإرهابية.
كما وجهت ميليشيات الحوثي أوامر إلى المصارف المحلية وشركات الصرافة، تقضي بمنع التعامل المالي مع نحو 700 شركة ومؤسسة ورجل أعمال، بعد أن صنفتهم الجماعة الإرهابية في قائمة سوداء بسبب عدم رضوخهم لدفع الأتاوات المطلوبة منهم لتمويل المجهود الحربي.
كما فرضت الميليشيات الحوثية رسوماً جمركية بنسبة 100 في المئة على السلع القادمة من المنافذ البرية والبحرية التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية الشرعية، ما أدى إلى مضاعفة الأعباء على المستهلك وزيادة الأسعار.

موت القطاع السياحي
وفيما يتعلق بقطاع السياحة، فلم يسجل أي موارد مالية، سواء من السياح الأجانب أو المغتربين العائدين من الخارج على مدى عامي 2016 و2017 بسبب سيطرة الميليشيات الحوثية على كثير من المواقع الأثرية في تهامة وآزال، الأمر الذي دفع بكثير من دول العالم إلى دعوة رعاياها إلى عدم السفر لليمن. ورصدت دراسة نشرها المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية بالقاهرة مطلع 2018، وأعدها الباحث محمد أحمد الحميري، بعض الإجراءات الاقتصادية والمالية الخطيرة التي اتخذتها الميليشيات الحوثية بعد انقلابهم على السلطة، أبرزها استنزاف الاحتياطي النقدي، والتوقف عن تسليم المرتبات، وجباية أموال تحت مسميات المجهود الشعبي، واستحداث نقاط تفتيش، وغيرها من الإجراءات التي رأت فيها الميليشيات الحوثية وسائل وآليات تمول عبرها اقتصادها العسكري.

نقطة مفصلية
وأوضحت الدراسة أن يوم 21 من سبتمبر 2014، شكل نقطة تحول مفصلية في الواقع السياسي والاقتصادي في اليمن، حيث أوجد الانقلاب الحوثي وضعاً جديداً يتسم بالتردي غير المسبوق في الحالة الاقتصادية، وقد بدأت جماعة الحوثي باستنزاف الاحتياطي من النقد الأجنبي والتوقف عن دفع المرتبات الأساسية للموظفين مع فتح أسواق سوداء للمشتقات النفطية وبيعها بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى فرض ضرائب وجمارك جديدة على القطاع الخاص. وأشارت الدراسة إلى أن الاقتصاد اليمني يعتمد بشكل رئيس على إيرادات النفط والغاز، والذي يشكل ما بين 70 إلى 80 % من ميزانية وإيرادات الدولة، ومع انقلاب الحوثيين على السلطة توقف إنتاج النفط والغاز الذي كان يشكل عصب الاقتصاد، كما توقفت معه المعونات التي كان يقدمها الخارج الإقليمي والدولي كمنح وقروض، وأوضحت الدراسة أن الاحتياطي النقدي لليمن قبل اجتياح الحوثيين صنعاء كان يقدر بحدود 5.1 مليارات دولار، وفي غضون أقل من عام، انخفض الاحتياطي النقدي إلى أقل من مليار دولار، مع توقف حركة التصدير، الأمر الذي أدى بالحكومة الشرعية، ممثلة في الرئيس هادي في الـ 18 من سبتمبر 2016 إلى إصدار قرار بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي، ونقل المقر الرئيس للبنك من صنعاء إلى عدن، وقد كان لاستنزاف الاحتياطي النقدي تأثيراته المتعددة على الوضع العام، لاسيما على موظفي الدولة، حيث امتنع الحوثيون بداية من أغسطس 2016 عن دفع رواتب الموظفين والذين يفوق عددهم أكثر من مليون ومائتي ألف موظف.

جبايات بمسميات متعددة
وأشارت الدراسة إلى أن الميليشيات الحوثية لجأت إلى فرض جبايات مختلفة تحت مسميات عديدة، إحدى أهم هذه الإجراءات هي فرض جبايات جديدة تحت مسمى المجهود الحربي، ووفقاً لهذا المسمى تطلب ميليشيات الحوثي من الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال تبرعات مباشرة لتمويل الجبهات العسكرية، وبعد تشكيل ما يسمى بـ«حكومة الإنقاذ الوطني»، جرى نقاش حول إمكانية إجراء تعديلات جديدة في القوانين الضريبية والعمل على زيادة تنمية الموارد المالية لتمويل الحرب، حيث كشف وزير المالية في حكومة الانقلابيين عن توجه لرفع ضريبة المبيعات على اتصالات الهاتف النقال والدولي إلى 22 % بدلاً من 10 %، وخدمات الهاتف الثابت و«الإنترنت» من 5 % إلى 10 %، وضريبة المبيعات على السجائر المحلية والمستوردة والتبغ إلى 120 % بدلاً من 90 %، وذلك ابتداءً من أكتوبر 2017، كما كشفت تقارير عن زيادة ضريبة المبيعات على السيارات من 5 % إلى 15 % ، ما رفع عائدات الضريبة على مبيعات المركبات إلى 6 مليارات ريال سنوياً.

ابتزاز التجار
كما تقوم ميليشيات الحوثي بتمويل حروبها من خلال عرقلة بعض أعمال التجار الكبار، ليجري ابتزازهم بمبالغ كبيرة يعود ريعها للجماعة أو مشرفين كبار في الجماعة، ويشكو المواطنين والمسافرين بتعدد الحواجز ونقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق والتي تمارس ابتزازاً لهم، حيث تسترزق هذه النقاط وتكتسب أجورها عن طريق ما يتم تحصيله من المواطنين، بغض النظر عن ارتباطهم بسلطة مالية، فما يتم الحصول عليه يتم صرفه بشكل ذاتي لأفراد هذه النقاط، لاسيما مع توقف مرتباتهم ومصاريفهم طوال كل هذه الفترة، وإذا كانت النقاط الأمنية التابعة للانقلابيين قد بدأت ممارسة الابتزاز لتدبير مصاريف أفرادها، فإنها تحولت لاحقاً إلى مورد ثابت ومصدر دخل تقدر عائداته اليومية بملايين الريالات، فباتت أموال النقاط تعوض توقف موارد أخرى، ويمكنها تمويل أنشطة الحرب المختلفة.

تعويم أسعار النفط
وأدى قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية الذي اتخذته الميليشيات الحوثية بعد انقلابهم على السلطة إلى فتح المجال أمام كيان السوق السوداء، حيث قضى قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية برفع الدعم عنها وبيعها بالسوق المحلية بسعر البورصة العالمية، ووفقاً لمتوسط سعر الشراء خلال الشهر السابق، وبحسب ما جاء في موقع وكالة الأنباء الحوثية، سمح القرار الصادر عن ما يسمى بـ«اللجنة الثورية» التابعة للانقلابيين للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية، وذلك بعد أن كان استيرادها وتوفيرها للسوق المحلية مقتصراً على شركة النفط اليمنية الحكومية، وفقاً للائحة التنظيمية لوزارة النفط والمعادن الصادرة بقرار جمهوري رقم (40) لسنة 2000، الأمر الذي مكن شركات القطاع الخاص لاسيما الشركات الجديدة التي أنشأتها الجماعة الحوثية حديثًا من استيراد النفط وبيعه إلى شركة النفط الحكومية وتوزيعها للسوق، وبالتالي جني أرباح طائلة يعود ريعها لاقتصاد الجماعة وتمويل الجبهات العسكرية.وكان فريق خبراء الأمم المتحدة قد أكد أن بيع الوقود في السوق السوداء هو أحد أهم المصادر الرئيسة لإيرادات الحوثيين، حيث جنى الحوثيين ما يصل إلى 1.14 مليار دولار من توزيع الوقود والنفط في السوق السوداء.