تولي المرأة المناصب القيادية.. خلاف فقهي يتجدّد كل حين
أحمد مراد (القاهرة) - اختلف علماء الدين حول تولي المرأة المناصب العليا والقيادية في المجتمع الإسلامي، حيث يرى فريق من العلماء أنه يجوز أن تتولى المرأة هذه المناصب، مؤكدين أن للمرأة أن تتقلد سائر الولايات في الدولة الإسلامية، لأن المرأة مثل الرجل في سائر التكاليف الشرعية.
وفي الوقت ذاته يعترض فريق آخر من العلماء على تولي المرأة للمناصب القيادية، وبخاصة قيادة الدول، استناداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوماً ولووا أمرهم امرأة».
التكاليف الشرعية
وحول جواز تولي المرأة الولايات والمناصب العليا بالدول، أشار الدكتور شوقي علام - مفتي مصر، إلى أن المرأة مثل الرجل في سائر التكاليف الشرعية، بل كل خطاب ورد في النص الشرعي من قرآن أو سنة إنما هو على العموم، أي يشمل الذكر والأنثى، ولا يختص واحد منهما إلا بدليل، فإذا دلَّ الدليل أو إذا استثنى الشارع من الخطاب واحداً منهما من الذكر أو الأنثى صرنا إلى ما استثناه الشارع وخصصنا ما خصصه الشارع، وعلى هذا الأساس ورد كثير من الآيات القرآنية الشريفة والأحاديث النبوية المطهرة تخاطب الذكر والأنثى بلفظ «المؤمنين» وبلفظ «الناس»، «والذين آمنوا»، حتى إن كانت بلفظ التذكير فالأنثى تدخل في هذا كما حققه العلماء.
تحقيق العدل
ويقول: كل تكليف للذكر هو تكليف للأنثى، والقضاء والولايات وإن عبر عنها في الوقت المعاصر بأنها حق من حقوق الأفراد، إلا أن هذا الحق يكتنفه التكليف، أي أنه لا بد أن توجد هذه الولايات في المجتمع حتى يرقى المجتمع وحتى يحقق العدل والإنصاف والقيام على حوائج الناس، فلا بد من وجود الولايات فيتمثل المجتمع، لذلك عبر كثير من العلماء بأنها ولايات دينية توليها يمكن أن يدور في إطار الحق والإباحة، لكن هذا الحق والإباحة، إنما يأتيان من الشارع، بمعنى وجود الحق الذي للفرد، يبحث عن وجود هذا الحق ويثبت للفرد بناء على إثبات الشارع من قرآن أو سنة.
تولي القضاء
وذهب الإمام أبو حنيفة - والكلام لمفتي مصر - فيما نسب إليه إلى أن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء، فيما يجوز لها أن تشهد فيه، وذهب الإمام ابن جرير الطبري بجواز أن تتولى المرأة القضاء بإطلاق، فيما نسب إليه أيضاً، وهذا الرأي قال به أيضاً ابن حزم وابن القاسم من المالكية.
رعاية الأسرة
أما الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فتؤيد الرأي الذي يجيز تولي المرأة المناصب العامة والقيادية، وبخاصة قيادة دولة، لأن هذا المنصب ليس من الإمامة الكبرى أو ما يسمى الولاية العامة في الإسلام، ويجوز شرعاً أن تتقلد المرأة المناصب القيادية- بشرط ألا يؤثر ذلك على دورها في رعاية أفراد أسرتها.
شروط
ووفقاً لما يؤكده الدكتور أحمد كريمه أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، اشترط الفقهاء للحاكم بعض الشروط منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه، وقد اتفقوا على أن يكون مسلماً وبالغاً وعاقلاً أي مكلفاً، كما اشترطوا الذكورة والكفاية أي المعرفة بأمور السياسة والحرب ومصالح الناس إضافة إلى سلامة الحواس التي تمكنه من القيام بمهامه، وأما المختلف فيه فيتمثل في القدرة على الاجتهاد والنسب وسلامة أعضائه كاليدين والرجلين والسمع والبصر، ومن ثم، فإن تولي المرأة قيادة دولة لا يجوز شرعاً بإجماع أهل العلم، فهذا المنصب تناط به أعمال خطيرة وأعباء جسيمة تتنافى مع طبيعة المرأة، وهي فوق طاقتها، فالحاكم يتولى قيادة الجيوش ويشترك في القتال بنفسه أحياناً وهذا ما لا يصلح للمرأة.
ويقول د. كريمة: المشكلة لا تكمن في نوع الحاكم أو الرئيس ذكراً كان أم أنثى، بل في طبيعة المنصب وما يتطلبه من استعدادات نفسية وجسمانية وغيرها، فإذا كان الواقع يشهد بعدم صلاحية المرأة لتولي وزارة الداخلية أو الدفاع فكيف تصلح لقيادة دولة؟!..
وماذا يحدث عندما يعتريها حمل أو حيض أو نفاس؟..
وماذا عن حياتها وواجباتها الأسرية؟..
أما ما حدث من ولاية بلقيس في اليمن فهذا شرع من قبلنا، وورد في شرعنا ما ينافيه.
من الشريعة
ولفتت الدكتوره إلهام شاهين الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، إلى اتفاق العلماء قديماً على تحريم الشريعة الإسلامية وعدم إباحتها تولي المرأة الوظائف المتعلقة بقيادة دولة، والحكم استناداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولووا أمرهم امرأة». وتضيف: استند الفقهاء إلى الحديث الشريف السابق واستشهدوا به في تحريم تولي المرأة لمنصب الإمامة العظمى أي الخلافة، وقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث حين بلغه أن الفرس ولوا عليهم إحدى بنات كسرى، بعد موته وقد عد الفقهاء هذا الحديث نهياً عن مجاراة الفرس في إسناد شيء من الأمور العامة إلى المرأة، وذلك لأن في أمور الولاية العامة من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء.
وتشير إلى ظهور وجهة نظر أخرى تقوم بتأويل هذه النصوص وغيرها من التي لا تبيح للمرأة تولي المناصب العليا، وقد برروا ذلك بأن هذا الحديث مقصود منه نبوءة من الرسول صلى الله عليه وسلم بانتهاء حكم الفرس وزوال ملكهم، بعد تولي هذه المرأة لأمرهم ويدللون على ما ذهبوا إليه بذكر القرآن الكريم لقصة بلقيس ملكة سبأ ومدحه لها في معرض أخذها بمبدأ الشورى الذي يقرره الإسلام، وأن سليمان عليه السلام لم ينكر على هذه المرأة توليها الحكم ولم ينهها عن ذلك، بل وضعها في صورة كريمة عاقلة متزنة ترجع إلى الحق حين تراه واضحاً جلياً، ولذلك، فأصحاب هذا الرأي يؤيدون تولي المرأة كافة المناصب إلا أنهم لا يلبثون أن يعودوا ويقولوا إنه يحظر عليها فقط تولي منصب الإمامة العظمى أي الخلافة، لأن من شرطها الذكورة مع أن الحديث الشريف لم ينص على ذلك.
من حياة الرسول
رفض الدكتور منصور مندور من علماء الأزهر الشريف فكرة أن تكون المرأة قائدة دولة، مؤكداً أن القيادة أو الإمامة أو الخلافة لا تصلح لها امرأة ويجمع العلماء على أنه لا تكون المرأة حاكماً على المسلمين، وعلى الحاكم أن يؤم المسلمين في الصلاة، وهذا لا تصلح له المرأة كما أنها تقف في الصفوف الخلفية في الصلاة حتى لا تكون فتنة، بالإضافة إلى أن الحاكم يلقي خطبة الجمعة وقد أوصى ورشح الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، بأن يكون الصديق أبو بكر إماماً للمسلمين في دينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة مُري أبا بكر ليصلي بالناس»، فقد أمنه الرسول على الدين والصلاة والدنيا فلا بد للخليفة أن يرشح واحداً من الصالحين، ويأتمنه على الدين ويقيم شعائره وهذا لا تصلح له امرأة.