عبدالله العقبي الشحي

كانت جبال الشحوح في بداية التكوين مرتبطة بجبال زاجروس، ثم حدث تصدع ضخم تحولت بسببه الجزيرة العربية إلى شبه جزيرة تتحكم بها المضائق؛ كمضيق هرمز ومضيق باب المندب، وخليج العقبة. وبعد الانفصال كانت منطقة الشحوح أو رؤوس الجبال خصبة بسبب الأمطار، ويكسوها غطاء نباتي خاص من الأشجار المعمرة والأعشاب الموسمية التي اقتاتت عليها الحيوانات.
وبعد انهيار سد مأرب هاجرت القبائل من اليمن إلى ساحل الخليج، فاستحسن مالك بن فهم وقومه من الأزد أرض عمان، فتوزعوا فيها؛ وكان قوم ابنه الحارث بن مالك، وقوم أبي صفره أول المهاجرين في رؤوس الجبال، وقد استقروا في مدينة دبا لتتوالى الهجرات بعد ذلك. وتشكلت دبا، مدينة عامرة ولها سوق يحمل اسمها، وكان التجار من بقاع الأرض يترددون عليها إلى أن ظهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأرض الحجاز، وأرسل رسله لدعوة الناس للدخول في الإسلام، ولما وصل رسول النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى دبا آمن أهلها به، وحافظوا على إسلامهم، وعرفوا بشجاعتهم وفروسيتهم التي انعكست في أساليب كصيحة الندبة ومبارزة السيف، وامتشاق السكين والسيف، وحمل سلاح الجزر، وبوفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» قرر معظم سكانها النزوح إلى الأمصار.. منهم من ذهبوا إلى البصرة والحجاز والغالبية لجأت للجبال أو قمم جبال الشحوح؛ لأنها تمثل لهم الأمان.
وقد اختاروا الجبال لتزيدهم قوة ومنعة، حيث بنوا القلاع على قمم الجبال بسبب الحروب التي شنها عليهم الفرس والبرتغاليون والإنجليز، وخلقت تلك الممارسات من الشحوح قبيلة متدربة على القتال، ومن هنا عرفت فنونهم بالصلابة والقوة كالوهابي والرزيف ورقصات فن الرواح التي تعكس النشاط وسرعة الحركة وتعبر عن نشوة الانتصار على العدو.
وحين فضلوا استيطان الجبال وجدوا وسائل العيش لهم ولحيواناتهم متوافرة فأحبوا الجبل وبنوا بيوتاً قويةً مستوحاة من قوته، ومن حجارته الضخمة التي يستغرب الناظر إليها كبيت القفل. كما استحدثوا البيوت في الكهوف فبنوا فتحاتها لتقيهم من البرد والمطر الذي لا ينقطع. وكان مأكلهم وعلاجهم من نباتات الجبل؛ فطعامهم من الحيوانات ومشتقاتها، والعسل، والسمك، وحب البر الذي قاموا بزراعته بوساطة المصاطب والأحواض، وهي جميعاً عوامل غرست بالناس القوة والنشاط الذي يميزهم عن الآخرين. ولا يفترق سكان الجبال سواء كانوا من سكان رؤوس الجبال أم قممها أم من الساكنين قرب الساحل، فنمط العيش واحد، حيث يتبادلون منتوجاتهم بينهم، وكان الترابط بين شحيّي الجبل والساحل متميزاً ومتيناً.