أشرف جمعة (أبوظبي)
مسيرة حافلة بالإنجازات المؤثرة في تاريخ دولة الإمارات، قادها المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، رئيس نادي تراث الإمارات «حارس التراث» الذي وافته المنية أمس، تاركاً إرثاً ضخماً سيظل من العلامات المضيئة في حياة الأجيال، وقد امتد عطاؤه في مجال التراث الوطني والثقافي إلى خارج الحدود، حيث أضحت المهرجانات التي تحمل اسمه أو التي تقام برعايته مقصداً لكل محبي الموروث الشعبي الإماراتي والخليجي، بما حملت من زخم اشتمل على كل جوانب التراث الإماراتي بكل عناصره وقيمه منذ البدايات وحتى وقتنا الحاضر، فأصبح رجل التراث العربي، حيث سار على درب الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الحفاظ على الموروث الأصيل الذي يشكل جملة العادات والتقاليد التي انتهجها الآباء والأجداد عبر مسيرتهم الحضارية، وستظل كلماته باقية في الصدور «إننا نسير على نهج الوالد، رحمه الله، في إحياء عادات وتقاليد الرياضات والسباقات التراثية المحلية، والمحافظة على مفرداتها من أية مظاهر دخيلة».
نافذة تراثية
وقد كان ولا يزال نادي تراث الإمارات الذي أنشئ في تسعينيات القرن الماضي الذي وجّه به المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، نافذة تراثية لاحتواء أبناء الوطن وإكسابهم العادات والتقاليد، ومن ثم ربطهم بموروث الأجداد من خلال المشاركة في المسابقات التي أحيت قيم الماضي، ومن ثم رسخت في نفوس الناشئة والشباب قيم الولاء والانتماء، فضلاً عن مبادراته الثقافية المتمثلة في إنشاء مركز سلطان بن زايد الثقافي الذي تأسس في أبوظبي عام 2003، بهدف تعزيز الوعي الثقافي، وتجسيد قيم الانتماء والولاء للوطن، والترويج للثقافة والهوية الوطنية، وكذلك مركز زايد للدراسات والبحوث الذي أنشئ عام 1998 لتعميق الدور الذي يقوم به نادي تراث الإمارات في مجال المحافظة على التراث من خلال البحث العلمي وتنظيم الأنشطة التراثية وتطويرها، ونشر الوعي الفكري بالتراث وأهميته وإجراء الدراسات والبحوث التراثية والتاريخية، والمركز وحدة تنظيمية ذات طابع علمي، وكذلك القرية التراثية في أبوظبي، فضلاً عن عدد من المجلات التراثية والشعرية والثقافية مثل «مجلة الإمارات الثقافية ومجلة بيت الشعر ومجلة تراث ومجلة الإبل»، فضلاً عن الإصدارات التراثية التي أغنت المشهد الثقافي في دولة الإمارات والمشهد الثقافي والتراثي العربي بوجه عام.
«تراث الإمارات»
لقد أولى المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، اهتماماً بالتراث العربي عامة وبالموروث المحلي خاصة، إيماناً بأن لا مناص من الرجوع إلى التراث لترسيخ الهوية الوطنية وتأكيد الخصوصية الثقافية للمجتمع، ومن ضمن إنجازاته التي تعد من معالم التراث والثقافة في الدولة، نادي تراث الإمارات الذي تأسس في الخامس من سبتمبر عام 1993، وتم الإعلان عن إشهاره عام 1997، كهيئة مستقلة تابعة لحكومة أبوظبي برئاسة المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، وأخذ النادي على عاتقه منذ ذلك التاريخ مسؤولية العمل الدؤوب لتوفير البنية التحتية اللازمة لاستنهاض التراث المادي والمعنوي والبيئي لدولة الإمارات، وفق استراتيجيات علمية ومدروسة، وبفضل التوجيهات الكريمة، أصبح النادي هيئة مستقلة متخصصة تعنى بالثقافة التراثية، وتسهم في بناء الشخصية الوطنية بطريقة علمية واعية، فكان لهذا الصرح مكانته المتميزة حتى أصبح من المؤسسات الثقافية المتخصصة التي يشار لها بالبنان، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل تعدى نطاق اهتمامه ليشمل الدوائر الإقليمية والعالمية، فكان مقصداً لاجتذاب كبار الشخصيات المحلية والعربية والدولية، ونجح النادي عبر مسيرته في مخاطبة جميع أفراد المجتمع بمختلف شرائحه الاجتماعية، فوضع فئة الشباب والناشئة في قلب اهتماماته، من خلال تأصيل مفهوم التراث في نفوسهم علمياً وعملياً، حتى أصبحت المهرجانات التي كانت تقام برعايته تصنف كأفضل وجهة سياحية على خريطة أبوظبي الثقافية.
«سلطان بن زايد الثقافي»
ويعد مركز سلطان بن زايد الثقافي أداةً فعالة للتنمية الثقافية، وتنشيط الساحة الفكرية والثقافية والعلمية من خلال أنشطته المختلفة من محاضرات وندوات وإصدارات وغير ذلك، وجاءت فكرة إنشائه استجابة لتطلُّعات المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ورؤيته للتنمية الثقافية في الدولة والأمتين العربية والإسلامية، باعتبار الثقافة أهَم مقومات الأمم والشعوب والمجتمعات، وأساس الهوية والتماسك الاجتماعي، لذلك أُنشِئَ مكتب لشؤون الإعلام في أغسطس عام 2003 ، وأعيدت تسميته ليصبح «مركز سلطان بن زايد». وتَتجسَّد رؤيةُ المركز في نشر الوعي العلمي والمعرفي لدى المجتمع، مع الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري للدولة وهويتها الوطنية، بهدف بناء مجتمعٍ عصري مُتقدِّم ومنفتح وقادر على الإبداع والابتكار.
وقد تبنى المركزُ المفهوم العامَّ للثقافة الذي يضم مختلف الأنشطة الحضارية من فكر وسياسة وفلسفة واقتصاد وأدب، وتعليم، وغيرها من فروع المعرفة التي ظلّت دائماً حاضرةً في برامج المركز وأنشطته وفعالياته الموجَّهة للجمهور بشكل عام.
زايد للتراث والتاريخ
أنشئ مركز زايد للتراث والتاريخ بقرار من المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، عام 1998م، بهدف تعميق الدور الذي يقوم به نادي تراث الإمارات في مجال المحافظة على التراث من خلال البحث العلمي وتنظيم الأنشطة التراثية وتطويرها، ونشر الوعي الفكري بالتراث وأهميته، وإجراء الدراسات والبحوث التراثية والتاريخية، حيث إن المركز وحدة تنظيمية ذات طابع علمي مقره مدينة العين.
جزيرة السمالية
وبفضل التوجيهات السديدة، حقق نادي تراث الإمارات جملة من الإنجازات، من بينها ما قدمته فعاليات جزيرة السمالية لأبناء الدولة التي احتضنت أحلامهم ووجهتهم نحو الانغماس في الأنشطة التي تغرس فيهم حب الوطن والانتماء إليه، حيث تعد الجزيرة من المحميات الطبيعية التابعة لنادي تراث الإمارات، وتمثل تجربة رائدة في بناء وإعداد القادة من شباب وفتيات الوطن، باعتبارها مدرسة لتعليمهم تراث الآباء والأجداد والحفاظ على ثوابت الهوية الوطنية، وفهم معاني الولاء والانتماء للقيادة والوطن، ومنذ ذلك الحين والجزيرة الواعدة تحقق رسالة واستراتيجية النادي، من حيث احتضان البرامج والمشاريع التراثية المخصصة طوال العام باستضافتها عام 1994 أول نسخة من ملتقى السمالية الصيفي، والذي أصبح من أهم التجارب والملتقيات التراثية الشبابية على مستوى المنطقة.
القرية التراثية
«القرية التراثية» أضفت طابعاً تراثياً عميقاً على أبوظبي، وتعد من إنجازات المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان التي تحاكي أنماط الحياة التقليدية وتشتمل على البيئة البرية والبحرية، والسوق الشعبي الذي يعرض صوراً حية لصناعة السيوف والخناجر، ومختلف الصناعات التراثية الأخرى، كما اتسعت القرية التي تم افتتاحها في عام 2001، لتشمل متحفاً يشتمل على ألوان الحياة في الماضي. وقد صارت القرية التراثية قبلة للزوار بموقعها على كورنيش أبوظبي، راصدة حياة الماضي بكل تفاصيلها.