أعلنت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي حالة المجاعة في منطقتي "باكول" و"لاور شابيل" بجنوب الصومال. وفيما تبدو عبارة "المجاعة" مألوفة للمراقبين الدوليين لذيوعها في مناطق عديدة، إلا أن الاستخدام التقني للوصف من قبل الهيئات والمنظمات الدولية المختصة يحمل في طياته معاني قاسية تتجاوز الاستعمال الاصطلاحي لعبارة "مجاعة". ولا ننسَى أنها المرة الأولى التي تعلن فيها الأمم المتحدة المجاعة في الصومال منذ 1991، ما يشي بأن الأمر أكبر من معاناة مجموعة من الناس نقصاً في الغذاء، فالمجاعة بمعناها التقني عندما تطلقها الهيئات الدولية المتخصصة على إحدى المناطق، تعني تفشي معدلات عالية من سوء التغذية بين الأطفال، تتجاوز نسبة 30 في المئة بينهم، بالإضافة إلى تسجيل حالات وفيات تصل إلى شخصين بين كل 10 آلاف مواطن في اليوم الواحد، كما أن الناس يعجزون عن الحصول على الغذاء وباقي الضروريات الأساسية للحياة. هذه المعايير وغيرها يحددها مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. ويحذر الخبراء من أن معدلات سوء التغذية في الصومال قد وصلت إلى أعلى نسبة لها في العالم مع بلوغها في بعض المناطق المتضررة أكثر من 50 في المئة، وهو ما ينذر بحلول الكارثة إذا لم يسارع المجتمع الدولي إلى التدخل. وفي المناطق الأكثر تضرراً الواقعة جنوب البلاد، وهي "باكول" و"لاور شابيل"، سجل المراقبون مستويات عالية من سوء التغذية تفوق 30 في المئة، وارتفاع الوفيات في صفوف الأطفال إلى أكثر من ستة بين كل عشرة آلاف شخص يومياً. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية لقي عشرات الآلاف من الصوماليين حتفهم لأسباب مرتبطة بسوء التغذية، أغلبهم من الأطفال. ويرجع السبب الرئيسي لحالة المجاعة التي تعرفها الصومال إلى مواسم الجفاف المتوالية خلال السنوات الأخيرة، وتزامنها مع القتال الجاري الذي صعب من مهمة وكالات الإغاثة الدولية، لاسيما في المناطق الجنوبية من البلاد التي تسيطر عليها حركة "الشباب" الإسلامية المناهضة للحكومة. ويعاني تقريباً نصف الصوماليين، أي ما يقارب 7.3 مليون شخص، معظمهم موجود في الجنوب. ومع أن الحل لهذه الأزمة يكمن أساساً في تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، ومد الجوعى بما يحتاجونه من مواد غذائية تقيهم خطر الموت، إلا أن سيطرة تنظيم "الشباب" الإسلامي على مناطق الجنوب، وإدراج التنظيم ضمن المنظمات الإرهابية من قبل وزارة الخارجية الأميركية، يضع عراقيل سياسية وقانونية أمام مباشرة الوكالات الدولية لعملها في جنوب الصومال، بحيث تسعى الدول المانحة إلى الموازنة بين ضرورة تقديم المساعدات للسكان وبين الحرص على عدم وصول الأموال والمساعدات إلى أيدي المتمردين. وهو ما يعبر عنه "دونالد شتاينبورج"، المسؤول عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بالتأكيد على أنه يتعين التحقق من أن المساعدات لن تقع في أيدي تنظيم "الشباب"، قائلًا: "ما نحتاجه هو ضمانات من برنامج الغذاء العالمي وباقي الوكالات الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها، ومن المنظمات غير الحكومية المستعدة للذهاب إلى الصومال لمساعدة الأهالي، بأنهم لن يخضعوا لأي ضرائب من أي نوع أو إتاوات يفرضها تنظيم الشباب، كما لن يدفعوا أي رشى لأي جهة، وأن يسمح لهم بالعمل دون قيود لإنقاذ الناس". والحقيقة أن تقديم العون للناس في هذه المرحلة الدقيقة أهم من أي اعتبارات أو مخاوف أخرى، وذلك لسبيين رئيسيين: أولاً لأن ذلك هو الخيار الأخلاقي أمام المجاعة الكاسحة التي يعاني منها الصوماليون، فقد صُدمت من غياب أدنى درجات التعاطف لدى بعض المعلقين الذين كل همهم منع وصول المساعدات إلى المتمردين، فيما الشعب الصومالي يعاني الأمرّين. وبالنسبة لهؤلاء المعلقين يبقى الانشغال الأوحد هو مواجهة الإرهاب بصرف النظر على التكلفة الإنسانية. ومع أن احتمالات استفادة بعض الجهات المتمردة من المساعدات الدولية يبقى قائماً، إلا أن ذلك عليه ألا يعطل وصول الإغاثة إلى الصوماليين مهما كان المبرر. أما السبب الثاني الذي يدفع إلى التعجيل بمد الصومال بما يحتاجه من غوث فيتمثل في العامل السياسي، فلو كثفت الولايات المتحدة من جهودها لتخفيف معاناة الشعب الصومالي فإن ذلك سيرفع الضغط عن إثيوبيا وكينيا اللتين تستقبلان الآلاف من اللاجئين الصوماليين. والأكثر من ذلك أن العمل مع تنظيم "الشباب"، وإن بشكل محدود، قد يساعد على تغيير صورة الولايات المتحدة في الصومال، كما قد يساعد على فتح قنوات للاتصال مع المتمردين في المستقبل. ففي وقت تتفاوض فيه أميركا مع "طالبان" في أفغانستان، أليس من المشروع التساؤل عن احتمال تفاوض الحكومة الانتقالية المدعومة من أميركا مع تنظيم "الشباب"؟ ورغم الانتقادات التي سيجرها علي مثل هذا الطرح من قبل المتشددين باعتباره ساذجاً وغير مجد، فإنه يتعين التساؤل أيضاً عما إذا لم يكن ساذجاً إسناد مهمة القضاء على "الإسلام السياسي" في الصومال إلى الاحتلال الإثيوبي للبلاد بين عامي 2006 و2009؟ وما إذا لم يكن ساذجاً أيضاً دعم الحكومة الانتقالية والاعتقاد بأنها قادرة على دحر فلول تنظيم "الشباب"، والاعتماد على بضعة آلاف من جنود حفظ السلاح التابعين للاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى الطائرات الأميركية من دون طيار؟ فالتنظيم الإسلامي، وإن كانت حركته قد تباطأت، إلا أنه تمكن في النهاية من بسط سيطرته على جنوب البلاد وبات يهدد مقديشو، المعقل الوحيد للحكومة الانتقالية. أيكس ثورستون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»