حوار: أحمد مرسي

كشف الدكتور حميد مجول النعيمي رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، مدير مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك، أن المركز، وبالتعاون مع وكالة الإمارات للفضاء، سيقوم بتركيب برجين لرصد ومراقبة الشهب والنيازك والحطام الفضائية، في كل من أبوظبي وخورفكان، خلال الفترة القريبة المقبلة، ليضافا إلى برجي الشارقة وليوا الموجودين حالياً، وذلك بهدف دراستها وبحثها وتحديد عمرها الزمني، وتحديد خطورتها، ومقارنتها بالصخور الأرضية، لما في ذلك من أهمية للبحث العلمي.
وأكد أن المركز سينتهي أيضاً، خلال الفترة القريبة المقبلة من بناء أقمار صناعية صغيرة الحجم كالـ«كيوب سات» والـ«كان سات»، ليتم إرسالها للفضاء لتحقيق الغرض منها في القيام ببعض الدراسات والأبحاث المفيدة، ودراسات الغلاف الجوي، وذلك من خلال سواعد شابة، يصل عددهم نحو 45 طالباً، منهم 21 مواطناً، يعملون مع مختصين ذوي خبرة كبيرة في هذا المجال.
كما كشف الدكتور مجول النعيمي، في حوار مع «الاتحاد»، أن من بين المشروعات الجديدة التي يقوم بها المركز أيضاً، ومحدد لها نهاية العام الجاري لتكون جاهزة، مشروع بناء «مرصد راديوي فلكي»، لرصد الأشعة الراديوية والموجات الطويلة، والترددات الصغيرة وبعض الأشعة الراديوية من الشمس والأجرام السماوية والمجرات والنجوم والكواكب، والأصوات الفلكية الأخرى في الكون.

وأكد الدكتور حميد مجول النعيمي أن «استراتيجية الإمارات للفضاء»، جعلتها رقماً قوياً في هذا المجال عالمياً، وأنها تسير بخطى ثابتة وحققت الكثير من المنجزات الكبيرة، على أرض الواقع وأن القادم أفضل بكثير، في ظل قيادة رشيدة تعمل جاهدة على تحقيق ذلك، لتحقق الفخر للعرب أجمعين بإنجازات واقعية في مجال الفضاء والفلك من استراتيجية واضحة ومنشآت قائمة، جعلتها عملياً تقود قافلة العرب نحو الفضاء مع إطلاق أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ عام 2021، واختيار رائدي فضاء إماراتيين، هزاع المنصوري وسلطان النيادي، كطليعة رواد الفضاء الإماراتيين، وإنجازات إماراتية عديدة تحققت واقعياً، وغيرها الكثير من الحقائق نتعرف إليها في حوار «الاتحاد».

مكانة في الفضاء
وحول أهمية توجه الدول، ومنها الإمارات للذهاب إلى الفضاء والعائد منها، أكد الدكتور النعيمي أن هناك عرفاً سائداً لدى الفلكيين وهو أن أي دولة ليس لها مكانة الآن في الفضاء، فلن يكون لها مكان أو مكانة على الأرض، لا حضور ولا تقدم أو نهضة، ولا تطوير أو تحديث لمكتسباتها إلا بإيجاد مساحة لها في هذا العلم، فالتكنولوجيا طالت كل المجالات، واليوم أسرع من أمس، وغداً سيكون أسرع من اليوم، كما أن التكنولوجيا لم تعد رفاهية أو ترفاً للشعوب بل أصبحت تلك العلوم ذات تطبيقات مباشرة في مختلف الحقول العلمية والتقنية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فضلاً عن استكشاف الفضاء الخارجي من كواكب ونجوم ومجرات وتدبر خلق الله. وهناك أبعاد جديدة للتطبيقات الفضائية في مجالات سلمية إنسانية أخرى كالطب والاتصال والزراعة والصناعة والاقتصاد، ونظم تقنية الحواسيب والمعلومات والطاقة والأمن وبالتالي خدمة الإنسانية وكل أوجه الحياة بصورة عامة.
وتابع قائلاً لدينا شعور بالفخر والاعتزاز بدخول الإمارات العربية المتحدة لعالم الفضاء وإنشائها لوكالة الفضاء الإماراتية وإطلاق أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ عام 2021، واختيار رائدي فضاء إماراتيين كطليعة رواد الفضاء الإماراتيين، وغيرها من الإنجازات التي تحققت خلال الفترة القريبة الماضية، واختصرت الإمارات بها كثيراً من السنوات وحجزت مكانتها المستقبلية بقوة لتكون مركزاً علمياً عالمياً لعلماء الفضاء والفلك العرب والمسلمين بوجه عام.
وشدد على أن المشروع الإماراتي في الفضاء، مشروع متكامل يسير بخطى ثابتة ومدروسة ونجاحات قريبة ملموسة تهدف جميعها لخدمة الإنسان والإنسانية لتغذية العقول البشرية الشابة بمثل هذه التقنيات والتخصصات.
وحول التعاون بين المراكز المعنية بالفضاء والفلك داخل الدولة، أكد الدكتور النعيمي أن هناك تعاوناً عملياً وثيقاً بين مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك وبين وكالة الإمارات للفضاء، ومركز محمد بن راشد للفضاء، وليس هذا فحسب بل لدينا مشاريع مدروسة ومدعومة من قبل وكالة الإمارات للفضاء، ونعمل الآن على تحقيقها وتعزيز نجاحها وضمن استراتيجية مركز الشارقة لعلوم الفضاء وهناك مشاريع كبرى سيتم الإعلان عنها لاحقاً.
وفيما يتعلق بمشاريع مركز الشارقة الجديدة، قال الدكتور النعيمي «لدينا 45 طالباً، يدرسون علوم الفضاء والفلك من طلاب كليتي الهندسة والعلوم، منهم 21 طالباً من سواعد وعقول المواطنين، وهو ما يدنو من النصف، موزعين على أقسام المركز، وقسم منهم يشارك حالياً فنيين في مشروع تم دعمه من قبل وكالة الإمارات للفضاء، يتمثل في بناء أبراج لرصد ومراقبة الشهب والنيازك والحطام الفضائية، التي تدخل المجال الجوي في البلاد، بهدف دراستها وبحثها وتحديد عمرها الزمني، وكذلك خطورتها، ومقارنتها بالصخور الأرضية، لما فيه من الصالح العلمي لدراسة النجوم والكواكب والكون بصورة عامة».
وتابع قائلاً «كل برج من هذه الأبراج مزود بـ17 كاميرا، لرصد الحطامات النيزكية التي تدخل في الأجواء الإماراتية وتتبعها، والحصول عليها، وقد تم إنشاء موقعين ويقومان بالرصد حالياً في كل من الشارقة وليوا، ويتم حالياً تجهيز اثنين آخرين في أبوظبي وفي جامعة الشارقة بخورفكان وسينتهي العمل منهما بنهاية العام الجاري بحيث يتم تركيبهما وبالتالي تتم عملية الرصد من قبلهما».
وقال الدكتور حميد مجول النعيمي نعمل على بناء أقمار صناعية صغيرة «مكعبة» وأقمار «كيوب سات » و الـ«كان سات» وهي صغيرة الحجم تعادل زجاجة صغيرة، باستخدام مكونات كهربائية شائعة الاستخدام، تصنع في مختبر المركز بالتنسيق والتعاون مع مراكز ومؤسسات عالمية تختص بدراسات الغلاف الجوي والدراسات العلمية، من خلال إرسال تجارب علمية إلى الفضاء، بتكاليف أقل بكثير من تلك المطلوبة لإرسال قمر صناعي كبير، كما أنه يؤدي نفس الوظائف التي يؤديها القمر الصناعي الكبير، ويعمل على تنفيذها مختصون من كلية الهندسة وكلية العلوم، وسيتم الإعلان عنها فور الانتهاء من تجهيزها خلال الفترة القريبة المقبلة.
ولدينا مشروع آخر يتعلق ببناء «مرصد راديوي فلكي»، يتكون من جزأين، الأول يتمثل في أقطاب ثمانية ترتبط بأسلاك تستقبل الإشارات الراديوية، والثاني يتكون من صحن قطره 5 أمتار به جهاز استلام لرصد الأشعة الراديوية والموجات الطويلة، وكذلك الترددات الصغيرة، وكذلك رصد لبعض الأشعة الراديوية من الشمس والأجرام السماوية والمجرات والنجوم والكواكب، وبالتالي تحقق احتمالية رصد أصوات فلكية من أبعاد تصل لحافة الكون، وهو ما يساهم في الدراسات والأبحاث العلمية وإيجاد مهندسين باحثين وعلماء تقنيات، وابتكار أجهزة متقدمة، تساهم وبصورة كبيرة في الخدمات الإنسانية، وأنه خلال الفترة الحالية سيتم استلام هذا المرصد وبالتالي يتم فحصه تمهيداً لبدء العمل به بنهاية العام الجاري.

بناء العقول
ورداً على سؤال حول اعتماد المركز على كوادر مهمة للتعليم والتدريب، وكذلك تأهيل الكوادر المحلية ليكونوا بدورهم باحثين في هذا المجال، قال الدكتور النعيمي «بالفعل هناك أشخاص ومراكز علمية عالمية ذوو خبرة في علوم الفضاء والفلك يشرفون على تنفيذ هذه المشروعات، ويستفيد الطلاب من خبراتهم، ويشاركون بدورهم في هذه المشروعات، تمهيداً لبناء العقول العربية بصورة عامة والإماراتية على وجه الخصوص، ليسهموا بفكرهم في هذا الأمر مستقبلاً، كما أن المركز يقوم حالياً بطرح برنامجين أكاديميين هما: ماجستير في الفلك وعلوم الفضاء، وماجستير في ديناميكية الجو والطقس، ومن المنتظر اعتمادهما الفترة القادمة من قبل التعليم العالي، ليتم بعدهما طرح برامج تتعلق بدرجة الدكتوراه في هذه التخصصات».
وقال إن من أهم الأهداف التي يركز عليها المركز ويضعها في جلّ اهتمامه، خلق كادر وطني مُـلم بالتقنيات الحديثة المرتبطة بعلوم الفضاء والفلك، وزيادة وعيه وثقله بالمهارات الحديثة في هذا المجال، وبالتالي تحقيق المكانة المتميزة التي تليق بالمشروعات التي أطلقتها الدولة في هذا الصدد، لتدخل بشكل رسمي في السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، وهو ما يفخر به الجميع.

استيطان المريخ
ورداً على سؤال لـ«لاتحاد» حول مسألة أن الإمارات بصدد إرسال مسبار للمريخ، لماذا الذهاب إلى المريخ من دون بقية الكواكب؟ أوضح الدكتور النعيمي أن المريخ هو الكوكب الرابع بعداً عن الشمس وهو الأول بعد الأرض والأقرب نقطة إلينا حيث يبعد 60 مليون كم تقريباً، فحرارة سطحه تتراوح بين «17 درجة مئوية ظهراً و– 80 درجة مساءً»، ويقترب معدلها من (-120) درجة عند القطبين، ترابه جاف بشكل كامل ولكن يمكن الحصول على الماء بسهولة وبتكلفة غير باهظة باستخدام محركات تعمل بالطاقة الشمسية ويمكن استخلاص الأوكسيجين من تحليل ثاني أكسيد الكربون بطريقة تعتمد على سلسلة من التفاعلات الكيميائية.
وحول المردود الإيجابي للبيئة الفضائية، على ما يعيشه البعض حالياً على الأرض من مجاعات وأمراض، أكد أنه بالفعل سيكون للموارد التي ستوفرها البيئة الفضائية مردودها الإيجابي مستقبلاً على العديد من المشاكل التي تعاني منها البشرية بصورة عامة، كالمجاعة والزيادة السكانية ونقص الطاقة والتلوث، وما سيضيفه علم الفلك بالتقنيات الحديثة والمتطورة على كثير من تطبيقات الاتصالات والبث التلفزيوني المباشر ونقل المعلومات الخاصة بالملاحة الجوية والبحرية والأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد ودراسة موارد الأرض الطبيعية والتنبؤ بالأعاصير، والتصنيع الدقيق، والزراعة والطب واستحداث الأجهزة ذات الكفاءة والتقنيات العالمية لتصب في جوهرها في خدمة الذكاء الصناعي.
وقال: إذا ما نظرنا إلى إحداثيات دولة الإمارات العربية المتحدة، فنجدها مناسبة جداً لإنشاء مؤسسة علمية فضائية وتكنولوجية قادرة على أن تكون ذات مركز أساسي لتوزيع الأرصاد والبيانات الفضائية والفلكية على بقية دول العالم العربي والإسلامي، وإن عملية إنشاء مثل هذه المؤسسة ستكون بالتأكيد خطوة جريئة للإسهام في وضع المؤسسات العلمية المتميزة في الإمارات والوطن العربي على المسار العلمي الصحيح والمعاصر.
وقال الدكتور حميد مجول النعيمي رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، مدير مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك، للأسف، مكانة العرب وإسهاماتهم الحالية، متواضعة جداً في علوم الفضاء والفلك، وطوال سنوات ماضية، هناك إمكانات متواضعة جداً في هذا المجال موجودة في مصر والعراق والسعودية والأردن والجزائر، لا ترتقي بالمستوى الطموح والمأمول، الذي يتناسب والتطور العالمي الكبير في هذا المجال، وأنا على قناعة تامة، وبمبادرة الإمارات المحسوبة والمدروسة، بأن القادم أفضل، وسيكون لنا كعرب شأن في هذا المجال.

القبة الفلكية

وسط مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك، القبة الفلكية، وهي عارضة الصور والأفلام الفضائية والفلكية وتحتوي على شاشة عرض نصف كروية مصنعة من صفائح ألمنيوم ومركبة بزاوية ميل، تستخدم لعرض صور وأفلام بالغة الدقة وعارض نجوم عملاق يتيح عرض عدد هائل من النجوم يتجاوز الـ 10 ملايين نجم وهو أداة بصرية مثالية للدراسات الفلكية.

معارض فضائية

يتضمن المركز عدة معارض فلكية وفضائية وفيزيائية تعليمية لمختلف الفئات العمرية، منها معرض فلكي متقدم يشمل مشاهدة الكون في أربع حقب زمنية، تمثل استكشاف الكون بالعين المجردة وكيف أن العلماء المسلمين صوروا الكون وما هي الأجهزة التي استخدمت عندئذ.
معرض استكشاف الكون بأول تلسكوب وهو تليسكوب غاليليو غاليلي، بالإضافة إلى استكشاف الكون باستخدام أجهزة الطيف صنعت لأول مرة في التاريخ تتيح استكشاف الكون بتكنولوجيا الفضاء مثل: الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ومعرض تكنولوجيا الفضاء.

مرصد الشارقة

مرصد الشارقة الفلكي هو مرصد بصري لرصد المجرات والنجوم والكواكب حتى 10 سنوات ضوئية، ورصد الشمس والقمر مع أجهزة فلكية متطورة ذات دقة عالية جداً.
ويقوم الباحثون والطلبة من خلال المركز برصد وتصوير ودراسة مختلف الأجرام السماوية اللامعة مثل المجرات والنجوم والكواكب والمذنبات فضلاً عن رصد الشمس والقمر وخاصة أطوار القمر ومن ضمنها الهلال.

مركز الفضاء والفلك

يظهر مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك بتصميمه الجذاب والمحاكي للكون، تماماً كنظام شمسي مصغر، وجدران تحكي قصة طويلة تروي تاريخ الطيران وارتياد الفضاء، قصة بدأها المهندس والفيزيائي العربي الشهير عباس بن فرناس قبل قرون عديدة محاولاً التحليق بجناحين بسيطين، وتستمر الجداريات الكبيرة لتصحبك بتاريخ تطور الصواريخ وارتياد القمر.