أحمد السعداوي (أبوظبي)

انتشرت في الفترة الأخيرة ألعاب إلكترونية، لا تخلو من مخاطر صحية ونفسية قد تصيب ملايين الشباب في أنحاء العالم بدرجات من الإدمان، المؤدي إلى الانطواء والاكتئاب وارتفاع درجة التوتر والقلق وغير ذلك من الأعراض الصحية، وهو ما أكدته دراسات علمية ظهرت مؤخراً، ومن هذه الألعاب «الحوت الأزرق» (blue whale)، التي تسببت في انتحار بعض المراهقين في دول عدة، ولعبة (Fortnite) التي أدمنها الكثيرون، وأخيراً لعبة الـ«PUBG»، التي انتشرت خلال هذه الأيام، وتحولت إلى هوس بين الشباب ومن بينهم عدنان الحمادي، الذي يمارس هذه اللعبة لمدة 8 ساعات يومياً منكفئاً على ذاته ومنعزلاً عن العالم المحيط به، متواصلاً فقط مع زملائه ممن يمارسون هذه اللعبة حول العالم، ليتشاركوا سوياً الحماس لتحقيق الانتصارات الوهمية، الأمر الذي يسبب تداعيات صحية ونفسية خطيرة، حسبما أورد عدد من ممارسي هذه الألعاب واختصاصيي التكنولوجيا والطب النفسي.

أجواء حماسية
15 عاماً تقريباً قضاها عدنان الحمادي بمعية الأجهزة الإلكترونية الحديثة والألعاب المصاحبة لها، حتى صار خبيراً بها وقادراً على التعامل مع كل مستحدثاتها، وبطبيعة الحال كان لا بد له من ممارسة لعبة الـ«PUBG» التي ظهرت بشكل لافت مؤخراً، حتى صار مدمناً لها بدرجة كبيرة، حسبما قال لـ«الاتحاد» موضحاً: «منذ أن عرف بالصدفة هذه اللعبة قبل أشهر عدة، من خلال أحد الأصدقاء، قام بتحميلها على الهاتف الخاص به، ومن حينها بدأ يمارسها فترة تصل إلى 8 ساعات يومياً، من بعد صلاة العشاء حتى الثالثة فجر اليوم التالي، الأمر الذي كان له تأثير على مستقبله الوظيفي نتيجة انخفاض التركيز الناتج عن قلة النوم، ولكنه في الفترة الأخيرة صار يقلل الوقت المخصص لها ليكون من بعد صلاة المغرب حتى الحادية عشرة مساءً في أقصى الأحوال».
الأجواء الحماسية التي تتسم بها اللعبة تعتبر أكثر العوامل المؤدية إلى أدمانها، حسبما يرى الحمادي، حيث يمكن أن تلعب 5 أشواط متتالية لمدة 3 ساعات مع شخص واحد فقط قبل أن تنتقل إلى اللعب مع آخرين، وتتحدث معهم بالصوت والكتابة فتصير الصداقة أقوى والاندماج في اللعب أجمل، وتنتقل المعلومة بسبب وضوح الصوت ونستمع إلى الإرشادات من الآخرين فنشعر بالتعاون ما يجعلها لعبة جماعية بامتياز، ولكنها للأسف عبر الواقع الافتراضي، ويصحبها الشخص معه حتى إلى نومه فيحلم بأجواء المعركة التي كان مشاركاً فيها مع أصدقائه، فهي لعبة حرب من فريق يتكون من 4 أشخاص أو أقل يتصارعون في أماكن مختلفة حسب قوة السلاح، ويتعاون فيها اللاعبون في تبادل الأسلحة والذخيرة في أجواء من الإثارة وعلى سبيل المثال، ينزل من الطائرة صندوق محملاً بالأسلحة ومعدات الحرب ومن يحصل على الصندوق يكون من المتفوقين كونه ينزل في أماكن خطرة تتطلب إعداد خطة للحصول عليها، مثلاً كأن يرمي قنبلة دخان ليشتت أنظار فريق الأعداء وغير ذلك..
وبالأخير ينصح الحمادي الآخرين بعدم التماهي بشكل كامل مع هذه اللعبة، ولا بد من تخصيص أوقات محددة لا تتجاوز ساعتين كحد أقصى لممارستها، باعتبارها تحمل الخطر الكبير مثل باقي الألعاب الإلكترونية إذا ما جلسنا إليها أوقاتاً مبالغاً فيها.

مضيعة للوقت والمال
الأتاري، الفاميلي، ماتيدو، سيجا، بلاي ستيشن وغيرها من الألعاب الحديثة وصولاً إلى «PUBG»، مارسها جميعها هيثم الجنيبي، الذي تعرف إليها مؤخراً وصار مدمناً لها لأكثر من شهر، وكان يمارسها لـ7 ساعات يومياً إلى أن أقلع عنها بعدما عانى أضرار ممارستها، واصفاً إياها بأنها من ألعاب الحرب التي تعتمد على مجموعات قتالية أون لاين، والجديد فيها أنك تشكل فرقاً وتتعارف على آخرين عبر الشبكة العنكبوتية، ويمكن تحميل اللعبة على الهاتف ما يسهل ممارستها في أي وقت وأي مكان، وتتيح لك اختيار لاعبين من كل دول العالم وإضافتهم إلى قائمة خاصة بك يمكن اللعب معهم في أي وقت، وهذه ميزات ساهمت في انتشار اللعبة.
ومن المساوئ العديدة لمدمني «PUBG»، بحسب الجنيبي، فإنها تحتاج لتركيز عالٍ، وهذا يعزلك عن كل من حولك من أهل وأصدقاء وغيرهم، كما تصيب الشخص بالصداع الشديد نتيجة التركيز والانتباه فترات طويلة، كما أنها تدفع البعض لإهمال الأعمال الخاصة والوظائف اليومية والمهام العائلية.
هذه السلبيات جعلته يدرك أنها لعبة مضيعة للوقت والمال، لأنها تحتاج إلى شراء الأسلحة والملابس التي يرتديها الجنود وتبدأ أسعارها من 50 درهماً فما فوق بحسب النوع، كما أنها مضرة للصحة، فقد يصاب اللاعب بزيادة الوزن وضعف العضلات وإرهاق العينين وتشتت الذهن، وأخطر مساوئها، أنها تؤدي إلى الانعزال عمن حولك، كونها تحتاج الجلوس لساعات طويلة متواصلاً مع أصدقاء أون لاين في أماكن مختلفة، قد يغنونك عن الناس من حولك.

شغف يومي
في المقابل، يمارس أحمد جمال، هذه اللعبة بشغف بشكل يومي، فهي ليست مجرد لعبة بالنسبة له، بل وسيلة لعمل صداقات مع أشخاص من دول مختلفة، وكذلك التواصل مع أصدقائه القدامى الذين فرقتهم ظروف العمل والحياة، كما أنها تدخله إلى عالم افتراضي يجد فيه المتعة المفقودة في حياتنا الطبيعية، كما أنها أداة للتنفيس وتتيح له المجال لخوض مغامرات مثيرة ومعايشة أجواء الخطر وغيرها من المشاعر التي يحس بها ممارسو تلك الألعاب، مثل استخدام الأسلحة والقفز من مرتفعات وغيرها من الأفعال المثيرة، ومن إيجابيات الـ«PUBG» أيضاً، أنها تسهم في ارتفاع مستوى الأدرنالين في الجسم دون الحاجة إلى الخروج من المنزل، مع معايشة متعة المغامرة الحقيقية لارتفاع مستوى التكنولوجيا والموسيقا وغيرها من العناصر المكونة للألعاب الحديثة.
ولا ينفي جمال وجود سلبيات عديدة لهذه اللعبة، حيث إنها تدفع بعض الناس إلى لعب أشواط متتالية دون التحرك من المكان فترة تصل إلى 10 ساعات يومياً في بعض الأحيان، لذا قد تعزلك عن حياتك الحقيقية نتيجة التركيز والوصول لدرجات عالية فيها، وترفع من درجة التوتر في حياتك اليومية بسبب الضغط المستمر الذي تعيشه أثناء ممارستها، كما تكشف للغير بعض الجوانب السلبية الخفية في شخصياتنا، مثل حب الذات والمكر والوصول إلى المكسب ولو على حساب زملائك في الفريق الذي تلعب معه.
أما نصيحته من واقع خبرته مع هذه اللعبة وغيرها من الألعاب، فيقول: «الاستغراق في هذه الألعاب يفقدنا أشياء مهمة في حياتنا، منها محاولة تطوير أدائنا الوظيفي، أو ممارسة الهوايات المفيدة، وبالتالي يجب على كل شخص أن يستمتع بهذه الألعاب في حدود معينة دون مبالغة».

مميزات اللعبة
ويقول المهندس عبدالحميد فتيحي، الخبير في تكنولوجيا المعلومات، إن ميزات لعبة مثل (PUBG) أو (blue whale) أو (Fortnite)، تتمثل في أنها ربما تجمع 100 لاعب في طور واحد، حيث يكون الفائز هو الناجي الأخير من الخطر، وتحتوي هذه الألعاب على خرائط تجعل اللاعب يشعر بأنه داخل عالم كبير يريد أن يستكشفه أكثر، فاللاعب يقوم بالتحكم بشخصية قريبة من الواقع والتنقل بين البيوت والحقول ومحاولة النجاة. كما أنها تبدو وكأنها حقيقية بفضل التكنولوجيا الحديثة المستخدمة والمؤثرات الصوتية المصاحبة لها.
وهناك لعبة مجانية مثل (Fortnite)، يمكن للجميع تحميلها على أجهزة الألعاب أو على الأجهزة المحمولة، وهذا سبب رئيس وجذاب لإتاحة الفرصة لجميع اللاعبين بتجربتها أولاً ثم التعلق بها، كما تتميز هذه الألعاب بأنها تتيح لك الحديث مع اللاعبين مباشرة مما يجذب الأصدقاء للعب كفريق ضد فرق أخرى.
وذكر فتيحي، أن عمر اللاعب المشترط للعب PUBG هو من 16 إلى 18 سنة، بينما عمر اللاعب للعب Fortnite هو 12 سنة، وبما أن أغلبية المراهقين هم من يمارسون هذه اللعبة، فيجب أن نقوم بنصح أولياء الأمور بعدم السماح لأبنائهم بشراء ألعاب تفوق أعمارهم المسموح به، مع عدم ترك أبنائهم بلا مراقبة.

تدعو للعنف
وانتقالاً إلى أشهر الألعاب الإلكترونية التي يمارسها الشباب ووجه الخطر في كل منها، أوضح صالح النيادي، اختصاصي العلوم التقنية، أنه في الآونة الأخيرة كانت أنجح الألعاب تتمحور بقتل العدو أو الشخصيات المنافسة، كما انتشرت ألعاب كثيرة تحتوي على طور «الزومبي» التي يجب على اللاعب قتلها والنجاة منها، وبشكل عام فإن هذه الألعاب تدعو للعنف وترسخ مناظر القتل في أذهان الصغار والشباب، لأن جميعها تتميز بجودتها العالية ودقة تفاصيلها، لتكون في أعين الكثيرين شيقة وجاذبة.
وقال: توجد ألعاب لا تحتوي على العنف ولكن يمكن الإدمان عليها كألعاب كرة القدم «فيفا» وغيرها، حيث تعمل على إيجاد بيئة واقعية جداً لمباراة كرة القدم، وتتيح للاعب أن يتحكم بها تماماً ويتفاعل مع جميع التغيرات، بل وأن يقوم باختيار احتفاليته عند تسجيل الأهداف، ولا أعتقد أن تحتوي هكذا ألعاب على أي مخاطر أو عادات سيئة في حال تم وضع وقت معين للعبها.. أما بالنسبة لخطورة هذه الألعاب، فهي تؤثر على العينين والدماغ في حال ممارستها لساعات متواصلة، وتقلل من حركة الجسم وتسبب آلاما في الظهر والرقبة.

علاج نفسي
الدكتور أحمد الألمعي، استشاري ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي، ذكر أن الألعاب الإلكترونية التي تتوالى علينا ومنها «PUBG» تحمل الكثير من المخاطر لأنها تسبب نوعاً من الإدمان وترفع درجة القلق، والتركيز والانتباه، وتؤثر على مستوى التفكير، وهي جميعاً مشكلات تحتاج إلى علاج نفسي، حيث سبق أن واجه أكثر من حالة تعرضت لهذه المشكلة، بسبب عدم تخصيص وقت محدد لممارسة هذه الألعاب، وغياب رقابة الأهل خاصة بالنسبة للمراهقين والشباب.
وأشار الألمعي إلى أن بعض الأجهزة الحديثة صارت تعطي تنبيهات حين تجلس إلى الهاتف لساعات طويلة، وهو أسلوب فعال لمواجهة هذا الإدمان، فضلاً عن ضرورة الانتباه لنوعية الألعاب وليس فقط لعدد ساعات الجلوس إليها، لأن بعضها يسبب العنف والتوتر وهنا يكمن الخطر، بسبب حدوث تغيرات عصبية ونفسية نتيجة هذا الإدمان وانعزال الشخص عن المحيطين به، وهذا بحد ذاته قصور نفسي واجتماعي يتطلب التوعية بهذه الأضرار وضرورة الاكتفاء بعدد ساعات معينة للعب، مع التوجه لاهتمامات مفيدة مثل القراءة والرياضة وغيرها من الأنشطة التي تعود بالفائدة النفسية والاجتماعية على الشخص بعيداً عن مخاطر الألعاب الإلكترونية وإدمانها مثل «PUBG» وغيرها.

عوارض صحية سيئة
رداً على سؤال بأن الإفراط في ممارسة اللعبة يؤدي إلى الانطواء والعزلة وبعض العوارض الصحية السيئة، أكد عدنان الحمادي أنه عانى لمدة أسبوعين من الصداع المتواصل في بداية ممارسة هذه اللعبة نتيجة قلة النوم والتركيز العالي، حيث كان ينام 3 ساعات فقط يومياً فتأثرت بالتالي وظائف الجسم وزاد وزنه وانخفض مستوى الأداء في عمله، كما أنه في السابق كان يمارس الرياضة يومياً، والآن مرتين أو ثلاثاً فقط كل أسبوع وهذا بالطبع نذير خطر على الصحة الجسمانية والنفسية والعقلية.
وينصح الحمادي، بممارسة اللعبة والاستمتاع بها ولكن باعتدال وهو ما يعمل عليه حالياً بحيث لا تزيد على ساعتين يومياً، متمنياً حدوث ذلك في أقرب وقت لأن مجريات اللعبة تفرض ممارستها لأوقات طويلة، لأنك إذا لم تلعب بمستوى جيد تنخفض درجتك فيها ما يدفعك للعب المزيد حتى ترتقي بمستواك، وهذا يكون على حساب صحتك ووقتك.

إهمال الواجبات العائلية
أوضح صالح النيادي، اختصاصي العلوم التقنية، أن لعبة «PUBG» استولت على عقول ‏بعض الشباب وحياتهم الشخصية والاجتماعية مشيراً إلى أن الإفراط في هذه اللعبة والألعاب الإلكترونية عامة يؤثر بشكل سلبي على الحياة اليومية للشباب، خاصة الذين لديهم ارتباطات عائلية واجتماعية، حيث إن الجلوس واللعب ساعات طويلة يؤدي لسلبيات عدة منها هدر الوقت، العزلة الاجتماعية، إهمال الواجبات العائلية والعيش ‏في عالم افتراضي كالصداقات التي تتم عبر تكوين الفرق المشاركة، والتي ينخرط فيها الشباب من دول العالم كلها.

تقنيات تفاعلية
يقول المهندس عبدالحميد فتيحي، الخبير في تكنولوجيا المعلومات، إن التكنولوجيا الحديثة تسهم في جعل الشباب أكثر إدماناً على الألعاب الإلكترونية، ومنها لعبة «بابجي»، لأنه يتم بناء الألعاب الحديثة باستخدام تقنيات تفاعلية مع اللاعب مثل الـVR أو بناء شخصيات بدقة عالية مع إيجاد مهمات تنافسية تجذب اللاعبين، كما تسهم جميع شركات الألعاب في إدخال طور «الأونلاين» للسماح للاعبين باللعب مع أصدقائهم من البيت.