بيروت (وكالات)

أثارت تسريبات حول احتمال تكليف وزير سابق برئاسة الحكومة اللبنانية غضب وسخرية المتظاهرين الذين يطالبون، في حراكهم المستمر منذ نحو شهر، بإسقاط الطبقة السياسية بالكامل متهمين إياها بالفساد وبالعجز عن حل الأزمات المعيشية.
وأفادت مصادر مقربة من الحكومة، رفضت الكشف عن اسمها ووسائل إعلام محلية، أمس، عن اتفاق بين كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والتيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، على تسمية وزير المالية السابق محمد الصفدي رئيساً للحكومة الجديدة.
وقال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أمس: إن الصفدي وافق على تولي رئاسة الحكومة المقبلة «في حال حظي اسمه بموافقة القوى السياسية الأساسية المشاركة في الحكومة»، مضيفاً: «يفترض أن تبدأ الاستشارات بعد غد الاثنين».
وأضاف: «إذا سارت الأمور بشكل طبيعي يفترض أن تبدأ الاستشارات ليُسمى الصفدي في ختامها، وإلا سنبقى في دائرة المراوحة بانتظار الاتفاق على اسم رئيس الحكومة».
وتتطلب العملية من عون، التشاور مع أعضاء البرلمان بشكل رسمي حول من يختارونه لرئاسة الوزراء. ويتعين عليه تعيين من يحصل على أكبر عدد من الأصوات.
ولا يزال الحريري قائماً بأعمال رئيس الوزراء في الوقت الحالي.
وسرعان ما أثارت التقارير غضب المتظاهرين في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فاتهموا السلطات بعدم أخذهم على محمل الجد.
وتناقل الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً للصفدي كتب عليها «هل تستهزئون بنا؟». وتظاهر العشرات ليلاً في بيروت وطرابلس احتجاجاً على تسميته.
وفي طرابلس، قال جمال بدوي، البالغ من العمر 60 عاماً: «يثبت طرح محمد الصفدي لرئاسة الحكومة أن السياسيين في السلطة يعيشون في غيبوبة عميقة وكأنهم في كوكب آخر خارج نبض الشارع».
واعتبر الأستاذ الجامعي سامر أنوس، أن الصفدي جزء أساسي من تركيبة هذه السلطة، و«له مشاركة مباشرة في الفساد والاعتداء على الأملاك البحرية»، مضيفاً: «الصفدي لا يلبي طموحات الانتفاضة الشعبية في لبنان».
ومنذ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في 29 أكتوبر أمام غضب الشارع، لم تستجب السلطات لمطالب المتظاهرين، ولم يدع عون حتى الآن إلى استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة، وكان عون اقترح تشكيل حكومة «تكنو-سياسية»، بينما يطالب المتظاهرون بحكومة اختصاصيين مستقلة بعيداً عن أي ولاء حزبي أو ارتباط بالمسؤولين الحاليين.
وبدأ الحراك الشعبي في 17 أكتوبر على خلفية مطالب معيشية، وبدا عابراً للطوائف والمناطق، ومتمسكاً بمطلب رحيل الطبقة السياسية من دون استثناء.
وأعاد متظاهرون، أمس، قطع الطرق في بعض المناطق، واعتصم العشرات أمام أحد مخافر بيروت احتجاجاً على توقيف ناشطين اثنين قبل أن يتم إطلاق سراحهما.
وكانت القوى الأمنية أوقفت خلال الأيام الماضية متظاهرين عدة قبل أن تعود وتطلق سراحهم، وقد بدت على اثنين منهم على الأقل آثار ضرب.
ونفذت مستشفيات عدة، أمس، إضراباً جزئياً ليوم واحد فقط لم تستقبل خلاله سوى الحالات الطارئة تنفيذاً لإجراء تحذيري اتخذته للضغط من أجل تسهيل حصولها على بالدولار الأميركي لشراء مستلزمات طبية، في وقت تمرّ البلاد بأزمة سيولة خانقة.
ولا تزال المصارف مغلقة في كافة المناطق اللبنانية.
وبعد إغلاق أسبوعين على وقع الاحتجاجات التي لم تسلم منها، عادت المصارف لتفتح أبوابها بداية الشهر الحالي، لكن لأسبوع واحد فقط فرضت خلاله إجراءات أكثر تشدداً على بيع الدولار، ثم أغلقت بحجة عطلة رسمية ثم إضراب لنقابة موظفيها اعتراضاً على إشكالات مع مواطنين راغبين بالحصول على مبالغ من ودائعهم. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي، كما تفرض المصارف رسماً إضافياً على عمليات سحب الدولار المحدودة جداً مباشرة منها.

من هو المرشح لخلافة الحريري؟
محمد الصفدي، المرشح لخلافة رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري، هو وزير مالية سابق، ويبلغ من العمر 75 عاماً.
ويشغل الصفدي حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركة شريكة في إنماء واجهة بيروت البحرية، إذ تنتشر على طول الشاطئ اللبناني مشاريع سياحية ومنتجعات، عدد كبير منها يملكه سياسيون.
والصفدي رجل أعمال بارز ومن أكبر الأثرياء في لبنان، وينحدر من طرابلس الشمالية التي يعاني 26 في المئة من سكانها من فقر مدقع، وشغل سابقاً حقائب وزارية. والصفدي عضو بالبرلمان من مدينة طرابلس الشمالية. وسبق أن تولى منصب وزير المالية في الفترة من 2011 إلى 2014 في حكومة نجيب ميقاتي.
وقبيل ذلك شغل الصفدي منصب وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة فؤاد السنيورة الذي كان مدعوماً من الغرب. وتولى المنصب مرة أخرى في الحكومة التي قادها الحريري والتي تولت المسؤولية في عام 2009.
وكان الصفدي جزءاً من تحالف قوى «14 آذار» بقيادة الحريري الذي ظهر إلى الوجود بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والد سعد عام 2005.
وقام التحالف بالحشد ضد وجود القوات السورية التي انسحبت من لبنان في وقت لاحق من العام ذاته، ثم دخل في صراع سياسي على مدى سنوات مع حزب الله الإرهابي بشأن أسلحته.

عون: معالجة أسباب التظاهرات أولى الاهتمامات
اعتبر رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، أمس، أن معالجة أسباب التحركات الشعبية ستكون أولى اهتمامات الحكومة اللبنانية الجديدة.
وأوضح عون، خلال استقباله وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني، أن التعاطي مع المستجدات يتم انطلاقاً من المصلحة الوطنية التي تقتضي تعاوناً مع الجميع للوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
وكان عون أعرب في وقت سابق عن أمله في إمكانية ولادة الحكومة الجديدة خلال الأيام المقبلة بعد.
ومن جهة أخرى، جدد الرئيس اللبناني رفض الاقتراح الأوروبي لدمج النازحين السوريين بالمجتمعات المضيفة، وهو الموقف الذي أعرب الوزير الإيطالي عن تفهمه.

تدخل حكومي لسد «نقص محتمل» في الوقود
أفادت وزيرة الطاقة اللبنانية ندى بستاني، أمس، بأن لبنان سيطرح مناقصة لشراء البنزين في ديسمبر المقبل، مع تطلعه لدرء نقص محتمل في المعروض جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية، وطرح الدولة مناقصة لشراء البنزين أمر غير معتاد في لبنان المعتمد على الاستيراد، حيث جرت العادة أن تتولى شركات خاصة توريد الوقود. لكن الاحتجاجات العارمة على الحالة الاقتصادية السيئة أجبرت البنوك على الإغلاق، وهو ما نال من قدرة التجار على الشراء من الخارج.
وقال إعلان مناقصة صادر عن وزارة الطاقة والمياه: «إن لبنان يطلب 150 ألف طن من البنزين 95 أوكتان على أن تقدم العروض في موعد أقصاه الثاني من ديسمبر».
وأبلغت بستاني قناة «إل بي سي» أنها تتوقع نتائج جيدة من المناقصة وستنظر بعدها كيف ستتحرك السوق.
وكان البنك المركزي قال الشهر الماضي إنه سيعطي الأولوية في استخدام احتياطيات النقد الأجنبي لتمويل مشتريات الوقود والدواء والقمح، لكن التجار يقولون: «إن قدرتهم على تحويل الأموال إلى الموردين تعقدت بفعل إغلاقات البنوك».
وأوضح فادي أبو شقرة المتحدث باسم نقابة أصحاب محطات الوقود، أن واردات الوقود الخاصة جارية، وأن خطة البنك المركزي، والتي تغطي 85 في المئة من احتياجاتهم من الدولار، قد درأت الأزمة.
وتستمر أزمة المحروقات، حيث أُقفلت معظم المحطات، وتواصل المصارف إغلاق أبوابها اليوم، بحسب بيان صادر عن اتحاد موظفي المصارف في لبنان.
وظلت البنوك مغلقة لنحو أسبوعين في أكتوبر، وعاودت الإغلاق الأسبوع المنصرم، بسبب مخاوف أمنية لدى الموظفين. وحُجبت معظم التحويلات إلى الخارج، وفي ظل شح الدولار تراجع سعر الليرة اللبنانية المربوطة به في السوق السوداء.
إلى ذلك، أعلن تجمع رجال الأعمال اللبنانيين، أمس، أن البلاد ستتعرض قريباً إلى نقص حاد في كل المواد المستوردة.
وتهافت اللبنانيون خلال الأيام الماضية على شراء المواد الغذائية، وهو ما أسفر عن فراغ مساحات كبيرة في المخازن التي اضطرت لاتخاذ إجراءات، كتحديد عدد ربطات الخبز التي يمكن شراؤها، وكذلك أكياس الأرز، وبعض المواد الأساسية الأخرى، حسبما أفادت وسائل إعلام لبنانية.