الإشارات الصامتة للأجسام الغريبة تتحدى علماء كوكب الأرض
ركز الباحثون الذين حاولوا إقتناء آثار الكائنات الفضائية وإشاراتها على إجراء مسوحات على مستوى السماء للتعرف على الإشارات الراديوية. لكن تعقب هذه الإشارات قد يصبح في خبر كان إذا كانت هذه الكائنات قد حققت تقدماً تكنولوجياً يضاهي ما حققه البشر على كوكب الأرض أو فاقته. ومن بين السيناريوهات التي تشكل تحدياً لسكان الكوكب الأزرق تطوير الكائنات الفضائية لإشارات وأنظمة إرسال صامتة وغير قابلة للرصد.
كشفت دراسة حديثة أنه إذا كانت الأجسام الفضائية الغريبة قد حققت تقدماً تكنولوجياً يضاهي التقدم الذي حققه سكان كوكب الأرض أو يفوته، فإن سيصعب التعرف عليها، فبالأحرى تعقبها. ويقول دونكان فورجان من جامعة إيدنبورج في اسكتلندا والمشرف على الدراسة «بناءً على النتائج التي توصلنا إليها، فإنه إذا افترضنا أن حضارات هذه الكائنات شبيهة بحضارات كوكب الأرض في أوجهها التكنولوجية والفنية، فإن احتمال حدوث أي اتصال معهم يظل ضعيفاً، إذ إنه لا يتجاوز نسبة واحد في المليون». ويفترض فورجان وأعضاء فريق بحثه أن وتيرة التطور الحضاري والتكنولوجي للكائنات الفضائية شبيه بما يحققه الإنسان على سطح كوكب الأرض. وركز الباحثون على دراسة مدى إمكانية اختراع آليات متقدمة تساعد على تعزيز قدرات تعقب الأجسام الفضائية والتقاط الإشارات الراديوية الدقيقة التي قد تصدرها، وهم يعملون على تطوير تلسكوبات يعتقدون أنها ستفي بالغرض مثل «تلسكوب الكيلومتر المربع»، و»التلسكوب الراديوي» الذي يُتوقع الانتهاء منه عام 2023.
قرن راديوي
في بداية القرن العشرين، كانت الخيارات الوحيدة للاتصال بسرعة عبر مسافات متباعدة هي التلغراف أو ما يصطلح عليه «البراق» أو الراديو اللاسلكي. ومع تطور تقنيات الراديو، تحسنت جودة أدوات البث والاستقبال المرتبطة به. ويقول فورجان «في السابق، كان جهاز الرصد والكشف يستخدم جزءاً بسيطاً فقط من الطاقة، بينما يتبدد الجزء الأكبر من الطاقة المستخدمة في الكون. أما الآن، فعوض أن نهدر كميةً كبيرةً من الطاقة لالتقاط أثر أو إشارة بسيطين، نُرسل كميةً قليلةً جداً من الطاقة ونمتصها بشكل شبه كامل. وبهذه الطريقة تتقلص كمية الطاقة المهدرة بشكل كبير». وقد استُبدلت أجهزة راديو الاتصال التقليدية بمخترعات ومبتكرات تستخدم الضوء لإرسال إشارات رقمية عبر أسلاك ألياف بصرية. وأدى الانتقال إلى البث الرقمي- الذي يُعتمد منذ بضع عقود عبر تسجيل الإشارات الراديوية على شكل مواد تتميز بخاصية الحفاظ على وضوحها عند عبورها مساحات طويلة- إلى تقليص تسرب الإشارات من كوكب الأرض إلى الكون.
معادلة فضائية
لتحديد فرص نجاح تلسكوب الكيلومتر المربع في التقاط رسائل راديوية مبثوثة من كائنات فضائية ذكية، استخدم العلماء نسخاً مشابهةً من حيث البنية لمعادلة «دريك» الشهيرة التي اخترعها عالم الفضاء فرانك دريك. وفي الوقت الذي تُستخدم فيه وصفة هذه المعادلة لتقدير عدد الحضارات الفضائية التي يمكن الاتصال بها من خلال سبعة عوامل أساسية لإنشاء حياة ذكية، يستخدم البرنامج حساب الاحتمالات لإيجاد توزيع فضائي لنجوم المجرات والكواكب.
ويقول فورجان «إن ما نقوم به هو مقاربة الأمر من زاوية مختلفة. فعوض تكثيف كميات كبيرة من البيانات الفضائية في أرقام مختلفة، نعمل على استخدامها واستثمارها إلى أقصى حد». وقد حاول العلماء تكوين صورة دقيقة عن مجرتنا من خلال استخدام بيانات حول كُتل نجوم نوعية ومواقعها وعدد الكواكب وكتلها، بالإضافة إلى قابليتها للسكن والتعمير. وحسب هذه الفرضيات، فإن الحضارات المحتمل تحقيقها تقدماً تكنولوجياً شبيهاً بتقدم الإنسان يمكن أن تبعُد بمسافة 1,000 سنة ضوئية على الأقل.
سيناريو صامت
من بين السيناريوهات التي يدرسها العلماء سيناريو تطوير الكائنات الفضائية لإشارات راديوية صامتة. وهو سيناريو واقعي ومحتمل- يقول فورجان- باعتبار أن تسرب الإشارات يتقلص بتطور التكنولوجيا. ولا يؤثر تصور الإشارات الراديوية الصامتة بأي شكل على تغير المسافة، بل يؤثر على سلم الوقت الذي يمكن خلاله سماع الإشارة. ويضيف فورجان «إذا كان الهدف هو البث لألف سنة، فإن ذلك يمنح وقتاً للعثور على هذا الإرسال قبل توقفه أكثر مما يمنحه إرسال بث لمئة سنة. ويقوم مفهوم «الراديو الصامت» على التقليل من فرص التقاط الإرسال أو سماعه إلى الحد الأدنى». وهذا يعني أن البحث عن تسربات إشارات الراديو ورسائله يمكن أن تُفوت على العلماء الكثير. وما زالت أكثر أجهزة التلسكوب المستخدمة في العالم تجد صعوبةً في تحديد عدد من الإشارات الراديوية الفضائية رغم تطورها.
قابلية الرصد
أشارت دراسات سابقة حول حدود قدرة الرصد والملاحظة لدى تلسكوب الكيلومتر المربع إلى أن هذا النوع من التلسكوبات قادر على رصد إشارات الكائنات الفضائية لمسافات تصل إلى 300 سنة ضوئية خلال مدة شهرين، علماً بأن القوة الدنيا للإشارات المبثوثة من قبل هذه الحضارات الفضائية تعادل أقوى الرادارات العسكرية التي تستخدمها وزارات الدفاع العتيدة على كوكب الأرض. ويواصل العلماء استخدام موجات الراديو للبحث عن الحياة خارج كوكب الأرض نظراً لندرة المصادر الطبيعية للموجات الراديوية في الفضاء، ولكونها تُفتقد من خلال الامتصاص بشكل أسهل وأسرع من أنواع الإشعاع الإلكترومغناطيسي الأخرى- بما فيها الضوء. ويضيف فورجان مستطرداً «تحمل كل إشارة اصطناعية بحد ذاتها مواد لا يبقى لها أي أثر في الطبيعة حتى عندما تتعرض للتشويش أو التدمير».
لايزر ونيترينوات
من بين أهداف بعض الدراسات البديلة استخدام التكنولوجيات ذات إشارات راديوية مميزة، مثل المادة الغريبة الموجودة داخل جزيئة جهاز تسريع، والتكنولوجيات التي لم تُخترع بعد على وجه الأرض مثل الاتصال عن طريق اللايزر والنيترينوات (جسيمات أولية أصغر كثيرا جداً من الإلكترون، وليست لها شحنة كهربية وتفاعلها مع المادة ضعيف جداً، وهي تنتشر حول أجسامنا والكرة الأرضية). ويقول فورجان «إذا وجد شخص ما طريقةً لالتقاط انبعاثات النيترينوات في جسم ما، فإن التكنولوجيا ستجد حتماً بديلاً عن موجات الميجاهرتز الضوئية لأجهزة الهواتف المحمولة لأنه لن يتسن عرقلة مرور الإشارات عبر الحواجز الجدارية أبداً. ولا يعني هذا أن البشرية ستتوقف عن استخدام الراديو. فعوض النظر إلى تسربات الطاقة نتيجةً لإشارات التلفاز والراديو والرادار، يمكننا أن نحول انتباهنا إلى إشارات الأجسام الفضائية الغريبة التي قد تبذل جهداً للتواصل معنا». ويضيف فورجان «إذا بعثنا إشارةً ما في الوقت الحالي، فإن وصولها إلى أقرب نجم سيستغرق أربع سنوات. ومن المحتمل في هذه الحالة أن نتلقى الرد عن رسالتنا بعد مرور مئات أو آلاف السنين. ومن جهة ثانية، قد تكون الحضارات الفضائية الأخرى غير آبهة بالتواصل مع حضارة الأرض أو يئست منها».
عن «كريستيان ساينس مونيتور»
ترجمة: هشام أحناش
المصدر: أبوظبي