لكبيرة التونسي (أبوظبي)
يطمح المواطن صالح محمد بن يعروف المنصوري، صاحب مشروع «الزراعة المائية»، بإصراره وعزيمته، إلى التوسع من خلال تأسيس مشاريع أخرى مشابهة حول الإمارات، وهذه المرة ستكون مزرعة بشاطئ الحديريات على شكل عوامة بمساحة 240 متراً مربعاً وسط البحر، لإنتاج العديد من الفواكه والخضراوات بأنواعها، وهو المشروع الذي سيطلقه قريباً في أبوظبي، بحسب ما كشف لـ«الاتحاد» التي قامت بزيارة إلى مزرعته القديمة بمنطقة ليوا.
وينوي المنصوري أن يجمع فواكه العالم في بقعة أرضية لا تزيد على240 متر مربع بالحديريات، حيث نجح من قبل في زراعة أكثر من 47 نوعاً من الأشجار المثمرة بمنطقة الظفرة، ويتطلع إلى زيادتها إلى 55 نوعاً، ومنها أشجار التوابل والحبوب والورود والكثير من الفواكه الاستوائية، مساهماً في إنتاج محاصيل يستحيل جمعها في مكان واحد وفي فصل واحد، وبجودة عالية ومن دون تربة، موفراً ما يقارب 85% من المياه.
كان المنصوري قد التقى خبيراً أسترالياً بالمصادفة في مجال الزراعة المائية، وبعد الحصول على المعلومات اللازمة عن هذا المشروع، قرر السفر إلى سنغافورة، وخاض تجارب كبيرة، حتى استطاع أن ينقل أحدث التقنيات والتكنولوجيات المتبعة في الزراعة المائية بأبسط الطرق، مستغلاً خبرته في إعادة التدوير، واستغلال جميع الإمكانات لتحقيق إنتاج عالي الجودة بأقل تكلفة.
ألياف النخيل
المنصوري ينتج أجود وألذ فواكه العالم، مستعملاً الزراعة المائية وألياف النخيل، في تجربة قد تحقق الاكتفاء الذاتي من الفواكه الاستوائية والخضراوات والتوابل بالإمارات، في حال تعميمها، في سابقة تعتبر الأولى من نوعها في العالم، كما نجح في زراعة جميع أنواع التمور بطريقة الزراعة المائية، وأشجار العود، ولا يزال يبحث عن زراعة أنواع أخرى. وهو لا يتوانى في السفر إلى مختلف القارات لجلبها من أفضل المختبرات والمزارع، متحدياً الطبيعة، والتي طوعها لتخدم مشروعه، ليكون محطة لتجريب أفضل الطرق لإنتاج فواكه وتوابل من مختلف القارات ضمن 12 بيتاً بلاستيكياً، ليصبح مشروعه قبلة للتوعية وخدمة البيئة والاستدامة والتثقيف الزراعي، ومقصداً لطلاب المدارس والمزارعين والسياح، لاسيما أنه يعتبر من المشاريع الرائدة على مستوى الإمارات والعالم، وتتطلع مزرعته، الموجودة بـ«مزيرعة بمحضر الهويرة»، إلى لعب دور كبير في إنتاج أطنان من الفواكه والبهارات سنوياً، كما يشارك في مهرجان ليوا للرطب في مسابقة «سلة فاكهة الدار»، ويحافظ على المركز الأول منذ خمس سنوات على التوالي، بطرقه الإبداعية ومواصفات منتوجاته العالية.
عود وتمور
وأعرب المنصوري عن سعادته بهذه النتيجة التي ما زالت تبدو مستحيلة، خاصة عندما يشاهد البعض هذه الفواكه الاستوائية، وغيرها، معروضة ضمن فعاليات المهرجانات المحلية التي يشارك بها، فلا أحد يتصور أنها من إنتاج مزرعة بالإمارات، نظراً لندرة زراعتها محلياً، ولذا يقوم بدعوة الحضور للوقوف على هذه التجربة فتكون دهشتهم أكبر.
وأوضح صالح أن شهيته زادت لخوض تجارب أخرى في زراعة فواكه وتوابل وحبوب يستعصى زراعتها في بيئة الإمارات، مشيراً إلى أنه نجح في زراعة أنواع عدة من التمور، من بينها «تمر المجدول» بطريقة الزراعة المائية، وكذلك زراعة شجرة العود، وعن ذلك يقول: «نعمل على تهيئة البيئة لزراعة كل منتج، وبدأت التجربة بزراعة أنواع من النخيل التي تتفاوت أعمارها من ناحية طرح الثمار، فهناك أنواع أعطت حصيلة جيدة، منها بومعان الخنيزي، المجدول، الصقعي، الدباس، فكوس، خلاص، برحي، وبوبديعة، جش فاطمة، والمبروم، وغيرها».
ويضيف: «عندما يصل عمر النخلة إلى 8 سنوات نعمل على نقلها إلى مكان أوسع يلائم حجم الجذور، ونستعمل في هذه الزراعة كل ما هو اقتصادي من حاويات الأشجار المعاد تدويرها، كما نعمل على إنشاء بيئة تناسب كل شجرة من مناخ ومياه وهواء، فهناك الأشجار الاستوائية، وهناك الحمضيات والكروم، وغيرها من الأنواع والأصناف، وتمت تجربة زراعة البن والعود، وأعطت نتائج جيدة، أما بالنسبة لشجرة العود فإننا نعمل على جلب البكتيريا لإحداث التفاعل الذي ينتج عنه العود بجودة عالية».
تنمية مستدامة
وعن خاصية الزارعة المائية، قال المنصوري: «إنها مقاومة للأمراض، مقارنة ببقية الزراعات الأخرى، كما أنها اقتصادية أكثر من الزراعة التقليدية، وتحقق إنتاجية أعلى من الزراعة في التربة»، مؤكداً أن بعض الفواكه تنتج مرتين في السنة، لذا تُعد من أنجح الوسائل الزراعية المناسبة لطبيعة ومناخ الإمارات، ولاسيما أنها تساهم في توفير أكثر من 85 في المئة من المياه المستخدمة في الري، وهو ما يساهم بشكل فعال في الحفاظ على الموارد المائية، ويحقق مفهوم التنمية المستدامة، موضحاً أن مزرعته تتوافر على محطة لتحلية المياه، كما تشتمل على خزان كبير تحت الأرض بسعة 400 جالون، لتنقية الراجع من الماء عبر القنوات، والفائض عن الري لإعادة استعماله مرة أخرى، مؤكداً أنه بدأ في استخدام أسلوب زراعي مبتكر، يتسم باستخدام كميات قليلة من المياه على قدر الاستهلاك الفعلي للنباتات. وهذه الكميات تكون مدروسة ومحدودة، ويكون مقدار الفائض من المياه المستخدمة في الزراعة بسيطاً جداً، وهو ما يمنع هدر المياه. مشيراً إلى أن الزراعة المائية يمكنها أن توفر نسبة 90% من الحاجة لاستخدام الأسمدة، مما يقلل الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيئة والمياه الجوفية، عدا عن زيادة الإنتاج بنسبة تصل إلى 300% في بعض المنتجات وإطالة عمر النبات ومقاومته للعوامل الجوية، بالإضافة إلى التخلص من أمراض التربة.
تجارب ناجحة
بدأ المنصوري في زراعة الخضراوات، في مطلع عام 2011، موضحاً أن المشروع بمنطقة الظفرة كان متواضعاً، ولكنه يدر دخلاً جيداً، حيث كان يعرض منتجاته في السوق المحلية بمساعدة مركز خدمات المزارعين، وأضاف: «أنتجنا أنواعاً غريبة ومختلفة من الخضراوات، منها الطماطم مع البطاطا من شتلة واحدة، البروكلي، الهيليون، الطماطم الصفراء والسوداء، الخس بأنواعه، سبانخ، وغيرها، كما بدأت في تجريب الشمام المتسلق، والبطيخ المتسلق»، ولم يتوقف عن إجراء التجارب على زراعة شتلات لبعض أصناف الفاكهة الشجرية، التي تم استقدامها من موطنها الأصلي، بل نجح في توفير البيئة المناسبة لها، ومازال يبحث عن المزيد، لإنشاء مزرعته الجديدة بالحديريات، لتعمل على توفير الطاقة والمياه في آن واحد، وتكون مستدامة ونموذجية، وتحوي أصنافاً من الفواكه والخضراوات، لا يتصور أحد أنها تصلح للزراعة في البيئة الإماراتية.