الهنوف محمد: هناك مقاومة استثنائية ونبيلة مازال يمارسها الشعر ضد كل أعداء الحياة
يصدر قريبا للشاعرة الهنوف محمد كتاب يجمع ثلاثة دواوين شعريه لها وهي ديوان: “سماوات” الذي نفذت طبعته الأولى، وديوان “جدران” التي سبق أن نشرته الشاعرة قبل سنوات وصدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، بالإضافة إلى ديوانها الجديد الذي لم ينشر وهو بعنوان “إنّي لأجد ريح يوسف”.
وسيصدر الكتاب عن قسم النشر بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، ضمن خطته السنوية للنشر.
تكتب الهنوف قصيدة النثر بروحية خاصة تجمع بين التأمل الذاتي والتكثيف الفني وإقامة حوارات شعرية بين ذاكرتها الشخصية وارتحالاتها الصوفية نحو غايات تغصّ بمجهولها كما بنشوتها وهيامها المتجاوز للدنيوي والأرضي والمؤقت.
فرغم تخبطاتنا المدوّخة في زمن يموج بالتغيرات العنيفة وبفوضى الحواس المضادة والمهددة لشفافية الشعر ولأسفاره الداخلية وعزلته الذهبية في معبد الروح، ألاّ أن الهنوف محمد تصرّ على أن هناك مقاومة استثنائية ونبيلة مازال يمارسها الشعر ضد كل أعداء الحياة وضد كل مشعلي الحرائق في غابات الجمال وحقول الحرية.
انطلق الصوت الشعري الخاص والمختلف للهنوف في بداية التسعينيات عندما كان المناخ الشعري في الإمارات وقتها فائضا بسحره وإغواءاته وتمرداته الفاتنة، حيث خرجت من معطف هذا التمرد الأدبي مجموعة من النشرات الشعرية المتخلصة من القيود والشروط والإملاءات الشكلية، انشغلت النصوص الجديدة واللاهبة وقتها بانتمائها الحار والمخلص للكتابة والتجريب والبحث في مسارات النص الغائر والمسترسل نحو ماء الحلم وينابيع الرؤيا.
البدايات
ففي بداية التسعينيات ظهر صوت الهنوف الشعري في نشرتي “النوارس”، ثم نشرة “رؤى” مع مجموعة من الشعراء الشباب الذين ما زالت نصوصهم اللامعة تثير بروقا ملهمة وخضراء في ليل الصحراء الطويل.
“الاتحاد” التقت بالشاعرة الهنوف للتعرف على الصدى الشخصي لإصدار مجاميعها الشعرية رغم قلة منتوجها الشعري ورغم تجربتها التي ما زالت مفتوحة على المغامرة الشعرية المهيأة للبحث والتجريب واقتحام فضاءات سردية أخرى مثل القصة والرواية، والكتابة أيضا للسينما والمسرح من بوابة النص البصري المجسّد لرهانات الشعر والمخيلة المتفردة.
تكريم
أشارت الهنوف بداية إلى إن إصدار كتاب يجمع دواوينها الشعرية الثلاثة هو بادرة مقدّرة، وهو أشبه بتكريم مبكر من قبل وزارة الثقافة لمنجزها الشعري المكثف والقابل للدخول في تجارب أكثر عمقا وانتباها لقيمة الشعر جماليا وإنسانيا، وقالت إن إصدار الكتاب سوف يشكل تحديا وحافزا شخصيا بالنسبة لها للتواصل مع هذا العالم الخاص المفعم بنقائه وديمومته لأن الشعر ــ كما قالت ــ هو أصل كل الفنون وهو المحرك الأساس للذائقة المغرية والجاذبة التي حامت عليها الفنون السردية والبصرية الأخرى الخارجة من ملكوت الطبيعة البكر، ومن مفردات القصيدة الإنسانية الأولى.
انشغالات
وبررت الهنوف أسباب توقفها لفترة طويلة عن الكتابة الشعرية إلى انشغالات الحياة المرهقة التي تزيح وتقلق الهدأة الداخلية وتشوش نفاذية الخيال وتأمل الذات والوجود وقراءة الحياة من جانبها المضيء والمستتر في ذات الوقت، وأوضحت الهنوف أن هذا التشويش الداخلي أثر أيضا على الكثير من الأسماء الشعرية اللافتة التي خفت صوتها فجأة واختفى حضورها وسط هدير الظروف المعاكسة التي تمثل شرطا قاسيا ومؤلما لكل المبدعين.
من جهة أخرى أشارت الهنوف إن اهتماماتها الأدبية والفنية تتنفس من حين إلى آخر في حقول أخرى مثل السينما والمسرح، حيث بدأت في كتابة بعض السيناريوهات لأفلام قصيرة، والتي تتمنى أن تتجسد بصريا يوما ما على الشاشة، كما أنها تجد في البروفات المسرحية التي تتابعها حراكا ومتعة والتحاما حقيقيا بمعنى الفن وبمعنى الإخلاص والانتماء لهذا الفن.
الدوواين
وعن الفوارق الأسلوبية في دواوينها الثلاثة أوضحت الهنوف بأنها كانت فوضوية ومتمردة في ديوانها الأول: “سماوات”، بينما كانت مفردات وتعابير الألم مهيمنة على ديوانها الثاني: “جدران”، أما ديوانها الثالث الذي لم ينشر بعد رغم مرور عامين على الانتهاء منه فوصفته بأنه ديوان يجمع تأملاتها الصوفية السارحة والمشفوعة بالهدوء والاسترسال والمفردات الواضحة المتجاوزة للقلق الغامض في كتاباتها السابقة.
وعن الشعراء الذين تعتقد أنها تتقاطع معهم روحيا ويثيرون لديها شرارة الكتابة، قالت الهنوف إنها لم تتأثر بشاعر معين، لأنها تقرأ للجميع وباختلاف رؤاهم وأساليبهم، وإن كان الشاعر أدونيس يمثل لديها نموذجا خاصا للشاعر الذي ينسج فضاء قصائده على أفكار مكثفة ومركزة وينطلق من خلال هذه الأفكار نحو كتابة صافية ورشيقة ومتجلية، كما رقصة الصوفي حول نار المعنى” .
وتصف الهنوف المشهد الشعري في الإمارات حاليا بأنه مليء بالتشعبات والمسارات المتداخلة التي باتت تفضي إلى متاهة إذا تعلق الأمر بتوصيف هذا المشهد وتحديد ملامحه،
وأوضحت أن القصيدة تمر حاليا بفترة خفوت وضمور، وقد يكون الحال هذا مؤقتا ــ كما أشارت ــ لأن هناك من يعمل لبث روح الشعر في مجالات أخرى مثل السينما والتشكيل والمسرح، وهؤلاء لاشك سوف يمنحون الشعر طاقة الأمل التي يستحقها، ودم ونبض التجربة التي لا يمكن لها أن تجف أو تتعطل ــ كما قالت ــ “ما دامت الحياة نفسها تتنفس القصيدة وتعانقها في السر والعلن” !.
المصدر: الشارقة