دعا المشاركون في ندوة “الإعلام العربي الإفريقي: صورة الواحد في إعلام الآخر” وهي إحدى الندوات القيمة التي اقترحها موسم أصيلة الثقافي الدولي، في دورته الـ 33، إلى ضرورة خلق المنتدى الإعلامي العربي الإفريقي، وضرورة خلق قنوات للاقتراب من الإعلام الإفريقي، ورفع التحديات التي تقف في وجه هذا الإعلام الذي يعاني من مشاكل عدة تعيق وصول الخبر أو المعلومة من القارة السوداء إلى العالم العربي، والعكس صحيح بالنسبة للإعلام العربي والمغاربي. حيث اتفق أغلب المشاركين في هذا اللقاء على أن الإعلام العربي يعتمد مند عقود على وسائل الإعلام الغربية للحصول على الأخبار التي تهتم القارة الإفريقية، والتي تشكل مساحات واسعة منها جزء لا يتجزأ من العالم العربي. لقاء النخب وقال محمد بنعيسى مؤسس ومنظم موسم أصيلة، إن موضوع هذه الندوة يذكرنا ببدايات تأسيس موسم أصيلة الثقافي الدولي الذي كبُر بفضل دعم ومساندة من ترددوا عليه وآزروه من مفكرين وباحثين ورجال سياسة وأعمال وفنانين وإعلاميين. واستحضر صورة الشاعر الرئيس السينغالي ليوبولد سيدار سنغور، وحماسه لتأسيس المنتدى العربي الإفريقي، معتبرا الراحل سنغور الصيغة الفكرية لجامعة المعتمد ابن عباد الصيفية، التي كثر المنتسبون إليها من عرب وأفارقة وغيرهم مع توالي دوراتها. وأضاف بنعيسى في كلمته التي ألقاها في افتتاحية “الندوة أردنا أن يكون هذا الفضاء الثقافي منذ ذلك الحين، جسر تواصل معرفي بين النخب بمختلف تعبيراتها الفاعلة في المجالين الجغرافيين الشاسعين العربي والإفريقي، ما تجسَّد بالفعل في تنظيم عدة ندوات وتظاهرات تناولت بموضوعية وهدوء، ما باعد في حينه، بين العرب والأفارقة من جهة وبينهم وبين الغرب، وما ينبغي أن يتحول إلى عوامل مساعدة على مزيد من التعارف والتواصل، إن على المستوى الإنساني أو في إطار الانشغالات المشتركة”. وأكد بنعيسى إن الوسائل التقنية أصبحت متوفرة في الزمن الحاضر أكثر من ذي قبل. لم تعد الموانع السياسية جاثمة على الصدور بمثل ثقل الماضي. العرب والأفارقة، كل حسب ظروفه وخصوصياته السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الإعلامية، يسعون إلى تشييد الديمقراطية وأنظمة الحكم الرشيد والتعددية السياسية في بلدانهم. مؤكدا أن الإعلام في بلداننا أخذ يبتعد عن السلطة شيئا فشيئا تبعا لتجربة كل بلد وظروفه. واعتبر بنعيسى ان هذه الندوة ترمي إلى تسليط الضوء على “طبيعة الصورة التي يمتلكها الواحد عن الآخر، التي ترسمها وسائل الإعلام العربية الإفريقية وترسخها في أذهان ووجدان المستهلكين للمادة الإعلامية، من حيث بنائها والعوامل المتحكمة في بلورتها”ن مشددا على أن “الصورة التي نختزنها في ذاكرتنا عن بعضنا البعض لا تسر أحدا، بسبب العوامل الكثيرة التي تداخلت في إنتاجها وتسويقها على نطاق واسع لغايات مقصودة ومعروفة”. وأضاف بنعيسى “إن المقصود من تنظيم هذه الندوة ليس تبادل اللوم ولا تحميل الأجنبي من خلال وسائل إعلامه النافذة والمؤثرة، كونه روج صورا سلبية عنا وعمل على ترسيخها حتى صدقناه في بعض الأحيان. ذاك نقد لا يجدي نفعا، في اعتقادي. سيظل الاعتماد قائما إلى حين على وسائل الإعلام الأخرى في نقل صورتنا لنا وللآخر بسبب الهوة التكنولوجية والثورة الرقمية وما يشهده عصرنا من تفجير وانفجار المعلومات. لكن بإمكاننا في إفريقيا والعالم العربي المساهمة في رسم ملامح الصورة وتوجيه العدسة والكاميرا نحو الهدف المبتغى، فالغرب هو الآخر تطور وربما أصابته صحوة ضمير وبدأ في مراجعة المسلمات النمطية التي كونها عن العرب والأفارقة الذين صدقوها بسبب انسداد قنوات التواصل بيننا”. مؤكدا على “ضرورة الاستفادة من منجزات الإعلام الأجنبي الذي لا يمكن وضعه في سلة واحدة. وأول درس في هذا الصدد هو استيعاب قيم المصداقية والموضوعية والتحكم في الأهواء العاطفية والإيديولوجية والأحكام المسبقة. إذا تقيد الإعلاميون العرب والأفارقة بما يناسبهم من تلك القيم والمبادئ فإن الصورة التي سنرسمها عن أنفسنا ستكون جذابة وأكثر إقناعا لنا ولغيرنا، بما فيها من وضوح وصفاء أو رتوش”. واعتبر محمد بنعيسى، في مداخلته، إن بلداننا “تطورت في المجالات السياسية وحقوق الإنسان وانتعاشة المجتمع المدني وكثرة تعبيراته، فأن ذلك اقترن بظهور فاعلين ومتدخلين جدد في مجال إنتاج الصورة الإعلامية، وأقصد هنا المنتوج الإعلامي برمته. لم تعد الوسائل التقليدية من إذاعة وصحافة وتلفزيون، المحتكرة وحدها للمستهلكين، المتحكمة في تكييف آرائهم، بل انتشرت غرف الدردشة وأندية التواصل على نطاق واسع، وأصبح في إمكان هؤلاء الوافدين المزاحمين الجدد، أنتاج صورتهم وبثها وتوزيعها عن طريق الفايس بوك، والتويتر وغيرهما.مشددا على أنه لا ينبغي أن لا يخيفنا هذا التحول المتواتر السرعة. نعم قد يشوش علينا ولا نعرف كيف نحاوره ونتواصل معه، فقد كون لنفسه مدونة يلوك بديلة. انهم يشتغلون على هامش مدونات السلوك التقليدية. لكن في جميع الأحوال يجب تجنب الاصطدام معهم بل المراهنة على التوجهات الإيجابية لهؤلاء الفاعلين الذين أصبحوا “زملاء” بالقوة والأمر الواقع. بلا طرف ثالث أما راشد صالح العريمي، رئيس تحرير صحيفة “الاتحاد” فطالب في مداخلته “أن تكون علاقة العرب والأفارقة ببعضهم البعض علاقة مباشرة دون التأثر بطرف ثالث أو من خلاله، حيث أن مصادر المعلومات لنا اليوم كعرب عن إفريقيا غالبا ما تكون غربية، وتحمل في مضامينها أوجه سلبية (الحروب الأهلية، المجاعات، الاضطرابات، الجرائم والحروب، المرتزقة... إلخ)، ما يتطلب توفير مؤسسات افريقية عربية تنقل الأخبار دون التركيز على السلبيات، وإغفال الايجابيات”. واعتبر العريمي “إن الاهتمام العربي بإفريقيا كان واضحا خلال فترة الستينيات، حيث استفاد الإعلام آنئذ من الزخم المتمثل في حركات التحرر الوطني، إلا أن هذه الطفرة لم تسفر عن تدشين جيل من الإعلاميين العرب المتخصصين في الشأن الإفريقي”. وأضاف: “لاشك أن تطوير علاقات عربية افريقية لابد أن ينطلق من قناعات مشتركة لدى الطرفين لنقل هذه العلاقات نحو آفاق أرحب”. ورأى إنه توجد صيغتان متكاملتان لتحقيق هذه الغاية هما: 1 ـ توجيه المزيد من الاهتمام نحو منظمات المجتمع المدني في البلدان العربية والإفريقية وإيجاد صيغ للتواصل والتعاون وتبادل المعارف والخبرات بين هذه المؤسسات، لإنتاج خطاب موجه للنخب المثقفة وقادة الرأي كي يتعمق التواصل وتزادا مردوداته الايجابية. 2 ـ كما يمكن صياغة آليات للتعاون العربي الإفريقي في مجال الإعلام، سواء من خلال تنظيمات إقليمية كالجامعة العربية أو الاتحاد الإفريقي أو اطر ثنائية بين الدول”. ويرى العريمي، أن مناحي التعاون يجب أن تبدأ بكل ما هو مهني في الإعلام سواء تعلق الأمر بتدريب الكوادر أو تبادل الخبرات والمساعدات الفنية، على أن تمر في طريق المسؤولية الإعلامية والرؤية الناضجة، ومن المهم أن يسير هذا التعاون في اتجاهين، أي يخدم مصالح كل طرف ويضمن تبادل المنفعة المتوازنة. طفرة الإعلام أما ماضي عبدالله الخميس، أمين عام الملتقى العربي الإعلامي، فقد أوضح أن الإعلام تخطى عقبات كثيرة وعديدة خلال الألفية الماضية، وبدأت الألفية الجدية بطفرة كبرى في الإعلام ووسائله المختلفة، وخرج الإعلام من حدود التعريف التقليدي للمصطلح، وأصبح إطاره أكثر اتساعا وشمولية من المفهوم العادي الذي تداولته الكتب والأبحاث والنظريات، فأصبحنا نعول على الإعلام في بناء العلاقات الدولية بين الشعوب والدول، وزادت مقومات الإعلام كثيرا حتى أصبح يمتلك القدرة على نقل المجتمعات نقلات نوعية كبرى في مجلات التنمية البشرية والاقتصادية، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية وتوطيدها داخل المجتمع الواحد. ولا شك أن الإعلام، يقول ماضي الخميس ـ هو إحدى أهم الآليات التي عن طريقها يتم التعاون الجاد والمثمر بين الدول والمجتمعات بشكل عام. فقد تخطى الإعلام كونه مواد تبث عبر شاشة صغيرة، او كلمات تكتب في الصحافة أو تسمع عبر الأثير إلى عملية اتصال كاملة، قادرة على التأثير في كافة الأحداث سلبا وإيجابا، وأصبح الإعلام جزءا من عملية أكبر وأشمل وأكثر اتساعا هي الاتصال، وعلى اتساع هذا المصطلح وشمولية مفهومه التي يتفاعل بها الناس لإحداث تكامل ذاتي وجماعي، أصبح الاتصال أحد أهم الأدوات التي عن طريقها يحدث التكامل بين الدول، شعوبا وأفرادا”. وأضاف: “ان العلاقات السياسية لاشك أنها تؤثر كثيرا على العلاقات الإعلامية، ولقد تأثرت الصورة الذهنية الإفريقية في الإعلام العربي كثيرا بالأوضاع السياسية المختلفة التي تشهدها بعض بلدان القارة، ومن المعروف والمقطوع بصحته أن العلاقة بين الدول العربية والإفريقية علاقة قديمة جدا، ولكنها مرتبطة في الإعلام بصورة، جزء كبير منها سلبي، فنحن عادة ما نرتكب نفس الخطأ الذي يرتكبه الأفارقة أنفسهم، وهو أننا نعتمد على وسائل إعلام غربية في الحصول على المعلومات الثقافية والسياسية والاجتماعية الخاصة بالقارة الإفريقية وشعوبها، دون أن يكون للإعلام العربي ذراع حقيقية في تلك البلدان. ولذلك نحتاج إلى تواصل حقيقي ومباشر مع شعوب القارة وأعلامها، لمعرفة المعلومات الثقافية والسياسية والاجتماعية واكتشافها بأعيننا، لا بأعين وعدسات الآخرين”. وختم الخميس: “إننا في هذه المرحلة الدقيقة جدا من عمر السياسة العربية، وما نشهده من تواتر في الإحداث، وما نتنسمه من عبير الربيع العربي، نحتاج إلى إعلام عربي يمتلك القدرة على مواكبة تطلعات الشعوب العربية، ويساهم في تحقيق ما نصبو إليه من ديمقراطية وحرية، فالإعلام العربي بكل وسائله وكوادره هو الأجدر بتحقيق ذلك، فنحن نريد إعلاما يبني جسور التعاون بين العالم العربي ومختلف الأمم. وتابع الخميس: نريد إعلاما عربيا قادرا على تقديم صورة صحيحة وايجابية عن ربيعنا العربي، فشبابنا العربي الآن هو من يتصدر المشهد السياسي العالمي، والأجدر بنا كإعلاميين عرب أن نواكب ذلك وندعمه بكل ما أويتينا من قوة وموارد، فنحن نقف الآن على اعتبا تاريخ تُكتب فصوله على أعيننا، فإما أن نكون نحن من يشارك فيه ويرصده ويكتبه، أو نترك الغير يكتب لنا تاريخنا”.