فاطمة عطفة (أبوظبي)
«الكتابة هي فعل مقاومة، عندما أكتب أتوجه إلى مكان آخر، مكان يتحدث عن الناس والمجتمع، والدور الرئيسي للكاتب في هذا المكان أن يعيد المعنى للكلمات، أن يعطي الكلمات احتراماً وإعادة اعتبار، لكن الروايات والقصائد لا تعمل.. إذا كنتم كتّابا انتظروا نتيجة الكتابة للمستقبل ولا تيأسوا».
هذا ما جاء في حديث الروائي إلياس خوري في الجلسة الحوارية التي نظمها معهد جامعة نيويورك أبوظبي مساء أول أمس، احتفالاً بمرور عشر سنوات على تأسيسه. وقد أدار الجلسة الكاتب بلال أورفلي، رئيس قسم اللغة العربية والشرق الأدنى، وهو أستاذ مشارك في الدراسات العربية، بالجامعة الأميركية في بيروت، حيث استعرض لمحة موجزة من مسيرة الروائي إلياس خوري وتطورها خلال السنوات العشر الماضية، لافتاً إلى مناقشته لروايته الشهيرة «باب الشمس»، وإلى رواية «اسمي آدم» التي سوف تصدر ترجمتها بالإنجليزية عن كامبريدج قريباً.
وبدأ خوري الحديث قائلاً: كل ما أعلمه أن على الكاتب أن يكتب، وأنا أعرف أن الكتابة حب، ولا يمكن أن تكتب إن لم تحب الكتابة. والآن، خلال ما يحصل في العالم كله وخاصة الكوارث التي انطلقت فيما سمي الربيع العربي، هل نسينا الاحتلال الإسرائيلي؟ هل نسينا إسرائيل، المؤسسة العنصرية في هذه المنطقة؟ وأضاف خوري: لقد أصبح الاحتلال نوعاً من العنصرية. وأوضح أن قيم الإنسانية مختلفة. كانت الإنسانية مبنية على كرامة الإنسان، اليوم نحن نواجه واقعاً مريراً يتجه إلى أبشع ما مر في التاريخ، وهذا الأمر يعتمد علينا. هل نريد نحن بالعالم العربي أن نتقدم؟ إذاً، علينا أولا بالحب، لأن علاقة الحب معتمدة على الشخصيات التي نكتب عنها.
وعن الفصل بين السياسي والكاتب رد قائلاً: «أنا أكتب المقالات ولست زعيماً، ولا كاتباً سياسياً، لكن أنا أعلق كمواطن. إذاً، الكتابة السياسية هي قول الحقيقة. إدوارد سعيد كان يقول الحقيقة، وأنا أقول الحقيقة. ولكن الروائي ليس عليه أن يقول الحقيقة، لأن كتابة الرواية ليست قول الحقيقة، بل هي اكتشاف الحقيقة، عليك من الخيال أن تصنع واقعاً، مشيراً إلى رواية «باب الشمس» التي استوحاها عندما احتلت إسرائيل الأرض في منطقة اسمها (إي ون)، وبنوا قرية بالخيام وسموها «باب الشمس». ولما اجتمع الشباب الفلسطيني جاءتني الفكرة، وكانت هذه المرة الوحيدة التي جاءتني من الخيال. بهذا الشكل يصبح الأدب حقيقة، أنا لم أكتب عن فلسطين كتبت عن الفلسطينيين.
وتحدث خوري عن الصمت فقال: (كيف نجعل الصمت يتحدث)، في رواية «اسمي آدم» في 1948 كان هناك مدينة اللد، كان سكان هذه المدينة أكثر من 20 ألفاً وفي 12 يوليو حدث مذبحة في فلسطين، وطردوا السكان ليصبح عدد المهاجرين 50 ألفاً، وكان الجميع يتحلقون حول المسجد والكنيسة، وجاء الإسرائيليون وسجنوا الأشخاص في معتقل «غيتو». هذه التجربة رهيبة، لم يتم الكتابة عنها. عندما قابلت بعض هؤلاء الأشخاص كان مستحيلا أن يقصّوا عليّ ما حدث، بل الصمت هو الأكثر تعبيراً. والصمت كيف نجعله يتحدث بعمق عن المأساة. وأضاف: نحن جيل ما بعد الصمت، الصمت هو الموت، صمت الضحية أمام قاتله، بما يعني فقدان الأمل. وقال إنه لا يمكن فصل القص عن الصمت، إن مجتمعاتنا صامتة، ودورنا هو التفاوض مع الصمت، والصمت هو الضحية، يشير لنا إلى طرق جديدة في كيفية الحديث، وأن علينا أن نتحدث بطريقة مختلفة، أن نبتكر أملا أو نقترح أملا. إن الواقع مرير، نريد أن نكتبه. وفي القرن العشرين، فإن العالم العربي يخوض تجربة يجب كتابتها.
وكان قد افتتح الجلسة مدير معهد جامعة نيويورك د. فليب كينيدي مرحباً بالحضور وبالروائي إلياس خوري الذي كان ضيفاً على الجامعة قبل عشر سنوات.