العجز التجاري... يقلص نمو الناتج الأميركي
أدى العجز القياسي الذي وصله الميزان التجاري الأميركي بوتيرة شهرية إلى تعميق الخلل في المبادلات التجارية الأميركية بشكل غير متوقع خلال شهر أغسطس الماضي، ما دفع المراقبين إلى تقليص توقعاتهم بشأن النمو الاقتصادي، وأدى إلى تغذية الحملة الانتخابية بمزيد من القضايا السجالية التي تضاف إلى موضوعات أخرى حساسة، مثل تعهيد الوظائف، وصعود الاقتصاد الصيني.
وحسب وزارة التجارة الأميركية، فقد وصل العجز التجاري في مجال تبادل السلع والخدمات إلى 46 مليار دولار، يأتي ما يزيد عن نصفه من التعامل مع الصين. وهي الوتيرة التي تتسق مع نتائج العام الجاري إلى حدود أغسطس الماضي عندما ارتفع العجز بنسبة 43 في المئة ليبلغ 335 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتأتي هذه النتائج التي أعلنتها وزارة التجارة الأميركية عشية التقرير نصف السنوي الذي ترفعه وزارة الخزينة إلى الكونجرس والذي قد يشير إلى أن الصين تتلاعب بعملتها، وهي الخطوة التي يتردد أوباما في القيام بها رغم الرأي السائد على نطاق واسع بأن بكين تُبقي عملتها منخفضة لدعم صادراتها الصناعية، بحيث يساعد اليوان الضعيف في اختراق المنتجات الصينية الرخيصة للأسواق العالمية، سواء في أميركا أو غيرها. والحقيقة أن الشكاوى بشأن العملة الصينية ارتفعت نبرتها في الأسابيع الأخيرة وسط المخاوف الدولية من اندلاع حرب عملات، لاسيما في ظرف يحتد فيه النقاش الاقتصادي على الصعيد الداخلي وتستفحل فيه مشكلة البطالة في الولايات المتحدة، وهو ما ترجمته أغلبية المشرعين في مجلس النواب التي غادرت واشنطن لإطلاق حملتها الانتخابية بالمصادقة على فرض مجموعة من الرسوم الجمركية على البضائع الصينية.
ومع أن وزارة الخزانة تحفظت عن التعليق حول نتائج وزارة التجارة، والتي توضح تعاظم العجز التجاري الأميركي لصالح الصين، إلا أنه ومع تنامي الضغوط السياسية، رفع البيت الأبيض مؤخراً من حدة انتقاداته للصين بسبب رقابتها الصارمة على العملة ليدفعها في النهاية إلى رفع طفيف في قيمة اليوان، بحيث قفزت قيمته منذ شهر يونيو الماضي بنسبة 7.2 في المئة مقارنة بالدولار الأميركي. لكن مع ذلك يعتقد الخبراء أن اليوان مازال منخفضاً بواقع 20 في المئة، معتبرين أن هذا التخفيض هو العامل الرئيسي وراء اختلالات التجارة العالمية التي تهدد النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، فيما يذهب آخرون إلى أن المشاكل التجارية والاقتصادية التي تعاني منها أميركا حالياً ترجع بالأساس إلى ضعف ثقافة الإدخار لدى الأميركيين وتحول الصين إلى هدف سياسي سهل كلما تعقدت الأمور في الداخل الأميركي، وهو ما يؤكده "أوديد شبنكار"، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوهايو والمختص في الشؤون الصينية، قائلا: "لا شك أن الصين تحولت اليوم إلى كبش فداء"، لاسيما في ولايات مثل أوهايو التي تعاني من تفاقم مشكلة البطالة وتراجع الوظائف في القطاع الصناعي. وأضاف "شينكار" أن احتمالات إشارة أوباما إلى الصين كدولة تتلاعب بعملتها، تبقى قائمة لأن الإدارة في حالة من اليأس بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، لكن من جهة أخرى يستبعد "كلايد بريستويتز"، المسؤول السابق بوزارة التجارة في إدارة ريجان، إمكانية إشارة أوباما إلى الصين كبلد يتلاعب بالعملة، والسبب كما يقول "إن هناك جوانب أخرى للتعاون تنتظرها أميركا من الصين، فالأمر لا يقتصر على النواحي الاقتصادية".
ورغم ما تشير إليه البيانات التجارية الأخيرة من استمرار الصادرات الأميركية في التعافي من تداعيات الركود بعدما ارتفعت صادرات الولايات المتحدة في الفترة بين يناير وأغسطس من السنة الجارية بنسبة 18 في المئة لتصل إلى 1.2 تريليون دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. إلا أن ذلك صاحبه أيضاً ارتفاع في الواردات الأميركية خلال الفترة نفسها بنسبة 22 في المئة لتصل إلى1.5 تريليون دولار. وقد تركز ارتفاع الواردات خصوصاً في مجال السيارات التي صعدت بنسبة60 في المئة، هذا بالإضافة إلى الواردات الأميركية من النفط وباقي المنتجات الصناعية التي ارتفعت بنسبة 39 في المئة إلى 399 مليار دولار فيما تصاعدت الواردات من السلع الاستهلاكية بنسبة 13 في المئة لتبلغ 317 مليار دولار. وإلى حدود شهر أغسطس الماضي، وصل العجز التجاري الأميركي مع الصين في السلع والخدمات إلى 173 مليار دولار بزيادة نسبتها 21 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
لكن، وبالإضافة إلى الصين، أعلنت أميركا عن أرقام أخرى للعجز التجاري مع باقي شركائها الاقتصادين، مثل كندا والمكسيك واليابان ألمانيا. وبسبب هذا العجز المتفاقم في الميزان التجاري تقلص النمو الاقتصادي الأميركي خلال الربع الثاني من العام الحالي إلى 7.1 في المئة.
وفي هذا السياق توقع الاقتصادي "بول دال"، من شركة "كابتال" الاستشارية في كندا، أن يتواصل العجز التجاري الأميركي خلال الفترة المقبلة، وإن كان التراجع الكبير في قيمة الدولار سيفيد الصادرات الأميركية، هذا التراجع الذي قد يتعمق أكثر مع ترقب إعلان الاحتياطي الفيدرالي تخفيف السياسة النقدية الأميركية بإطلاق حزمة جديدة من السندات الحكومية في الأسواق لتحفيز النشاط الاقتصادي.
دون لي - واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«إم. سي. تي إنترناشونال»