(1) مجموعة من الأعراب العباقرة سمعوا مؤخرا بأن الأميركان صعدوا الى القمر، فاجتمعوا وشرعوا يجرون بالدراسات ويضعون الخطط الكفيلة بالهبوط على الشمس. وبما أن الأميركان لا تغيب عنهم شاردة ولا واردة، فقد اندهشوا من هؤلاء الذين ينوون الوصول الى الشمس، وهذا شيء لا يحلمون به إلا بعد عقود. ارسل الأميركان رجلا ليطلع على دراسات هؤلاء، وقد جلس معهم الرجل، وأخبرهم بأن من المستحيل الصعود على الشمس لأنها محرقة، وسوف تحرق مركبتهم قبل الوصول إليه بملايين الأميال، فكيف سيحلون هذه المشكلة. ضحك الأعراب كثيرا، وقالوا للرجل: - يا لكم من أغبياء .. ومن قال إننا سنصعد اليها خلال النهار؟؟ (2) يحكى أن ختيارا طاعنا في «الضرس» خرج له المارد من القمقم وقال له: - شبيك لبيك.. أطلب وتمنى! الختيار الذي كان يخشى الموت ويتوق لأيام الشباب قال: - أريد أن يرجع عمري عشر سنوات إلى الوراء! قال المارد :- شبيك لبيك. وعاد عمر الرجل عشر سنوات إلى الوراء أحس بها الختيار والدم يتدفق إلى عروقه العجفاء المترهلة. ولما أدرك الختيار أن أمنياته تتحقق رغب من الهرب من الموت والشيخوخة أكثر فأكثر فقال للمارد: - أريد أن يرجع عمري عشر سنوات أخرى إلى الوراء - شبيك لبيك.. وتراجع عمره. - عشر سنوات اخرى! - شبيك لبيك.. وتراجع عمره. - أخرى.. - أخرى - شبيك لبيك.. وتراجع عمره عشرا أخرى. وهكذا ظل الختيار يتصاغر ويتصاغر في العمر .. شيخا.. فكهلا.. فرجلا.. شابا.. غلاما.. طفلا.. حتى وصل عمره إلى خمس سنوات حيث أصيب بالحصبة الألمانية.. ومات.. تماما!! (3) في قصته العبقرية القصيرة «النمور في اليوم العاشر» يختصر الكاتب العربي السوري الكبير زكريا تامر تاريخ الترويض البشري بواسطة المعدة ولقمة العيش. يختصر عملية الترويض ببساطة مرعبة. تتحدث القصة عن نمر في قفص، وقد قرر المدرب ترويضه عن طريق التجويع. في اليوم الأول طلب النمر من المدرب بكل كبرياء وعجرفة أن يجلب له لحما ليفترسه، فزجره المدرب وطلب منه أن يتحول إلى عبد مطيع له إذا احضر له اللحم، لكن النمر رفض هذا العرض بكل عجرفة وإباء وسؤدد وشمم طبعا، فتركه المدرب بلا طعام وذهب. في اليوم التالي جاء المروض «المدرب» مع تلاميذه وطلب من النمر أن يعترف بأنه جائع. لكن النمر سكت قليلا، ثم قال بصوت خافت انه جائع، فأطعمه المروض لحما كثيرا. في اليوم الثالث طلب المروض من النمر أن يقف ثم يجلس حسب أوامره مقابل الطعام، فوافق النمر على مضض وبعد عناء نفسي كبير. في اليوم التالي أطعم المروض النمر مقابل أن يموء كالقط، كلما طلب منه المروض ذلك وفي أي وقت. في اليوم الخامس أطعمه مقابل أن يقلد نهيق الحمار. في اليوم الذي يليه أطعمه مقابل أن يصفق كلما أقبل المدرب. وفي اليوم العاشر أطعمه المروض الأعشاب بدل اللحم. وهكذا تنتهي القصة التي يقول زكريا تامر في نهايتها: «.... وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص.. فصار النمر مواطنا والقفص مدينة». وبعد أن قرأت القصة للمرة الألف أدركت أن تامر كان متفائلا ومتواضعا حينما جعل الأمر يقتصر على الإنسان في مدينته أو بلده فقط لا غير.. إنها مأساة إنسانية.. الترويض، نتعرض له كل يوم. يوسف غيشان ghishan@gmail.com