مصر تبحث عن «روشتة» لعلاج اختلالات الميزان التجاري
(القاهرة) - انتهت وزارة التجارة والصناعة المصرية من وضع استراتيجية جديدة لمستقبل التجارة الخارجية لمصر، يبدأ تطبيقها من الشهر المقبل. وتستهدف الاستراتيجية معالجة طويلة الأجل لاختلال ميزان المدفوعات، حيث تزيد الفجوة بين حصيلة الصادرات والواردات على 18 مليار دولار، مما يشكل عبئاً متزايداً على رصيد احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري وضغطاً مستقبلياً على سعر صرف العملة المصرية.
وترتكز الخطة الجديدة إلى عدد من المحاور منها اتخاذ تدابير وإجراءات للحد من تصدير المواد الخام المصرية، والسماح بتصدير هذه المواد مصنعة، أو نصف مصنعة لضمان قيمة مضافة للاقتصاد الكلي لاسيما بعد أن اثبتت التجارب في السنوات الماضية قيام عدد كبير من المصدرين بتصدير مواد خام مصرية وبعضها مواد خام قابلة للنضوب بأسعار متدنية مثل “بلوكات” الرخام، حيث تحصل الصين بعد إعادة تصنيع الرخام المصري على 14 ضعف قيمة شرائه من المصدرين المصريين.
ويتمثل المحور الثاني في إعادة النظر للتعرفة الجمركية على الواردات المصرية من الخارج، للحد من استيراد سلع ترفيهية وهامشية تمثل أداة لاستنزاف النقد الأجنبي بالبلاد، والمنتظر أن تضع وزارة التجارة والصناعة جداول استرشادية بالسلع غير المرغوب في استيرادها قبل وقف تصديرها قانوناً لتهيئة السوق ومنح فرصة للمستوردين لتوفيق أوضاعهم، كما سيتم رفع تدريجي للرسوم الجمركية على العديد من السلع، وإلزام المستوردين بتقديم فواتير الشراء الحقيقية لتحديد قيمة الرسوم المستحقة على هذه الواردات، مما يسهم في تعظيم حصيلة الرسوم الجمركية ومواجهة طوفان الواردات الذي يتدفق على البلاد خاصة من الصين ويشمل سلعاً رديئة، أو مغشوشة وضارة بالمستهلك، مثل أدوات التجميل ولعب الأطفال وغيرها.
وتستند الخطة الجديدة إلى دعم الصناعة المحلية خاصة الصناعات التحويلية التي تعظم قيمة المواد الخام، سواء كانت محلية أو مستوردة، وتنويع هيكل الصادرات المصرية الذي يعاني غلبة السلع ذات الطابع الاستهلاكي، والقيمة المضافة المحدودة. وتشير وزارة التجارة إلى أن الخطة لا تهدف إلى التقشف وتقليل فاتورة الواردات بقدر ما تهدف إلى معالجة أوجه الخلل والتشوهات في هيكل التجارة الخارجية المصرية، حيث انعكس سلباً على ميزان المدفوعات خلال السنوات الأخيرة، وتسبب في ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في أكثر من مناسبة، عندما كانت البلاد تتعرض لاختناقات استيرادية في بعض السلع.
ويرى محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات المصرية، أن تحويل المواد الخام المصرية إلى سلع مصنعة أو نصف مصنعة وتصديرها سوف يوفر موارد إضافية من النقد الأجنبي، ويرفع قيمة هذه الموارد الخام حتى إذا جرى تصدير نسبة منها مستقبلاً، موضحاً أنه في حالة تصنيع الرخام المصري فإنه اذا تم السماح مستقبلاً بتصدير نسبة من هذا الرخام كمادة خام فسوف تباع بأسعار أعلى من تلك التي يتم التصدير بها حالياً وكذلك القطن الذي يمثل علامة دولية مميزة في مجال صناعة الغزل والنسيج خاصة. وأضاف المرشدي أن المصانع المصرية كانت تضطر في السنوات الماضية إلى استيراد قطن خام من الهند والبرازيل وباكستان لسد احتياجاتها في الوقت الذي كان يجري فيه تصدير القطن المصري بأسعار لا تتناسب مع قيمته الحقيقية ومن ثم فإن الاتجاه إلى وقف تصدير الخامات المصرية سوف يساعد على إحداث نهضة صناعية تحتاج إليها البلاد بشدة في هذه المرحلة التي يسود فيها اتجاه الى دعم القدرات الحقيقية للاقتصاد الوطني. وشدد على ضرورة أن يلعب الجهاز المصرفي المصري دوراً مسانداً لهذا التوجه بتوفير التمويل اللأزم للمصانع في المرحلة القادمة خاصة المصانع الجادة التي يعاني اصحابها صعوبة الحصول على التمويل.
وحسب احصاءات وزارة التجارة والجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والاحصاء فإن نسبة الصناعات التحويلية في هيكل الصادرات السلعية المصرية لاتزيد على 14 بالمئة مقابل 53 بالمئة للمواد الخام التي يجري تصديرها، ومنها القطن الذي يحظى بإقبال كبير من شركات النسيج العالمية الكبرى والرخام والخردة والسلع الغذائية في صورتها الأولية أي تلك التي لا يجري تصنيعها أو تعليبها مثل البطاطس والطماطم والفواكه والأرز.
وترى فاطمة لطفي، العضو المنتدب لبنك عودة، أن خروج الاقتصاد المصري من أزمته الراهنة لن يمر سوى عبر زيادة الإنتاج خاصة الإنتاج الصناعي الذي يمثل قيمة مضافة لأي دولة ومن الطبيعي أن تساند البنوك المصرية هذا التوجه، والمعروف أن نسبة كبيرة من حجم الائتمان الممنوح من البنك كان يوجه بدرجة أساسية إلى الصناعة، خاصة الصناعات التحويلية، وسوف نجد البنوك في ظل طلب كبير على التمويل من جانب المصانع مضطرة لمزيد من تركيز الائتمان على هذا القطاع الحيوي، خاصة في الصناعات الواعدة والشركات التي تمتلك أسواقاً وحصصاً تصديرية، وبالتالي يصبح تمويلها أمراً سهلًا بالنسبة للبنوك. وتشدد على أهمية أن تحظى الصناعات التحويلية بدعم حكومي في المرحلة المقبلة عبر توفير تمويل مدعم يسهم في نهضة هذه الصناعات خاصة في الشركات المتوسطة الحجم التي لا يزيد رأسمالها على 100 مليون جنيه لأن هذه الشركات تمثل العمود الفقري في القطاع الصناعي في مختلف دول العالم وبالتالي، فإن مساعدتها ودعمها سوف يمثل إضافة جيدة للاقتصاد المصري في المرحلة القادمة.
ويرى خبراء صناعيون أن معالجة تشوه هيكل التجارة الخارجية سوف يسهم بمرور الوقت في علاج بعض جوانب عجز الموازنة العامة للدولة خاصة، وأن العديد من السلع المدعومة لاسيما الغذائية ومنها السكر والزيوت يجري استيرادها بأسعار تتفاوت حسب ظروف البورصات العالمية، وتخفيف عبء فاتورة الواردات يتيح للحكومة وهيئة السلع التموينية ـ المسؤولة عن استيراد السلع المدعمة ـ قدرة أكبر على المناورة والاستيراد في توقيتات ملائمة بأسعار مقبولة، وبالتالي خفض فاتورة الدعم وعلاج جزئي لعجز الموازنة.
تقرير دولي يتوقع نمو الاقتصاد المصري 4,6% خلال 10 سنوات
القاهرة (د ب أ) - توقع تقرير لمؤسسة «بزنس مونيتور انترناشيونال» العالمية أن يبلغ متوسط معدل النمو السنوي للاقتصاد المصري 4,6% خلال الفترة من عام 2011 وحتى 2020، موضحاً أن ذلك سيكون حافزاً كافياً لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأوضحت صحيفة «الأهرام» المصرية أمس أن التقرير الذي تضمنته النشرة الأسبوعية لمركز معلومات مجلس الوزراء، كشف عن أن مصر لديها الكثير من المزايا التي توفر لها مجالاً للازدهار إلا أن التوقعات السياسية المضطربة للغاية تطرح مخاطر تراجع التنبؤات الخاصة بالنمو الاقتصادي في المدى الطويل، الأمر الذي قد يجعل الحكومات المتعاقبة تجد صعوبة لجذب الاستثمار.
وتوقع التقرير أن يستمر الاقتصاد المصري في التحديث خلال السنوات العشر المقبلة وأن يلعب القطاع الخاص الدور المهيمن والمتزايد، مما يسهم في استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر. وأوضح أن مصر تعد من أكثر الأسواق الناشئة الواعدة والتي تتمتع بطلب محلي قوي كمكون في الناتج المحلي الإجمالي. وأشار إلى أنه بالرغم من توقع نمو عدد السكان من 84,5 مليون نسمة عام 2010 إلى 98,6 مليون عام 2020، إلا أنه من المتوقع أن يتجاوز معدل النمو الحقيقي السنوي للناتج المحلي الإجمالي هذه الزيادة، مما يعني أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع من 2728 دولاراً إلى 9665 دولاراً خلال الفترة نفسها مما يوجد مستهلكا أكثر ثراء. وتابع التقرير أن التوجه نحو زيادة الاستثمارات في القطاع الخاص سيؤدي إلى زيادة فرص العمل والمساهمة في تنمية الطبقة المتوسطة. وأرجع التقرير أسباب التفاؤل إلى أن مصر لديها إمكانيات هائلة كدولة مصدرة للغاز، حيث يتوقع ارتفاع إنتاج الغاز من 66 مليار متر مكعب عام 2010 إلى 95 ملياراً عام 2020، مما يوفر مصدراً جيداً لتدفقات العملات الأجنبية والتخفيف من تأثير ارتفاع فاتورة الواردات المتزايدة.