بإمكان إذاعات القطاع العام المنافسة والتقدم على الإذاعات الخاصة التجارية كلما نجحت في التكيف مع تطبيقات الإعلام الرقمي، واستخدمت مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن هذه الإذاعات تواظب على لعب دور توجيهي رئيس، وتحظى بحصة كبيرة من السوق حيث يصل عدد مستمعيها الآن إلى أكثر من الثلث من سوق مستمعي الإذاعات على مختلف القنوات التقليدية والرقمية. أبوظبي (الاتحاد) - أجرى “اتحاد البث الأوروبي” (EB ) دراسة مطولة ومعمقة، لمعرفة أوضاع الإذاعات العامة (الرسمية) في ظل بيئة المنافسة الجديدة. وكشف الاتحاد نتائجها حديثا، وشملت الإذاعات العامة في 31 عضواً في المنظمة تنتمي إلى 28 بلدا كما تميزت بدراسة 28 حالة إذاعية في سبع دول أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية. واستغرق إنجاز الدراسة أربعة أشهر تم خلالها جمع بيانات شاملة عن أحوال هذا القطاع وأنتجت تقريراً يقع في مائتي صفحة. سعة الانتشار ذكرت الدراسة أن الإذاعة (بشكل عام) تبقى وسيلة إعلام فعالة تصل إلى 90% من السكان، في أسبوع عادي في العديد من الدول الأوروبية، فهي تصل في جميع الدول الأوروبية باستثناء واحدة، إلى 70% أو أكثر، بينما سجلت إذاعات استونيا العامة وفنلندا أكبر نسبة وصول بلغت 95%، ولاحظت في الوقت نفسه أن استخدام الإذاعات للمنصات الرقمية قد ازداد خلال السنوات القليلة الماضية. أما الإذاعات العامة تحديدا فهي، حسب الدراسة، لاعب أساسي في مجالها الوطني، كما أن عددا كبيرا من المحطات الإذاعية العامة يحتل مراكز ريادية في أسواقها على الرغم من منافسة المحطات التجارية لها، والتي تصاعدت خلال السنوات العشر الأخيرة إضافة إلى ظاهرة تشتت السوق وجمهور المستمعين. وفي عام 2010 تراوح معدل حصة هذا النوع من الإذاعات من جمهور المستمعين 37,1% وهو ما يمثل زيادة طفيفة مقدراها 0,2% مقارنة بالعام 2009. كما زاد عدد المحطات العامة التي عرفت نموا ليصل إلى ضعف ما كان عليه في عام 2009، بينما سجلت سبع محطات نسبة نمو تجاوزت 2% في حصتها من المستمعين، وكانت أكثر المحطات التي سجلت نموا محطات الدول الاسكندنافية والإذاعات البلجيكية الناطقة بالفرنسية، ثم الإذاعات البولندية فالسلوفاكية. وهدفت الدراسة إلى الإضاءة على تطورات السوق الإذاعي عامة والتطلع إلى اتجاهات الاستهلاك والمستمعين ومعرفة مكانة البث الإذاعي العام في بيئة التنافس الإعلامي المستجد، كما سعت إلى مساعدة هذه الإذاعات على وضع رؤية بشأن استراتيجيات الانتشار العابر للمنصات وخدمات الإعلام الاجتماعي. الرقمية والمنافسة انطلاقاً من سعي اتحاد البث الأوروبي إلى بيان العلاقة بين الإذاعات العامة والتطبيقات التكنولوجية الجديدة، أظهر فريق البحث أن هذه الإذاعات نجحت في الاستفادة من الإعلام الاجتماعي للوصول إلى مستمعين جدد ورفع تأثير ومكانة هذه القنوات الإعلامية لدى الجمهور. ومن أبرز الأمور التي وجدتها الدراسة، أنه مقابل انخفاض الاستماع إلى إذاعات الـ”إف إم” و”أ. إم” التقليدية؛ فإن معظم الإذاعات العامة في الدول المشمولة بالبحث، توفر الآن خدمات إذاعية على الهاتف المحمول، وتطبيقات للهواتف الذكية، وعلى شبكة الإنترنت ومواقع التفاعل الاجتماعي، وهي أمور كان من شأنها أن زادت فعليا من مدى أهمية هذه الإذاعات. وقال رئيس فريق البحث في الاتحاد ألكس شوزيفسكي، وفق التقرير الخاص بالدراسة، إن البيانات التي جمعت عن هذا القطاع، تبين ثقل نشاط الإعلام الاجتماعي للإذاعات وبرامجها، ما يعني أن أهمية الخدمة الإذاعية العامة واستمرارها في النمو. وأضاف أنه “في سوق تزداد فيه المنافسة باستمرار، فإن الإذاعات العامة تحتفظ بمعدل قوي حصته 37% من القنوات الوطنية الإذاعية في العام 2010”. وبينت الدراسة تواجد 84% من الإذاعات العامة على موقع فيسبوك، و61% على تويتر و52% على مواقع تشارك الفيديو، و26% على مواقع الإنترنت للموسيقى والتسجيلات الإذاعية، و23% على مواقع المدونات، و13% على مواقع تشارك المحتويات السمعية. الدفء والتوجيه تحدث مايك مولان، رئيس قسم الأخبار والرياضة والأخبار الإذاعية في الاتحاد، عن مسألة التحدي التي واجهتها الإذاعات العامة في أوروبا وأميركا من طرف المواقع الموسيقية على شبكة الويب. وقال إنه “عندما بدأت هذه الخدمات كسب الانتباه، وباتت تلاقي ارتفاعا في الطلب، توقع البعض انتهاء الاهتمام بالتسجيلات الموسيقية والفنية التي تقدمها المحطات العامة، إلا أن الدارسة أظهرت أن المستمعين يستمرون في الاستماع إليها لعوامل تتعلق بالتفاعلية الإنسانية، والدفء الإنساني الذي توفره الإذاعة خلافاً لمواقع الإذاعات على الإنترنت”. وكان مولان يشير بذلك إلى دور المذيعين أو مقدمي البرامج الموسيقية الإذاعية، وكذلك إلى أهمية السياق والتنوع الذي يجعل من متابعة الإذاعات العامة على صلة أكثر بالبيئة والمحيط. ومن المؤكد، أن الإذاعات العامة لا تهدف في النهاية إلى نشر متعة الاستماع للموسيقى فقط، إذ أن لها أهدافا توجيهية لا تخفى. ولدى تناول دراسة حالات خاصة بمضمون ما تبثه، أظهرت النتائج أن برامج خدمات البث العام تتضمن التزامات محددة تراعي شرائح متعددة من الجماهير التي تستهدفها، وبّين تحليل فئات البرامج أنها تتنوع بين مسلسلات وبرامج الصباح وبين الحلقات (المجلات) الثقافية والبرامج الوثائقية، ولكن لديها جميعها استراتيجيات إعلامية مصممة من أجل زيادة انتباه المستمعين إلى مسائل تبقى عالقة في اهتمامهم بعد إقفال جهاز الراديو. والجدير بالذكر أن مصدر تمويل الإذاعات العامة أو الرسمية في هذه الدول يأتي في الغالب من دافعي الضرائب، الأمر الذي يلزمها معنويا بالسعي المستمر للتطوير ولنيل رضى جمهور المواطنين نتيجة شعور بأنها في موقع المحاسبة والمساءلة إذا تخلفت عن تأدية خدماتها بالقدر الكافي. والاتحاد الأوروبي للبث هو أكبر منظمة لمؤسسات البث الوطنية، التلفزيونية والإذاعية في العام، وهو يقوم بتشجيع التعاون بين هذه القنوات، كما يتولى بنفسه تبادل محتويات سمعية وبصرية بين أعضائه، ويعمل كذلك من أجل ضمان اعتراف مراكز القرار بأهمية هذه المؤسسات بطبيعتها العامة. وتشرف على الاتحاد لجنة عليا، في حين تعقد الجمعية العامة اجتماعا لها مرتين في السنة. وتأسس الاتحاد في العام 1950 ولديه 74 عضوا من 56 بلدا من أوروبا وجوارها، إضافة إلى مشاركات مع 36 عضوا من حول العالم. ويقدر عدد مستمعي الإذاعات والتلفزيونات الأعضاء في الاتحاد بـ 650 مليون مستمع أسبوعيا، وهو يتخذ من جنيف مقرا رئيسا له وله مكاتب في سبع دول أخرى. صعوبة تعميم النتائج يصعب معرفة مقدار تطابق نتائج الدارسة على الإذاعات العامة في باقي المناطق. لكن يمكن القول إن العديد من الإذاعات العامة والرسمية في باقي العالم تتمتع عادة بإمكانيات وبرامج غنية في عددها يساعدها على ذلك الميزانيات الرسمية، وأفضليات البث وخاصة في الدول ذات الأنظمة الموجهة، إلا أن ذلك لا يمنع من تراجع جمهورها في الكثير من الحالات، عدا عن حالات الإحباط التي تواجهها منذ ازدهار الفضائيات ثم انتشار الإعلام الرقمي. ولعل أهم ما يستفاد من الدراسة الأوروبية أن هذه التحديات يجب أن تكون دافعا لمقاومة التراجع هذا عبر الاستثمار في التكيف مع تكنولوجيا الاتصال الجديدة باعتبارها مكملا وأداة لا مفر منها لتوسعة انتشار الإذاعات، بحيث تذهب بنفسها إلى شرائح الجمهور الرقمي وتستخدم تقنياته وتعيد النظر برؤيتها باتجاه الاستفادة من منصات البث الإذاعي المتعدد الأدوات.