أحمد شعبان (القاهرة)
أكد خبراء عسكريون واستراتيجيون من أبطال حرب 6 أكتوبر المجيدة 1973، أن الإمارات، بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، دعمت مصر خلال حرب أكتوبر معنوياً ومادياً وبشرياً، وأن الشيخ زايد، رحمه الله، وضع كل إمكانات الإمارات لدعم المجهود الحربي في معركة الكرامة، وأرسل سرية مشاة ميكانيكا في الجيش الثالث الميداني بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عندما كان ولياً لعهد أبوظبي «في ذلك الوقت» - للمشاركة في تحرير الأرض بجوار أشقائه من الجنود المصريين على الجبهة حتى النصر.
سرية إماراتية
اللواء. م. حمدي عبدالله بخيت محلل استراتيجي وعسكري، وأحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، أكد أن الإمارات دعمت مصر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في حرب أكتوبر المجيدة، رغم أن الظروف الاقتصادية للإمارات في هذا التوقيت لم تكن في الظروف الحالية نفسها، مشيراً إلى أن الإمارات بدأت تحتل مكانة مرموقة منذ تأسيسها في المجتمع الدولي، مما جعلها تدعم مصر في المحافل الدولية وفي الأمم المتحدة، مؤكداً أن دعم الشيخ زايد، طيب الله ثراه، من العلامات الفارقة لمصر في حرب أكتوبر، حيث وضع كل إمكانات الإمارات العربية المتحدة في خدمة حرب 1973، مؤكداً أن هذا الدعم السخي من الشيخ زايد يأتي نتيجة إيمانه بدور مصر الكبير في المنطقة العربية، والذي كان يعتبر مصر ركيزة مهمة جداً، وكان يقول «رحمه الله»: لو بقيت مصر، فإن العالم العربي سيبقى، ولو ضاعت مصر سيضيع العالم العربي ولن يعود.
وأكد أن من المواقف الكبيرة التي اتخذها المغفور له، الشيخ زايد تجاه مصر، عندما أعلن دعمه لمصر في حربها ضد إسرائيل خلال زيارته لبريطانيا حينما قال: «ليس المال أغلى من الدم العربي، وليس النفط أغلى من الدماء العربية الأبية التي روت أرض جبهات القتال»، مؤكداً أن مواقف الشيخ زايد تجاه مصر تدل على وطنيته ورؤيته الواضحة وحكمته التي يدعمها حسه الوطني، حيث يُقّيم الأمور طبقاً لمكانة الدولة وقيمتها ودورها السياسي والاستراتيجي في العالم العربي، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة نهضت في وقت قصير جداً، وتبوأت مكانة مرموقة جداً بين دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى مستوى دول العالم بسبب رؤية الشيخ زايد مؤسس الاتحاد، فهو قيمة ثابتة ومهمة وراسخة من قيم الحكام العرب، وقدوة لكل الحكام العرب في رؤيته وحكمته وشفافيته وحسه ووطنيته.وأكد أن دعم الشيخ زايد، رحمه الله، لمصر ليس بالأقوال والمال فقط، ولكن بالأفعال، فقد أرسل ولي عهده - في ذلك الوقت - صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى جبهة القتال في حرب أكتوبر المجيدة، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلت سرية من المشاة الميكانيكي، وشاركت في حرب أكتوبر في قطاع الجيش الثالث الميداني، قائلاً: «كنا نحارب في قطاع الجيش الثالث، وكانت بها سرية من دولة الإمارات مشاركة في الحرب بقيادة الشيخ خليفة بن زايد».
وأشار إلى أن السرية الإماراتية كانت تشارك في أعمال القتال ضد العدو أثناء الثغرة، في نطاق الجيش الثالث في نطاق الفرقة 19، وكانوا يقومون باحتلال الدفاعات المُحيطة بمنطقة «الثغرة» في هذا الوقت، والتي امتدت حتى الكيلو 109 والكيلو 101، مشيراً إلى أن كل هذه المناطق كانت تضم قوات من دول عربية أخرى على محور «وادي حجول» ومحور طريق السويس ومحور طريق «جنيفة» بالقرب من مدينة الإسماعيلية، وكذلك على محور الحج، وكل هذه المحاور ضمت قوات عربية، وسرية إماراتية.
قطع البترول
وقال اللواء. م. جمال مظلوم خبير عسكري، ومن أبطال حرب أكتوبر المجيدة: إن الشيخ زايد «طيب الله ثراه» حكيم العرب تربى على المبادئ العربية الأصيلة التي تُحتم عليه الوقوف بجوار أشقائه العرب وتقديم الدعم لهم، خاصة مصر، مشيراً إلى أن المصريين لهم محبة خاصة في قلب المغفور له الشيخ زايد، وهم أيضاً يبادلونه حباً بحب لمواقفه المشهودة والداعمة لهم ولمصر في أزماتها، خاصة في حرب أكتوبر المجيدة والتي مازالت محفورة في ذاكرة المصريين والإماراتيين.
وأكد أن الشيخ زايد وقف إلى جانب مصر ودول المواجهة خلال فترة حرب 1973، وأثناء الاستعداد لها، وله مواقف تاريخية وعسكرية عدة، أهمها: تقديم الدعم الاقتصادي لمصر في استعدادها للمعركة المصيرية، مشيراً إلى أن حكيم العرب أول من وقف إلى جانب مصر في المعركة المصيرية، وله تصريحات تاريخية منها: «البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي»، و«المعركة هي معركة الوجود العربي كله، ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورّثها العزة والكرامة».
وأضاف: عقب اندلاع الحرب، كان الشيخ زايد موجوداً في لندن، وعقد مؤتمراً صحفياً، وحشد له شعوب العالم لتأييد مصر في حربها ضد إسرائيل، وكانت له مقولة مشهورة في ذلك الوقت، حيث قال: «سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك»، وتبرع بـ 100 مليون جنيه إسترليني لصالح المعارك في ثالث أيام المعركة، ولم يكن المبلغ متوافراً في خزينة دولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت، إلا أنه استدان من بنوك لندن لتوفير المبلغ، كما تبرع شعب الإمارات بمرتب شهر لصالح دعم مصر.
ولفت إلى أن الشيخ زايد طوال حرب أكتوبر 73 كان يتابع تطوراتها أول بأول، واتصل ثاني أيام الحرب بالرئيس المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد، وأكد لهما أن إمكانات دولة الإمارات العربية المتحدة كلها مُسخّرة في سبيل خدمة المعركة، مشيراً إلى أنه في اجتماع وزراء البترول العرب في الكويت أثناء الحرب وعندما اتفق الوزراء على خفض الإنتاج بنسبة 5%، كلّف الشيخ زايد وزير بترول الإمارات في الاجتماع، وأعلن قطع البترول نهائياً عن الدول التي تساند إسرائيل، كأول دولة تعلن حظر البترول كاملة لصالح المعركة.
وأشار إلى أنه عندما تم مقاطعة مصر من قبل بعض الدول العربية بعد قمة بغداد الشهيرة بسبب اتفاقية كامب ديفيد، قال الشيخ زايد مقولته الشهيرة: «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود من دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تستغني عن الأمة العربية»، مشيراً إلى أن الشيخ زايد ظل على تواصل مع مصر رغم مقاطعة عدد كبير من الدول العربية، ولعب دوراً بارزاً في إعادة الوئام بين الأمة العربية ومصر، لافتاً إلى أن دعم ومواقف الشيخ زايد لمصر منذ الإعلان عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة يُعد مناراً لمسيرة شعب البلدين مازالت تُنير طريق العلاقات الودية بين الشعبين حتى الآن علاقات وطيدة ومتميزة.
اقتحام خط بارليف
من جانبه، أكد اللواء. م. طلعت مسلم الخبير العسكري وأحد الأبطال المشاركين في حرب أكتوبر 1973، أن حرب أكتوبر المجيدة ضربت أروع الأمثلة في اتحاد الدول العربية ومشاركتهم بالدعم السياسي والمادي والعسكري، مؤكداً أن الدول العربية عملت على تسخير مفهوم العمل المشترك والاتحاد العربي، بمعناه الحقيقي، حيث قدمت الدول العربية الدعم المالي، ومنذ القمة العربية التي عقدت بالخرطوم عقب نكسة يونيو 67، ودول الخليج جميعها، خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت الدعم المالي والعسكري والسياسي لمصر، خاصة عقب إغلاق قناة السويس وتأثر مصر اقتصاديا واحتياج القوات المصرية المسلحة لتعويض خسائرها المادية بسبب النكسة، مؤكداً أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات بذل جهوداً خارقة لإدارة الملف السياسي والحربي وتحقيق التناغم في المواقف مع قادة الدول العربية الشقيقة، خاصة مع المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه».
وثمن مسلم مواقف الشيخ زايد الداعمة لمصر، مؤكداً أنه رحمه الله، كان يعتبر مصر جزءاً من الإمارات وكذلك الحال، الإمارات جزءا أصيلاً من مصر، وأن الشيخ زايد ارتبط اسمه بالعروبية والأصالة، وهو الذي حافظ على القومية العربية وتماسك الدول العربية مع بعضها البعض، كما حافظ على وحدة وتمسك وعروبة دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الاتحاد.
وأشار إلى أن الشيخ زايد، رحمه الله، لم يدخر جهداً سواء كان مالياً أو معنوياً أو سياسياً أو عسكرياً في خدمة معركة الوجود العربي ضد إسرائيل عام 1979، مشيراً إلى أن هذا الجهد كان له تأثير كبير في نصر أكتوبر الذي شهد له العالم كله.