رضخت كندا (في النهاية) للرغبات التجارية الأميركية.
توقف التلاسن بين أوتاوا وواشنطن الذي بلغ حد الاتهامات بكراهية بعضهما البعض، بل و«شخصنة» الخلاف.
كان لا بد من التفاهم، بصرف النظر عن قبول أو رفض سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصة بالتجارة مع كندا والمكسيك ضمن نطاق اتفاقية «نافتا» التي تتحكم بعمليات تجارية تصل قيمتها إلى أكثر من تريليون دولار.
فترامب كان واضحاً بشأن مفهومه للتجارة العالمية حتى قبل أن يصل البيت الأبيض.
وهو ينظر إلى الاتفاقيات الموقعة بين بلاده ودول أخرى على أنها توفر غطاء لـ «سرقة» الولايات المتحدة، بما في ذلك الاتفاقات التي تندرج تحت قبة منظمة التجارة العالمية، التي هدد بالفعل بإمكانية الانسحاب منها.
والسبب أنها «تظلم» بلاده.
لم تدم مقاومة كندا للتوجهات الأميركية طويلاً، فأكبر اقتصاد في العالم تمكن في غضون أشهر من عقد اتفاق مع المكسيك، وضع رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو واقفاً وظهره للجدار.
وهذا الأخير لا يمكنه (منطقياً) معاداة جارة هائلة الحجم اقتصادياً كالولايات المتحدة، ناهيك عن التداخلات الأخرى في العلاقة بين البلدين، التي نمت وتكرست وتمكنت على مدى قرون من الزمن.
خصوصاً أن الرئيس الأميركي ليس من أولئك الذين يتراجعون بسهولة عن موقف أعلنوه، أو سياسة يتبعونها.
لابد من الاتفاق إذن، وهو يصب في النهاية في المصلحة الأميركية بدرجة أكبر من مصلحة الدولة الكندية.
اتفاق تجاري جديد أقرب للثنائي منه للثلاثي.
أي أن واشنطن تتعامل مع المكسيك بصورة مختلفة عن تعاملها مع كندا ضمن هذا الاتفاق، وبذلك انتهت عملياً اتفاقية «نافتا» للتبادل التجاري الحر التي وُقعت عام 1992.
الاتفاق الجديد يضمن فتح الأسواق الكندية بشكل أكبر أمام الولايات المتحدة، ولاسيما قطاع الألبان.
فضلاً عن نقطة مهمة جداً تتعلق بوضع حد أقصى للصادرات الكندية من السيارات إلى الأراضي الأميركية.
صحيح أن كندا حصلت على بعض الحماية لصناعة السيارات لديها ضد رسوم جمركية أميركية كبيرة محتملة ضمن الاتفاق المذكور، لكن الصحيح أيضاً أنها خسرت نقاط مهمة ترتبط بحريتها في تصدير الكميات التي ترغب من المركبات.
علماً بأن التعريفات الجمركية الأميركية على الصلب والألومينيوم بقيت على حالها في الوقت الراهن، وقد تم رفعها هذا العام، في إطار تحرك واشنطن العالمي على فرض رسوم مماثلة على دول تصدر هذه المواد الحيوية، بمن فيها بلدان أوروبية. ربما انتهت الأزمة التجارية بين دول «نافتا» الثلاث في المرحلة الراهنة، إلا أن أزمات أخرى تتطلب العمل لحلها على الساحة الدولية، وفي مقدمتها بالطبع تلك التي نشبت بين واشنطن من جهة وعواصم أوروبية رئيسية، إلى جانب الصين وتركيا.
فعلى ساحة أوروبا يستهدف ترامب ألمانيا بشكل خاص من جهة إغراقها بلاده بسياراتها ومركباتها.
لكن الأزمات التجارية المتصاعدة مع الصين تبقى الأعنف، مع تلاسن بين المسؤولين من الطرفين، وصل إلى درجة اتهام بكين بالعمل على إسقاط دونالد ترامب نفسه.