القاهرة (الاتحاد)
شرّع الإسلام الزواج لتحقيق أسمى المقاصد، ولحفظ النسل والأنساب، وجعل واجبات وحقوقاً على الرجل والمرأة، والأساس في الزواج هو الاستقرار والمودة والرحمة بين الزوجين، ولكن عند انعدام التفاهم أو وجود أي عائق يسبب المشاكل وعدم القدرة على المحافظة على الزواج السليم والصحيح، فإن الله تعالى شرع الطلاق لحفظ الحقوق وعدم طغيان أحد الأطراف على الآخر.
ويؤكد العلماء أن الطلاق مشكلة اجتماعية نفسية.. وظاهرة عامة في جميع المجتمعات، لكنه يزداد انتشاراً في مجتمعاتنا وهو «أبغض الحلال» لما يترتب عليه من آثار سلبية في تفكك الأسرة وازدياد العداوة والبغضاء ونتائجه على الأطفال، لكن يجب أن يكون آخر الحلول للزوجين الذين صعب اجتماعهما تحت سقف واحد، فلا يكون اللجوء إليه لأول وهلة ولأهون الأسباب، ولا يتم إلا بطرق سلمية، أي بالاتفاق.
«وعاشروهن بالمعروف»
أعلن الأزهر الشريف مؤخراً عن إطلاق حملة من أجل التوعية بأسباب الطلاق ومخاطره على الأسرة خاصة بعد تزايد نسبه خلال الآونة الأخيرة، وتحمل الحملة اسم «وعاشروهن بالمعروف»، وتُسلط الضوء على أهم الأسباب وطرق العلاج، من أجل العمل على الحد من ارتفاع مُعدلات الطلاق، وتشتمل على مجموعة مقاطع فيديو، يتناول كل منها أحد أسباب الطلاق مع توعية الزوجين بكيفية التعامل معه، وتُعتبر الحملة الخطوة الثانية للأزهر، بعد إطلاق وحدة «لمّ الشمل» خلال أبريل الماضي، لتوعية المتزوجين ضد مخاطر الطلاق على بُنيان الأسرة المسلمة.
وتتناول حملة «وعاشروهن بالمعروف» موضوع العنف بين الزوجين، باعتباره أحد الأسباب التي قد تؤدي للطلاق وانهيار الأسرة، وطرق علاجها، في إطار الدور الدعوي والاجتماعي الذي يضطلع به الأزهر، ويتضافر مع دوره التعليمي والديني، وتضم وحدة لمّ الشمل ستة أعضاء يستقبلون اتصالات المواطنين ومحاولة حل المشكلة عبر النصيحة أو دعوة الطرفين للحضور للمشيخة للجمع بين الآراء أو زيارة منزل الزوجين لحل مشكلتهما، وللوصول إلى حل يرضى الجميع، وجاء إطلاق الحملة في ضوء توجيهات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، للبحث عن حلول ناجحة وواقعية للمشكلات المجتمعية، خاصة القضايا الملحة.
سلامة الأسرة
أشاد د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بمبادرة الأزهر الشريف، حيث يرى أن تلك المبادرة بمثابة نقلة نوعية في تاريخ الدعوة الإسلامية، والوصول إلى داخل الأسر والعمل على حل مشكلاتهم ومشاركتهم ومعايشتهم، لافتاً إلى أن تلك الدعوة بمثابة تجديد للخطاب، كما اعتبر المبادرة إضافة جديدة إلى تاريخ الأزهر.
وأكد أن اختيار مثل هذه الموضوعات التي تتعلق بسلامة الأسرة والحفاظ عليها وعلى تماسك المجتمع والعمل على تذكِرة الناس دائماً بقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...)، «سورة النساء: الآية 19»، و«أن أبغض الحلال عند الله الطلاق»، هي من صميم الدين، مشيراً إلى أن المجتمع يحتاج إلى تلك الموضوعات التي تمس حياتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض.
وطالب بضرورة تضافر جهود جميع المؤسسات للنهوض بتلك المبادرة الرائدة، باعتبارها غير مسبوقة، وتعد من أهم المبادرات التي أطلقت في الفترة الأخيرة نظراً إلى أنها تحافظ على المجتمع والعمل على عدم تفكك الأسرة وتشريد الأطفال، ويشارك فيها جميع المؤسسات.
علاج للمشاكل
يؤكد الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، أن الطلاق هو علاج إذا ما استحالت الحياة الزوجية، وينبغي أن يوضع في هذا الموضع والمكان ولا يتعدَّاه إلى أماكن أخرى لأن الطلاق، إنما جاء لحل مشكلات معينة، وأوصى المفتي، بأن يقوم الزوجان قبل الوصول لمرحلة الطلاق بحل المشكلات التي قد تؤدي بهما إلى الطلاق فيما بينهما داخل نطاق أسرتهما أو يلجأ إلى حكمين إذا لم يستطيعا حلها، فإن استعصت الحلول واستحالت الحياة، فيكون الطلاق هو الحل الأخير.
وأوضح المفتي بعض أحكام الطلاق التي وضعها الشرع وأقرها الفقهاء، والتي تعد بمثابة فرصة أخرى لكي يراجع الزوجان موقفهما لاستمرار الحياة الزوجية، ومن بينها أنه يحرم على الزوج أن يطلق زوجته في فترة الحيض وأنه يكون بذلك آثماً، والحكمة من ذلك أن المرأة تكون في فترة الحيض في حالة نفسية سيئة، فيجعل مزاجها غير مهيأ لأن تتعامل في الحياة الزوجية العادية، فتكون دوافع الطلاق أكثر في تلك الفترة، وقد ربط الإسلام حدود الطلاق بالدواعي الطبيعية عند الإنسان فهو مجبول ومدفوع لأن يلتقيا وتحصل المباشرة بعد الطهر من الحيض، لذا على الزوج أن ينتظر لعل ذلك يقرب بينهما، وكأن الشرع قد وضع عائقاً طبيعياً وغريزياً في سبيل ألا يكون الطلاق أمراً سهلاً.
ومن أحكام الطلاق أن تظل المرأة في بيتها فترة العدة مع زوجها لأن علاقة الزواج لا تزال قائمة، قال تعالى: (... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَ?لِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا...)، «سورة البقرة: الآية 228»، وكأن القرآن الكريم يوجد مرحلة العدة لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً يساعد في التقريب بينهما مرة أخرى، لذا نصح الفقهاء المرأة والرجل أن يراجعا موقفهما في فترة العدة، فإن وجدا سبيلاً للرجوع تودد كل منها للآخر حتى يتراجعا.
ضبط النفس
وتقول د. سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الحياة اليومية لا بد فيها من الاختلاف والمشكلات في العلاقة الزوجية، ولعل هذا من طبيعة الحياة والمهم هو احتواء المشكلات وعدم السماح لها بأن تتضخم وتكبر وهذا بالطبع يتطلب خبرة ومعرفة يفتقدها كثيرون، وربما يكون الزواج المبكر عاملاً سلبياً بسبب نقص الخبرة والمرونة، وزيادة التفكير الخيالي وعدم النضج فيما يتعلق بالطرف الآخر وفي الحياة نفسها.
ونجد أن مشكلات التفاهم وصعوبته، هي من الأسباب المؤدية للطلاق، وفي هذه الحالات يمكن للكلمة الطيبة أن تكون دواء فعالاً يراجع الإنسان من خلالها نفسه ويعيد النظر في أساليبه، كما يمكن تعلم أساليب الحوار الناجحة وضبط النفس التي تمنع تكرار المشكلات وتساعد على حلها بالطرق السلمية بعيداً عن الطلاق.
ويمكن لتدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة أن يلعب دوراً في الطلاق، وهذا ما يجب التنبه إليه وتحديد الفواصل والحدود بين علاقة الزواج وامتداداتها العائلية، والتأكيد على أن يلعب الأهل دور الرعاية والدعم والتشجيع لأزواج أبنائهم وبناتهم من خلال تقديم العون والمساعدة، وأن يقولوا خيراً أو يصمتوا.
ويعتبر الطلاق من أكثر المشاكل انتشاراً في وقتنا الحالي، فيشكل خطراً كبيراً على تفكك الأسرة، وضياع الأطفال، وللتقليل من حالات الطلاق لا بد من تربية الأبناء منذ الصغر على تحمل المسؤولية، وزرع الوازع الديني لديهم، وتهيئة بعض المراكز التي تقوم بالإصلاح بين الزوجين، وإعطائهم النصائح المفيدة التي تحل المشاكل فيما بينهم.
فرصة أخرى
أشار د. شوقي علام، مفتي الديار المصرية، إلى أن الرجل إذا لم يراجع زوجته خلال فترة العدة، فلديه فرصة أخرى ليراجعها بعقد ومهر جديدين، لأنها مرحلة جديدة أصبحت فيها المرأة أجنبية عنه، ولكن الباب لا يزال مفتوحاً أمامهما خاصة في حالة وجود أبناء، وكتب الفقه فيها «انفراجات فقهية» قد يلجأ إليها العلماء للحفاظ على كيان الأسرة، لأن الزواج عقد ثبت بيقين، ولا ينبغي أن يُرفع إلا بيقين، ووجه المفتي نصيحة للأزواج بأن يحرصوا على بقاء العلاقة وأن يقوموا بحل المشكلات التي تواجههم بالحكمة، وألا يستخدم الزوج كلمة الطلاق إلا لعلاج مشكلة زوجية، وألا يجعل كلمة الطلاق في مواقف عابرة وفي غير موضعها.