اختيار التخصص الجامعي «امتحان» يؤرق طلبة «الثاني عشر»
(أبوظبي) - كشف تربويون وخبراء أن 75 في المئة من الطلبة الناجحين في الصف الثاني عشر ليست لديهم رؤية واضحة، بشأن التخصص الذي يرغبون في دراسته بالمرحلة الجامعية، وأن ما يقرب من 30 في المئة من الطلبة يختارون تخصصاتهم الدراسية وفقاً لنصيحة الأصدقاء، كما أن 25 في المئة من الذين اختاروا التخصص الدراسي لا توجد لديهم صورة واضحة حول طبيعته.
وبعد إعلان أسماء الطلبة المقبولين بمؤسسات التعليم العالي الحكومية للعام الجامعي 2011 - 2012، يظل السؤال الذي يواجه الطلبة وأولياء أمورهم مطروحاً حول التخصصات الدراسية الجديدة التي ينبغي للطالب الالتحاق بها، وترتبط بهذا السؤال مجموعة من المحاور الأساسية التي تحدد الإطار العام للتخصص الدراسي في الجامعة والذي يجب الالتحاق به من قبل الطالب، وتشمل هذه المحاور مدى ملاءمة هذا التخصص لرغبة الطالب من الناحية الدراسية والمهنية، وإلى أي مدى يحظى هذا التخصص باهتمام من قبل مؤسسات قطاع الأعمال في سوق العمل، وأيضاً مردود هذا التخصص من الناحيتين المعنوية والمادية بالنسبة للطالب بعد إنهائه المرحلة الجامعية.
وبحسب عدد من التربويين والأكاديميين، فإن 75 في المئة من الطلبة الناجحين في الصف الثاني عشر، ليست لديهم رؤية واضحة بشأن التخصص الدراسي الذي سيلتحق به كل منهم في السنة الجامعية الأولى، بل إن أكثر من دراسة علمية رصدت مجموعة من العوامل التي تدفع الطالب لتحديد نوعية التخصص الدراسي، وفي مقدمتها الزملاء، إذ يعمد أكثر من 30 في المئة من هؤلاء الطلبة إلى اختيار تخصصاتهم الدراسية نتيجة لنصيحة الأصدقاء أو الزملاء، وليس لرغبة كل منهم، كما أن حوالي 25 في المئة من هؤلاء الطلبة لا توجد لديهم صورة واضحة حول طبيعة التخصص الدراسي الذي اختاروه، كأن يختار البعض دراسة هندسة الحاسب الآلي لا لشيء إلا لأنه يجد في نفسه مجموعة من المهارات التي تمكنه من التعامل مع الحاسوب، وهكذا الأمر بالنسبة لتخصصات دراسية أخرى يختارها الطالب لأنها مشابهة لتخصص أحد الوالدين أو الأقارب، أو أنه سمع من بعض الأصدقاء أن هذا التخصص يكسبه مكانة اجتماعية ووظيفية مرموقة.
وحذر عدد من الأكاديميين والتربويين من خطورة تنامي هذه الحالة لدى طلبة الثانوية العامة، وعدم وجود علاج مبكر لهذه المشكلات المرتبطة بغياب الإرشاد الأكاديمي والمهني الذي ينبغي أن تقدمه المدرسة للطالب في مرحلة دراسية مناسبة مثل المرحلة الإعدادية، بحيث يطلع الطالب منذ الصف السابع على منظومة متكاملة من التخصصات الدراسية في العلوم التطبيقية والهندسية والإلكترونيات والعلوم الصحية والطبية، وكذلك الفلك، والاتصالات، والصناعات الدقيقة، وغيرها من التخصصات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأن يتعرف على طبيعة الدراسة في كل تخصص والمعايير العلمية اللازمة لدراسته.
طبيعة المساقات
من جانبه، أكد الدكتور سعيد حمد الحساني وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أهمية هذه القضية التي تمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الطالب في السنة الجامعية الأولى، إذ يلتحق عدد كبير من الطلبة بتخصص دراسي مثل كلية الطب نتيجة لتفوقه في دراسة مساق الأحياء في المرحلة الثانوية، ثم يكتشف خلال دراسته الجامعية في السنة الأولى أن هناك مجموعة أخرى من المساقات التي ينبغي له دراستها، ومن بين بعض هذه المساقات تبرز مساقات ذات طبيعة مختلفة قد لا يجد الطالب نفسه متمكناً في دراستها، ومن هنا تواجه هذا الطالب أو غيره من الذين التحقوا بكليات أو تخصصات أخرى كالهندسة أو العلوم السياسية أو غيرها، مشكلات كان ينبغي وضع حلول لها في فترة دراسية سابقة على التحاق الطالب بالجامعة، بحيث يكون على وعي كامل بالخطة الدراسية التي سيدرسها في الجامعة وتوصيف المساقات، وأيضاً فرص العمل المتاحة في هذا التخصص بعد التخرج.
وأوضح الحساني أن عدداً كبيراً من الطلبة يلتحقون بالجامعات الحكومية والخاصة، وخلال الدراسة يحدد كل منهم التخصص الدقيق الذي سيدرسه، وذلك نتيجة لغياب الوعي الإرشادي لدى الطالب بشأن طبيعة التخصص العام، والتخصصات الفرعية المرتبطة به، وغيرها من الأمور والتفاصيل المتعلقة بدراسته في هذا القسم العلمي أو ذاك، مشيراً إلى أن بعض الطلبة ينهي دراسته الجامعية، وعند تخرجه تتولد لديه رغبة في الالتحاق بوظيفة أو مهنة ما، تختلف تماماً عن تخصصه الدراسي الذي قضى فيه 4 أو 5 سنوات للحصول على الشهادة الجامعية.
احتياجات تنموية
ودعا الدكتور سليمان الجاسم مدير جامعة زايد الطلبة الذين اعتمدت أسماؤهم ضمن الدفعة الجديدة من الملتحقين بالجامعات الحكومية، إلى ضرورة دراسة قوائم التخصصات الأكاديمية في الجامعة التي يلتحق بها الطالب بصورة دقيقة، وذلك بالتعاون مع الأهل، وأيضاً باستشارة عدد من المتخصصين في القطاعات الصناعية والتنموية في الدولة، مشيراً إلى أن هذا التأمل والتأني من قبل الطالب وولي أمره، يضع الطالب على أولى درجات سُلَّم الوعي بشأن التخصص الدراسي الذي ينبغي له الانتساب إليه في الجامعة.
وحذر الجاسم من وجود حالات طلابية كثيرة لا تكترث لهذه النصائح، وإنما تعتمد في اختيارها للتخصص العلمي على نصائح الأصدقاء و”الربع”، ويكتشف هؤلاء خلال دراستهم الجامعية أنهم قادوا أنفسهم إلى الطريق الخطأ، ويدركون ذلك بعد فوات الأوان، إذ بعض هؤلاء الطلبة يكون مكث في الجامعة عامين أو أكثر، وبعدها يجد رغبة في نفسه لتغيير التخصص، وتستتبع هذا الأمر مشاكل أكاديمية ومالية واجتماعية للطالب الذي “لا نريد له” أن يقع في هذا المأزق.
وأوضح الجاسم أنه ينبغي للطالب وولي أمره، أن يستشرفا الاحتياجات التنموية للدولة من الموارد البشرية، وفي مقدمة هذه التخصصات تأتي تخصصات دراسية وأكاديمية ركزت عليها استراتيجية التمكين للحكومة الرشيدة في المحور الخاص بالإنسان والتنمية، وما يرتبط بهما من توجيهات القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وإخوانهما أصحاب السمو الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، حيث تركز هذه التوجيهات على ضرورة الانتقال بالمجتمع إلى مجتمع المعرفة في التعليم والاقتصاد ومختلف مجالات التنمية، ومن هنا، فإن قائمة طويلة من التخصصات الدراسية المطروحة في مؤسسات التعليم العالي، ينبغي للطالب وولي أمره دراستها بعناية شديدة، بحيث يلتحق الطالب بالتخصص الذي يناسبه منها.
بعيداً عن التشويش
من جانبه، أكد الدكتور عبدالله الخنبشي مدير جامعة الإمارات، أهمية موضوع اختيار التخصص الجامعي بالنسبة للطالب، وأن يكون هناك إرشاد أكاديمي ومهني له في مرحلة دراسية مبكرة، بحيث تتشكل أمامه ملامح بارزة في التخصص الذي يرغب في دراسته، بعيداً عن التشويش الذي يقع فيه نتيجة سوء تقديره للموقف الأكاديمي من جهة، وأيضاً نتيجة لتأخره في اتخاذ قراره في تحديد التخصص قبل دخوله الجامعة من جهة ثانية.
وأوضح الخنبشي أن جميع مؤسسات التعليم في الدولة تولي موضوع الإرشاد الأكاديمي أهمية كبيرة، ولكن هذه الأهمية ينبغي أن تتسع لتشمل الطلبة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث تتشكل لدى الطالب في المرحلة الإعدادية نواة حقيقية للتخصص الدراسي الذي يرغب في الالتحاق به، والمهنة التي يتمنى أن يكون عليها بعد تخرجه من الجامعة، ومن هنا نقترح أن تمتد مظلة الإرشاد الأكاديمي إلى مدارسنا، بحيث يجد كل طالب وطالبة النصيحة المناسبة التي تفتح أمامه آفاق المستقبل بشأن البرنامج العلمي الذي ينبغي له الالتحاق به، وكذلك الوظائف المرتبطة بهذا البرنامج بعد التخرج، وأيضاً مدى حاجة سوق العمل لمثل هذه الوظائف، ومن جهة أخرى طبيعة كل وظيفة منها والتحديات المرتبطة بها، سواءً في طبيعة العمل أو الالتزامات المرتبطة بهذه الوظيفة أو تلك، إذ أن بعض الخريجين والخريجات ينجزون سنوات دراسية طويلة، وعندما يلتحقون بالتدريب العملي تبرز لدى كل منهم بعض المشكلات المرتبطة بطبيعة المهنة، ويتشكل لديهم رأيٌ آخر في المهنة التي كان ينبغي لهم أن يتعرفوا عليها جيداً قبل ذلك.
الهندسة الوراثية
وتطرَّق الدكتور طيب كمالي مدير كليات التقنية العليا إلى أن مجتمع المعرفة الذي تسعى الدولة نحو الانتقال إليه، يتطلب منظومة طويلة من الكوادر الوطنية المؤهلة في مجالات علمية متعددة من بينها الإلكترونيات الدقيقة، وأشباه الموصلات، والطاقة المتجددة، والطاقة النووية لأغراض سلمية، وتحلية المياه، وصناعات الأقمار الصناعية، والطيران، وهندسة الفضاء، والهندسة الوراثية، وعلوم الجينات، والتجارة الإلكترونية، والاقتصاد الرقمي، وغيرها من التخصصات التي أصبحت علامة بارزة في خريطة العمل على مستوى العالم المتقدم، والتي تتجه النظم التعليمية المتطورة في العالم نحو رفدها بكوادر طلابية مؤهلة وفق أرقى المعايير العالمية.
وأوضح كمالي أن الإرشاد الأكاديمي يمثل حجر الزاوية لكل طالب وطالبة في تحديد المسيرة العلمية والمهنية، إذ لا يمكن للطالب أن يُحسن اختيار تخصصه العلمي دون خضوعه لإرشاد أكاديمي دقيق يحدد له المعايير والضوابط المرتبطة بهذا التخصص، ويرسم أمامه خارطة طريق لمستقبله المهني بعد التخرج في الجامعة.
الإرشاد المبكر
وأشارت يمنى حمد بدوة مدير التخطيط الاستراتيجي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إلى أهمية البرنامج الذي تنفذه الوزارة منذ سنوات من قبل إدارة القبول والتسجيل “نابو”، والذي يهدف إلى توسيع قاعدة الوعي الأكاديمي والمهني لدى طلبة المدارس الثانوية، بشأن البرامج الدراسية المطروحة في مؤسسات التعليم العالي الحكومية والتي تشمل أكثر من 250 تخصصاً دراسياً، تلبي جميعها احتياجات ورغبات الطلبة في القسمين العلمي والأدبي، كما ترفد المجتمع بخريجين وخريجات مؤهلين في مختلف التخصصات العلمية.
وأوضحت أن هذا البرنامج يتضمن عدداً من ورش العمل والمحاضرات واللقاءات المفتوحة بين أكاديميين متخصصين في الإرشاد، وطلبة الثاني عشر بهدف إطلاعهم على التخصصات الدراسية والبرامج التي تطرحها جامعة الإمارات، وجامعة زايد، وكليات التقنية العليا، وكذلك منظومة التخصصات المرتبطة بالبعثات الدراسية خارج الدولة عن طريق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ولفتت إلى أن برنامج الإرشاد الأكاديمي الذي تنظمه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي شكّل نقطة تحول في حياة كثير من طلبة الثاني عشر، الذين وجدوا فيه معلومات ثرية وإجابات شافية على ما طرحوه من أسئلة مرتبطة بالبرامج العلمية والتخصصات الجامعية وطبيعة الدراسة فيها، وأيضاً فرص العمل المتوافرة بعد التخرج.
جودة البرامج والاعتماد الأكاديمي
أشار الدكتور بدر أبو العلا مدير هيئة الاعتماد الأكاديمي، إلى أن الإرشاد الأكاديمي يعتبر أحد الجسور القوية التي تعزز من قدرة الطالب على الانخراط في حياة جامعية ناجحة، من خلال اطلاعه على المحتوى الأكاديمي للخطط الدراسية لكل برنامج علمي يرغب الالتحاق به، وأيضاً تقديم صورة دقيقة حول سوق العمل بعد التخرج، بالإضافة إلى أن هيئة الاعتماد الأكاديمي تقوم بجانب كبير من جهتها، يتعلق بجودة البرامج الدراسية المطروحة، حيث تخضع عملية الترخيص لهذه البرامج التعليمية في مؤسسات التعليم العالي المرخصة لعدد من المعايير العلمية التي تأخذ بها المؤسسات العريقة في العالم، وتشمل هذه المعايير أهداف البرنامج ومخرجاته التعليمية والخطة الدراسية ومحتويات مساقاتها، والبيئة التعليمية التي يتم طرحه فيها، وكذلك المرافق العلمية والتعليمية ومصادر التعلم، بالإضافة إلى كفاءة أعضاء هيئة التدريس ومستوياتهم العلمية وغيرها من طرق وأساليب التدريس المتبعة، وكذلك ارتباط البرنامج باحتياجات سوق العمل ومدى كفاءة الخريجين والمهارات التي أتقنوها خلال دراستهم هذا البرنامج.