التساهل مع الإسلام السياسي!

يرى د. شملان يوسف العيسى أن دول الخليج العربية تسعى إلى مكافحة الإرهاب بالتركيز على المفهوم الأمني لردع التطرف وملاحقة عناصره، كما ركزت على إعادة النظر في مناهج التعليم خصوصاً مواد التربية الإسلامية بحذف ما يشوبها مما له علاقة بالتعصب والتطرف الديني.. كما ركزت أيضاً على مراقبة المساجد ودور العبادة وملاحقة الأيمة الذين يحملون أفكار التطرف والغلو في الدين.

كل تلك الإجراءات، الأمنية منها والتعليمية ومراقبة دور العبادة، أمور هامة وضرورية، لكن بعض دول الخليج التي ابتليت بعمليات إرهابية مباغتة مؤخراً تتحمل جزءاً من المسؤولية؛ لأنها تعاملت مع تيارات الإسلام السياسي.. لكسب ولائها ومحاولة احتوائها، بافتراض أنها تيارات لديها قواعد شعبية لا يستهان بها. بل إن بعض أقطاب الإسلام السياسي تم توزيرهم في الكويت، ولايزال بعض «الإخوان» والسلف لديهم مناصب وزارية هناك.

ويأتي هذا التراخي مع جماعات الإسلام السياسي من خلال تركها تعمل بحرية عبر جمعيات النفع العام، فجمعية «الإصلاح الاجتماعي» الكويتية تمثل «الإخوان المسلمين» وجمعية «التراث» الكويتية هي الممثل المؤسسي للحركة السلفية، وجمعية «الثقافة الإسلامية» تمثل التنظيمات السياسية الشيعية.

نحن لا نختلف حول حق الجمعيات في العمل المشروع في بلد ديمقراطي مثل الكويت، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في انبثاق عشرات بل مئات الجمعيات الخيرية الإسلامية غير المرخصة، والتي تقوم بجمع الأموال من زكوات وهبات وتبرعات بحجة مساعدة فقراء المسلمين في كل بقاع المعمورة!

الوضع في السعودية لا يختلف كثيراً عنه الكويت. لا أعرف كم عدد الجمعيات الخيرية الإسلامية في السعودية، وهل تتم مراقبة الأموال التي تقوم بجمعها هناك وأين تذهب هذه الأموال؟ لكن في مقابلة صريحة وواضحة مع الأمير تركي الفيصل على قناة «العربية»، أجراها المذيع تركي الدخيل، اشتكى الأمير من وجود معسكرات ومخيمات وغيرها لتجنيد الشباب السعودي تحت مظلة الدروس الدينية والوعظ الديني..

سوريا.. أربع مبادرات إنسانية

يقول نيكولاس بيرنيز وكيل وزارة الخارجية الأميركية من 2005-2008 والأستاذ الحالي بكلية جون كينيدي للدراسات الحكومية- جامعة هارفارد ، ويفيد ميلباند وزير خارجية بريطانيا من 2007: 2010 والرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية: تواجه الولايات المتحدة، وحلفاؤها الغربيون، أزمات متعددة في منطقة الشرق الأوسط، التي تزداد اضطراباً وعنفاً على نحو مطرد، وتتضاعف فيها دواعي القلق من التهديد النووي الإيراني، وتنظيم «داعش» المتفاقم القوة، وتفكك العراق واليمن، وليبيا، كدول وطنية قائمة.

ولكن ليست هناك مشكلة بدرجة صعوبة، وخطورة، الحرب الأهلية السورية الدموية الآخذة في التدهور، فالوضع في هذه الدولة الشرق أوسطية الرئيسية، كارثي بمعنى الكلمة: فهناك ما يزيد عن 220 ألف سوري لقوا حتفهم في الحرب المستعرة في بلدهم منذ أربعة أعوام، كما هرب ما يزيد عن 11 مليون سوري، وهو نصف عدد سكان البلاد، من ديارهم، ولجأ أربعة ملايين منهم إلى الدول القريبة. وضعف هذا العدد تقريباً نزحوا إلى مناطق أخرى داخل سوريا نفسها، كما يحتل تنظيم «داعش» ما يزيد على ثلث مساحة البلاد، ومساحات واسعة من العراق.

وإذا ما أخذنا في الحسبان حجم الحرمان، والقتل الجماعي، والمخاطر الجيوبوليتيكية في سوريا، فإنه يمكننا القول إن استجابة باقي دول العالم لهذه المآسي كانت غير كافية بدرجة مؤسفة، فمجلس الأمن الدولي على سبيل المثال لم يكن حافظاً للسلم في سوريا، ولا مخففاً لآلام شعبها، ودبلوماسية الدول العظمى التي تتم ممارستها، لا تزيد عن جهود المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا، وهو إن كان دبلوماسياً متفانياً وخبيراً، إلا أنه يحتاج إلى دعم أكبر بكثير مما يتلقاه حالياً من الدول الرئيسية المنخرطة في الصراع.

ونحن نؤمن بأن الولايات المتحدة وغيرها يجب أن تشتغل بسرعة، بالمستوى المطلوب، وانطلاقاً من دوافع حقيقية، على المبادرات الأربع التالية لمساعدة السوريين المحتاجين:

الأولى: يجب على الدول الغربية الاستجابة لمطالبة الأمم المتحدة بإعادة توطين 130 ألف سوري من الأكثر تعرضاً للخطر في الغرب بنهاية 2016، ومن المعروف أن تقاليد الولايات المتحدة تقبل بإيواء نصف عدد اللاجئين الذين تتم إعادة توطينهم في الدول الأخرى، وهو ما دفع 14 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ في الآونة الأخيرة لمطالبة بلدهم بالوفاء بالتزامه التاريخي في هذا الشأن، وقبول 65 ألف سوري بنهاية 2016، ويمكن للولايات المتحدة بعد ذلك أن تحشد الآخرين لتقديم المساعدة ودعوتهم لتقديم يد العون في هذا الشأن.

الثانية: يجب على دول الغرب التضافر مع الدول العربية، واليابان، وكوريا الجنوبية، وغيرها والتعهد بتقديم مساعدات اقتصادية وإنسانية أكبر حجماً مما هو مقدم حالياً للدول التي تتحمل العبء الأكبر في أزمة اللاجئين، وعلى وجه الخصوص الأردن، ولبنان ويمكن أن يضاف إليهما العراق وتركيا.

الثالثة: إذا ما أخذنا في الاعتبار جسامة الكارثة الإنسانية الحالية، فإن الولايات المتحدة وأوروبا يجب أن تعملا على قيادة الجهد الرامي لتدشين برنامج عون إنساني جديد لملايين السوريين الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين الأطراف المتحاربة، وأعضاء مجلس الأمن الدولي الذين وافقوا على عدة قرارات بشأن سوريا بحاجة الآن إلى الالتزام بتنفيذ هذه القرارات.

الرابعة: حان الوقت لقبول الولايات المتحدة وأوروبا بما ليس منه بد، والعمل على إشراك روسيا وآخرين، في المبادرة الدبلوماسية الرامية للمساعدة على استقرار الوضع في سوريا الممزقة، علماً بأن وضع نظام الأسد الاستراتيجي الآخذ في الضعف، يمثل أيضاً خطراً على بنية الدولة السورية التي يمكن أن تتفكك أكثر في الشهور القادمة.

الاضطراب الإثني والديني

يقول د. رضوان السيد: نموذج الدولة القومية ذات الشعب الواحد، نموذج ضيق وأثار حربين عالميتين، بسبب صراع القوميات الأوروبية على المصالح الاستعمارية. أثيرت في الأسابيع الأخيرة مجدداً قضية الأقليات الإثنية وجرت مقارنة الأخطار التي تتعرض لها بالأخطار التي تواجهها الأقليات الدينية. وذلك في حالات مثل الأويغور بإقليم سينكيانغ الصيني.

فقد وصل مئاتٌ منهم إلى تركيا ودول أُخرى على الحدود مع الصين باعتبار أنّ الإدارة الصينية لا تسمح لهم بالصوم وقراءة القرآن أي تضطهدهم في دينهم. ومثل الروهينجا وهم أقليةٌ مسملةٌ في بورما تتعرض للقتل والتهجير منذ سنوات. وفي إقليم التبت الخاضع للصين أيضاً تعيش أقليةٌ إثنيةٌ ودينيةٌ في الوقت نفسه ضمن الديانة البوذية. وقد اعتاد زعيمها في المنفى الدالاي لاما التذكير بالقمع الصيني لبني قومه. إنما الطريف أنّ مئات تظاهروا ضد احتفاليات الدالاي لاما، ليس لأنهم موالون للصين، بل لأنهم لا يعترفون بالمرجعية في طائفتهم للدالاي لاما الذي يقدّسه السياسيون والمثقفيون الغربيون، تارةً للتشهير بالصين، وتارة للإعجاب بشخصيته المؤثرة.

أي الاضطرابين هو الأكثر خطورةً على أمن العالم وعلى حقوق الإنسان؟ قبل أربع سنواتٍ تجادل أنثروبولوجيون واستراتيجيون أميركيون في المسألة في عددين متواليين من أعداد مجلة «فورين أفيرز» الشهيرة، ورجَّح بعضهم كفة الصراعات الإثنية، باعتبارها الأكثر عدداً واستمراراً (228 نزاعاً لأسباب إثنية بعد الحرب الثانية). بيد أنّ الظاهر الآن في العالم العربي تقدُّمُ الاضطراب الديني، واضطهاد الاقليات الدينية. لكنْ إلى جانب الصراعات الدينية البارزة (داخل الإسلام السني، وبين الشيعة والسنة) يبقى الأبرز في المنطقة التمايُزُ والتنازُع على الإثنية الكردية بالعراق وسوريا وتركيا وإيران، وإرادتها التحول إلى قومية ذات دولة.

«صواب» للجم التطرف

يرى د. سالم حميد أن الأداء المتوقع لمركز «صواب» سيكشف هشاشة الخطاب المتطرف وزيف المتطرفين وارتهانهم لمقولات تخريبية لا علاقة لها بالإسلام.

لم يعد يخفى على أحد الدور الدعائي الخطير الذي تلجأ إليه المنظمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، هذا التنظيم الذي تربت عناصره القيادية في أحضان «القاعدة»، ثم انتقلت إلى طور إرهابي أشد عدائية وخطورة على العالم الإسلامي. وأدى احتياج هذا الكيان الطفيلي للمزيد من العناصر إلى محاولة استقطاب الموتورين وذوي الميول العنفية.

ومن الأسلحة التي تستخدمها هذه المنظمة وأمثالها في المجال الدعائي استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي شكلت ثورة اتصالية على شبكة الإنترنت، حيث صار كل من هب ودب يفتي في الدين ويجند ويكفر، مقابل غياب الصوت الآخر الرشيد والمستنير الذي يحث الفرد على أن يفكر ويتأمل بعقلانية تجعل منه إنساناً مفيداً للبشرية ولوطنه وأسرته، وتجنبه الوقوع في شرك الجماعات المتطرفة!

وإزاء الحرب الدعائية الشرسة التي يشنها «داعش»، تزداد الحاجة لمكافحة ذيول الإرهاب وأفكاره المتفشية في الواقع الافتراضي وتجد طريقها إلى بعض محدودي الوعي، ليجدوا أنفسهم منقادين وراءها كالعميان.

والغريب أن تلك الأفكار المتطرفة والمعادية للإنسان المعاصر ومكتسباته الحضارية تستخدم أحدث الوسائل العصرية لبث سمومها ومقولاتها الهدامة، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي. لكن مواجهة هذا الفكر الضال تتطور بدورها على مستوى الوسائل والتحركات الجادة المسنودة بوعي إقليمي ودولي قادر على محاصرة الإرهاب.