أول من أمس الاثنين، قام أحد مدعي الأمم المتحدة بتسليم مظروف مختوم يحتوي على قرار إدانة ضد المشتبه بارتكابهم جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وهو ما يضع نهاية للتحقيقات التي ألقت بظلال من الشك على مسؤولين سوريين، ومقاتلي "حزب الله"، وساهمت في سقوط الحكومة اللبنانية الموالية للغرب التي يقودها سعد الحريري نجل رئيس الوزراء المغدور. فقد قام المدعي "دانييل بيلمر" الكندي الجنسية في ساعة متأخرة من يوم الاثنين الماضي بتسليم القرار الاتهامي في مظروف مختوم إلى "دانييل فرانسين" قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة. ومن المتوقع أن تمر عدة أسابيع، قبل أن يتم الكشف عن هوية المتهمين، كما قد يتطلب الأمر مرور عام قبل أن تتم محاكمتهم. ومن المعروف أن هذه القضية كانت سبباً في حدوث حالة من الاضطراب والتوتر في المشهد السياسي اللبناني، خصوصاً بعد أن تسربت أنباء تفيد أن قاضي التحقيق سوف يتهم بعض أعضاء "حزب الله" اللبناني بالضلوع في التفجير الذي استخدم فيه 1000 كيلو جرام من مادة (تي. إن. تي)، وأسفر عن مصرع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و22 آخرين كانوا يرافقونه في موكبه في 14 فبراير 2005. وقد أنكر "حزب الله "تورطه في اغتيال رفيق الحريري، وذلك منذ أن بدأت تتسرب أنباء عن أنه سيتم توجيه اتهام لبعض أفراده بارتكاب حادث الاغتيال. وتعهد الحزب على لسان "نصر الله" بأنه لن يسمح بالقبض على أي فرد يوجه له الاتهام. ولم يكتف "حزب الله" بذلك، بل وجه اتهاماً للمحكمة بأنها جزء من مؤامرة أميركية وإسرائيلية تستهدف الحزب، وأنه سيعمل على إفشال تلك المؤامرة مهما كانت التضحيات التي سيتطلبها ذلك. وقد دافع نصر الله عن الدور الذي لعبه الحزب، ونتج عنه سقوط حكومة سعد الحريري الأسبوع الماضي، وقال إن ذلك كان إجراء ضرورياً لحماية لبنان من التداعيات التي ستنتج عن توجيه الاتهام الظني لأعضاء حزبه. وكانت مصادر المحكمة الخاصة بلبنان التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، قد أصدرت بياناً مقتضباً يوم الاثنين الماضي قالت فيه إن المدعي المذكور، قد سلم قرار الإدانة والوثائق الثبوتية إلى قاضي الأمور التمهيدية في المحكمة، وأن محتويات الإدانة "سوف تبقى سراً في المرحلة الراهنة". ويخشى المسؤولون اللبنانيون من أن يؤدي الإعلان عن قرار الإدانة، إلى إشعال فتيل صراع طائفي وفتنة داخلية في هذا البلد، الذي تعيش فيه طوائف مسيحية، ومسلمة سنية وشيعية. ومن المعروف أن لبنان قد واجه أزمات عديدة متقطعة منذ اغتيال الحريري عام 2005، وأن التداعيات التي نتجت عن الحادث أدت إلى وضع سعد الحريري نجل رئيس الوزراء القتيل، ورئيس تيار الرابع عشر من آذار، المدعوم من المملكة العربية السعودية، الذي تولى منصب رئيس الوزراء في عام 2009 ، في مواجهة مع "حزب الله" المدعوم من قبل كل من سوريا وإيران. وكان حادث الاغتيال سبباً في إطلاق حملة دبلوماسية تزعمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا لإجبار سوريا، التي كانت تسيطر فعلياً على لبنان في ذلك الوقت على سحب جيشها من ذلك البلد. وكانت هذه الحملة من ضمن العوامل التي ساهمت في تأسيس محكمة خاصة للنظر في القضية في عام 2005 للتحقيق في عملية الاغتيال، وتأسيس محكمة خاصة بلبنان في عام 2007 للإشراف على محاكمة المشتبه بارتكابهم للجريمة. وقد أصدر أول مدعٍ للمحكمة، وهو الألماني"ديتليف ميليس" تقريراً مستفيضاً عام 2005 ربط فيه بين مسؤولين سوريين ولبنانيين مرتبطين بسوريا، وبين الجريمة. ولكن الذي حدث بعد ذلك أنه قد ثبت عدم صدق الشاهدين الأساسيين للمحكمة، وهو ما ألقى ظلالاً من الغموض على القضية برمتها حيث أنه لا يزال من الواضح حتى الآن ما إذا كانت الحكومة السورية، وهي من الداعمين لـ"حزب الله"، لا تزال ضمن دائرة الاشتباه. وعلى الرغم من الادعاءات السابقة من المدعي "ميليس"، والذي وجه فيها أصبع الاتهام لدمشق فإن الحريري الابن قام بتبرئة سوريا من دم والده. ويشار إلى أن الرئيس الأميركي قد رحب بتقديم قرار الاتهام للمحكمة ووصفه بأنه"خطوة مهمة نحو إنهاء عهد من الحصانة، التي كان يتمتع بها القتلة في لبنان "ودعا أوباما في البيان الصادر عن البيت الأبيض الزعماء اللبنانيين وجميع الطوائف في هذا البلد لـ"الحفاظ على الهدوء والتحلي بضبط النفس". وأضاف أوباما في البيان المذكور: "إن المحكمة الخاصة بلبنان يجب أن يُسمح لها بمواصلة عملها دون تدخل أو إجبار من أي أحد". ومضى ليقول"فهذه هي الطريقة التي يتم بها تعزيز البحث عن الحقيقة، ودعم قضية العدالة ومستقبل لبنان. أما هؤلاء الذين حاولوا أن يختلقوا أزمة ويفرضوا خياراً بين تطبيق العدالة وبين الاستقرار في لبنان، فإنني أقول لهم إنهم يقدمون خياراً زائفاً". وكان من المفترض أن يقوم أعضاء البرلمان اللبناني بتسمية رئيس وزراء يوم الاثنين الماضي، ولكن الموضوع تأجل نظراً لاجتماع رؤساء سوريا وتركيا وقطر في العاصمة السورية دمشق لمناقشة الأزمة اللبنانية. ويمكن للانقسامات العميقة بين الزعماء السياسيين في لبنان، أن تؤدي إلى ترك البلد بلا حكومة لأسابيع، بل ربما لشهور ما يؤدي إلى شل كافة المؤسسات العاملة فيه. كولام لينش وليلى فاضل الأمم المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"