عمرو عبيد (القاهرة)

كرة القدم لعبة رياضية في الأصل، حتى لو اقتحم الاحتراف وصراع الأموال الشرس، كل جزء في منظومتها وقوانينها، والرياضة صُنِعَت وعُرِفَت للارتقاء بالشعوب والمجتمعات، وإيجاد صيغة تقارب وتعاون إنساني، بين زملاء الفريق الواحد، أو حتى مع المنافسين، لكن يبدو أن الجانب المظلم للتطور المادي الذي نعاصره في الزمن الحالي، ألقى بظلاله على اللعبة الشعبية الأولى في العالم، التي جنحت إلى جانب وحشي خفي، يظهره البعض في المدرجات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وداخل الملاعب الخضراء أيضاً، وإذا كان كثيرون يحفظون عن ظهر قلب أسماء أشهر النجوم الذين تعرضوا لإصابات مخيفة، أنهت مسيرة بعضهم، مثل فان باستن، ستيف هولاند، دين أشتون، وجابريل سيسيه، فإن مرتكبي تلك التدخلات العنيفة، اختلفت ردود فعلهم، بين إنسانية البعض، ووحشية آخرين!
وبرغم أن أساس التنافس هو الالتزام بالروح الرياضية، لكن الأمر توارى كثيراً في السنوات الماضية، في كثير من الملاعب العالمية، ولهذا لفتت دموع الكوري، سون هيونج مين، الأنظار بشدة، بعدما تسبب نجم توتنهام في إصابة مروعة للاعب إيفرتون، أندريه جوميز البرتغالي، أسفرت عن كسر كاحل جوميز خلال مواجهة الفريقين بالبريميرليج في جولته الـ 11، وأجهش سون بالبكاء قبل أن يغادر ملعب جوديسون بارك، ببطاقة حمراء ألغيت لاحقاً، ثم خرج الكوري الجنوبي ليعتذر بشدة عن هذا الخطأ، وذكرت التقارير الإعلامية الإنجليزية، أن نجم السبيرز حصل على علاج نفسي بسبب تأنيب ضميره وشعوره بالذنب تجاه البرتغالي، لكن هذه لم تكن الواقعة الأولى في التاريخ، بل سبقه الإنجليزي، ريان شاوكروس، مدافع ستوك سيتي، عندما أصاب أرون رامسي، نجم أرسنال آنذاك، في مباراة جمعت بينهما عام 2010، ولم يدرك شاوكروس أن تدخله العنيف تسبب في كسر ساق الويلزي، لكنه انهمر في البكاء عندما علم بطبيعة الإصابة، ثم أرسل رسالة نصية إلى رامسي، يعتذر له بشدة عن ذلك الأمر، مؤكداً على أنه لم يتعمده على الإطلاق، ويُذكَر أن المدافع الفرنسي، سونير إرتيك، تسبب في إصابة مهاجم كولومبيا، راداميل فالكاو، بقطع في الرباط الصليبي، خلال مباراة في كأس فرنسا عام 2014، وكتب سونير تغريدة يعتذر فيها لفالكاو، وأرسل له الكثير من رسائل الدعم، وهو ما دفع مهاجم الكافيتيروس، لمطالبته بعدم الشعور بالذنب، وشكره على دعمه، قائلاً إن هذه الإصابات تحدث كثيراً في كرة القدم. الغريب أن ردود الفعل الإنسانية الراقية في مثل هذه المواقف، باتت الاستثناء الذي يثير الاحترام والدهشة في آنٍ واحد، لأن العنف والوحشية والتحدي تُغلّف الكثير من حالات أخرى، أشهرها على الإطلاق، ما فعله جزار بلباو، أندوني جويكوتشيا، وجعل منه أحد أسوأ الأمثلة الكروية في التاريخ الحديث، فلم يكتفِ المدافع الإسباني بالتدخل العنيف على قدم الأسطورة الأرجنتيني، مارادونا، خلال مباراة جمعت أتلتيكو بلباو وبرشلونة في عام 1983، بل تعمّد كسر كاحله في لعبة وُصِفَت بالأسوأ عبر التاريخ، وابتعد مارادونا لمدة 3 شهور وأجرى جراحة لتركيب شرائح ومسامير معدنية، وكادت تلك الإصابة تنهي مسيرة أسطورة التانجو مبكراً، لكن تحطيم كاحل بطل مونديال 1986 لم يكن المشهد الأسوأ في تلك الرواية، لأن جويكوتشيا تفاخر بفعلته الوحشية، واحتفظ بالحذاء الذي ضرب به مارادونا، داخل قفص زجاجي في منزله، لتخليد تلك الذكري السيئة، والأدهى أن جماهير بلباو احتفت بما فعله مدافعهم ووصفوه بالبطل، بل إن مدربه في ذلك الوقت، خافيير كليمنتي، عبر عن سعادته بما فعله لاعبوه، وقال إنه في انتظار التأكد من سوء إصابة مارادونا الذي لم يسامح الإسبان أبداً بعدها. وفي بقعة أخرى من القارة العجوز، قام الآيرلندي روي كين، نجم مانشستر يونايتد السابق، بعمل مماثل غير إنساني، عندما تعرض لإصابة طفيفة من قبل ألف إنج هالاند، لاعب السيتي، وحدث تراشق لفظي بينهما، لأن هالاند قال إن كين يُمثل الإصابة، فما كان من الآيرلندي إلا أن انتظر حتى ديربي مانشستر في 2001، وتدخل بعنف شديد ضد مدافع البلومون، أدى إلى إصابة الأخير في الركبة والابتعاد لمدة 18 شهراً عن الملاعب، ورغم حصول كين على إيقاف وغرامة من الاتحاد الإنجليزي، فإنه لم يعتذر، واعترف بأنه تعمّد إصابة منافسه، ويبقى تصريح الحارس الألماني، هارولد شوماخر، في مونديال 1982، مثيراً للجدل، بعد تدخله الجنوني، ضد المدافع الفرنسي، باتريك باتيستون، في نصف النهائي العالمي، وهو ما تسبب في دخول باتيستون في غيبوبة، وكاد يفارق الحياة، كما تحطمت بعض أسنانه وضلوعه، ورغم تأكيد شوماخر على أنه لم يتعمد إصابة منافسه، فإنه قال بعد المباراة، إذا كان الخطأ أسفر عن تحطم أسنان باتيستون، فإنه سيتحمل تكاليف علاجه، ما اعتبر استهانة بحجم إصابة الفرنسي الذي لم يقتنع بالاعتذار البارد الذي قدمه له شوماخر بعدها، لكن مرور عشرات السنين، كان كافياً لنسيان تلك الحادثة.

فيرشتابن لا تهزه الحوادث
لم يتوقف صاحب الجنسيتين، الهولندية والبلجيكية، ماكس فيرشتابن، سائق سباقات فورمولا ون الشهير، عن عدوانيته وشراسته، اللتين تسببت في عشرات الانتقادات، التي وجهت إليه من قبل منافسيه أو الصحافة العالمية، أو حتى الاتحادات المنظمة للسباقات، وتعرّض ماكس للإيقاف وخصم النقاط، بسبب تكرار حوادثه المخيفة، بل إن والده انتقده مؤخراً بسبب تهوره، وعدم اهتمامه بحياة الآخرين، داخل حلبة السباق، والمثير للدهشة أن فيرشتابن واجه كل هذا الهجوم ببرود شديد، مؤكداً أنه لن يغير أسلوبه، مهما كانت النتائج المترتبة على الحوادث التي يتسبب فيها كثيراً، خلال سباقات فورمولا ون!

كونويل.. ضربة قاضية
شهد الشهر الماضي، حادثة مأساوية، عندما توفي الملاكم الأميركي، باتريك داي، فوق حلبة الملاكمة، بسبب ضربة قاضية وجهها له منافسه، تشارلز كونويل الذي لم يتحمّل مشهد منافسه قبل رحيله عن الدنيا، وكتب تغريدة أعلن فيها عن رغبته في اعتزال الملاكمة بسبب هذا الحادث، لكنه تمالك نفسه بعدها، وكتب رسالة طويلة يرثي فيها داي، مؤكداً أنه يتمنى إعادة اللقاء وعدم توجيه تلك الضربة لمنافسه، وأنه لم يتخيل أبداً أن تأتي النهاية بهذه الطريقة.

رشوان مثال للأخلاق
الأخلاق والفروسية العربية، جعلت من لاعب الجودو المصري السابق، محمد علي رشوان، أسطورة في التاريخ العالمي للعبة، بعدما رفض استغلال إصابة منافسه الياباني، ياسوهيرو ياماشيتا، في نهائي أولمبياد لوس أنجلوس، في عام 1984، وفي أكتوبر الماضي، بعد 35 عاماً، حصل رشوان على تكريم جديد، من اليابان، بسبب موقفه الأخلاقي الرياضي الرائع، وقال رشوان إنه علم قبل تلك المباراة النهائية، بإصابة منافسه الياباني في ركبته، لكنه تعمد عدم توجيه أي ضربة له في تلك القدم، ليخسر المصري الميدالية الذهبية، لكنه فاز باحترام العالم وبقي علامة فارقة في تاريخ الجودو.