بيروت (وكالات)

تتبع السلطات اللبنانية سياسة الهروب إلى الأمام بمواجهة مطالب الحراك الشعبي غير المسبوق ضدها والذي تواصل لليوم السادس والعشرين على التوالي على وقع أزمة سياسية واقتصادية خانقة، ودعت نقابات واتحادات عمالية في لبنان إلى الإضراب العام في جميع أنحاء البلاد اليوم، وسط استمرار المظاهرات والاحتجاجات بمختلف المناطق والساحات، فيما أعلن رئيس البرلمان نبيه بري تأجيل جلسة مجلس النواب المخصصة لإقرار قانون العفو العام التي كانت مقررة اليوم إلى 19 أكتوبر الجاري.
وأثارت جلسة تشريعية لمجلس النواب كانت مقررة اليوم قبل أن يتم تأجيلها لأسبوع انتقادات من قبل متظاهرين ومجموعات حقوقية حملت على جدول أعمالها الذي لم يتم نشره رسمياً. وكان النائب ياسين جابر، عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، تقدم باقتراح قانون معجل مكرر يتعلّق بمنح العفو العام عن عدد من الجرائم.
ورأى متظاهرون في مشروع القانون التفافاً على مطالب المتظاهرين بالإصلاح ومحاولة لتحقيق مكاسب سياسية واستمالة فئات معينة تستفيد منه، خصوصاً في طرابلس شمالاً، حيث مئات الموقوفين وفي منطقة البقاع حيث آلاف المطلوبين بتهم زراعة «الحشيشة» وترويج المخدرات وتعاطيها.
ودعا المحتجون إلى التجمع عند مداخل ساحة النجمة في العاصمة بيروت، لمنع النواب من الوصول إلى البرلمان لإقرار قانون عفو عام قبل أن يعلن رئيس البرلمان نبيه بري تأجيل الجلسة. وقال محتجون في دعوتهم، إنه «يجب منع النواب من شراء الذمم وإعفاء مجرمين ومطلوبين للعدالة، ومنهم من يشاركون في السلطة وينهبون المال العام». وأطلقوا على هذا الأسبوع اسم «أسبوع العصيان» داعين لتنفيذ إضراب عام شامل اعتباراً من اليوم في مختلف الجامعات والمدارس اللبنانية.
وأعلنت نقابة موظفي ومستخدمي الشركات المشغلة لقطاع الخلوي في لبنان بدء إضراب مفتوح، والتوقف عن العمل في شركتي «ألفا» و«تاتش» بدءاً من اليوم في الفروع الرئيسية وفي كل المناطق، اعتراضاً على حرمانهم من مكتسباتهم وقضم 30 بالمئة من مدخولهم السنوي، بما ينعكس وضع كارثياً على معيشة أكثر من 2000 عائلة.
من جانبه، دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين إلى الإضراب العام اليوم والتظاهر أمام مجلس النواب، والمشاركة بكل التحركات في مختلف المناطق وبكل الساحات.
أما تجمع المهنيات والمهنيين، فقد أكد أن «العفو العام قد يتسبب بانهيار على صعيد النظام القانوني مشابه للانهيار المالي الذي نشهده ونحن ضدّه ونعتبره خطراً ليس لأنه يتعلق ببعض الفئات بل لأنه جاء بشكل عام». وأضاف التجمع «ما من شفافية بالنسبة للأبعاد الأمنية لقانون العفو العام وما من آلية لمتابعة الأشخاص الذين سيخرجون من السجون، ويجب إعادة النظر به ودراسته في لجان».
كما دعت نقابة المهن الحرة إلى إضراب عام اليوم لمنع النواب من إقرار قانون العفو العام.
كذلك أعلن المتظاهرون في صيدا الإضراب العام اليوم استنكاراً لعقد جلسة تشريعية في مجلس النواب. وأكد المتظاهرون في البقاع أنهم سيلتزمون بدعوات الإضراب العام. واعتبر المحتجون أنه إذا واجه النواب عقبة في الوصول إلى مجلس النواب، فإن عدداً منهم ولا سيما نواب القوات اللبنانية سيتجهون إلى مقاطعة الجلسة ما لم يتم تحديد موعد الاستشارات النيابية والإسراع في تأليف الحكومة الجديدة.
ميدانياً، بات عشرات المتظاهرين ليلتهم في خيم نصبوها أمام مؤسسة كهرباء لبنان في بيروت، وتجمع المئات ليلاً وهم يقرعون الطناجر أمام المؤسسة مرددين «ثورة ثورة».
كما انطلقت تحركات طلابية لجامعة «الكسليك»، طالبوا خلالها إدارة الجامعة بإعلان الإضراب المفتوح للمشاركة بفاعلية في التحركات الطلابية الاحتجاجية التي تعم المناطق اللبنانية منذ 17 أكتوبر. ولم تتأخر الجامعة في إعلان تعليق الدروس تلبية لمطالب الطلاب الذين كانوا قد أقفلوا مداخل الجامعة وطالبوا بإعلان الإضراب المفتوح ليتسنى لهم المشاركة في التحركات الاحتجاجية.
ونظم المئات من أهالي عالية وقفة احتجاجية في «سرايا عالية» للضغط لتحقيق المطالب وإجراء استشارات نيابية سريعاً وتشكيل حكومة تكنوقراط حصراً لإدارة الأزمة المالية.
في غضون ذلك، أعلن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، أمس، تأجيل جلسة مجلس النواب التي كانت مقررة اليوم الثلاثاء، إلى 19 أكتوبر الجاري، بنفس جدول الأعمال. وقال بري في مؤتمر صحفي عقد عقب اجتماع كتلته النيابية، إن الحملة ضد عقد جلسة نيابية تهدف إلى الإبقاء على الفراغ السياسي. وقال بري «إن كتلته النيابية قررت الطلب من جميع أعضائها رئيساً ووزراء سابقين وحاليين ونواباً، رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، والطلب من وزراء الكتلة السابقين والحاليين رفع الحصانة لمعالجة ما يتعلق بالمال العام». وفي المواقف، ناشد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي «الرئيس ميشيل عون إجراء الاستشارات النيابية، وتكليف رئيس للحكومة والإسراع معه في تأليفها كما يريدها شعبنا وشبابنا، فحال البلاد لا يتحمل أي يوم تأخير، أما دعاة التجديد فهم اليوم شباب لبنان وشعبه من كل دين وطائفة وحزب ولون، إنها ثورة حضارية بناءة لا تبغي سوى قيام الدولة اللبنانية من أجل خير الشعب وحماية الكيان».
أما مطران بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عوده فقال: «عندما تنعدم الثقة بين الشعب والسلطة، التغيير واجب، وهذا يحدث في معظم البلدان، فلم الانتظار؟ أليست سلطة الشعب أقوى من كل السلطات؟ السلطة ليست ملكية خاصة، إنها تكليف من الشعب، لذلك من واجب الحاكم سماع صوت شعبه، لم نعد نملك ترف إضاعة الوقت، ولم يعد ممكناً تجاهل الناس واستغباء عقولهم، البلد يكاد يصل إلى قعر الهاوية، ارحموا أنفسكم إن لم ترحموا الشعب، إذا انهار الوضع فسينهار على رؤوسنا جميعاً ولن ينجو أحد».